يقولون أن العين هي مرآة القلب، لكن ماذا لو قلنا لك أن العين هي مرآة لبعض جيناتك.
نعم، فالكثير من الاكتشافات تدلنا على هذه النظرية، وعين الإنسان تدل -ولا شك- على عظمة خالقها.
لسنا في صدد التحدث عن التشريح الوظيفي للعين هنا ولم نفرد هذا المقال للتحدث عن تقدم العلم وكيف أنه يتوجه إلى اعتماد العين كبصمة تحدد هوية صاحبها، ولكن مهلاً!
ماذا لو امتلك إنسان بصمتين مغايرتين في وجهه؟ لهو سؤال جيد بحق!
وما سنتكلم عنه اليوم لا يخرج بعيدًا عن هذه (الفانتازيا) فموضوع اليوم بعنوان
(تغاير تلون القزحيـتين)
فعلى الرغم من اعتبارها حالات نادرة فإنها تدعو للتأمل، وربما أثارت شغفك وتساؤلك.
● دعنا نوضح بعض الأمور أولًا:
لون العين ما هو إلا نتيجة لوجود صبغة الميلانين في القزحية واختلاف ألوان أعين الناس مؤشر على تفاوت نسب الميلانين في أعينهم، فالقزحية بنية اللون تحوي نسبة عالية من الميلانين (ويختلف عدد الطبقات طبعًا) أما العين الزرقاء فهي فقيرة إلى الميلانين نسبيا.
هناك جينان تم اكتشاف علاقتهما بلون القزحيـتين عن طريق تحكمهما بدرجة التصبغ وهما EYCL3 الموجود على الكروموسوم 15 والجين EYCL1 الموجود على الكروموسوم 19.
● ما هو تغاير لون القزحيـتين؟
في الحقيقة هنالك ثلاثة أنماط لتغاير لون القزحيـتين:
النمط الأول: التغاير المركزي وهو تغاير يحصل في عين واحدة بحيث تُظهر الحلقة الخارجية للقزحية لونًا مغايرًا للحلقة الداخلية ومن أمثلة ذلك ما عرضناه عليكم في مقال سابق بعنوان متلازمة عين القط.
النمط الثاني: التغاير الكامل: وقد نعتبر هذا النمط الأكثر إبهارًا، حيث سيملك صاحب هذه الطفرة عينين بلونين مختلفين مثل الأزرق والبني.
النمط الثالث: التغاير الجزئي: وهنا سنجد مناطق من القزحية (غير الحلقتين) تُظهر ألوانًا مغايرة لباقي أجزاء القزحية.
– متى يظهر؟
يمكن لتغاير العينين أن يحدث نتيجة خلل جيني يولد الإنسان به (قد يظهر مباشرة عند الولادة وقد يظهر لاحقًا) ومن الممكن أيضًا أن يكتسبه الإنسان في وقت لاحق من حياته نتيجة لبعض الأمراض أو الإصابات، وهناك احتمال ثالث لانتقال هذه الصفة بشكل وراثي عن طريق الأبوين.
● عينان متغايرتان كليا:
في بعض الحالات لن يكون لتغاير لون القزحيـتين ارتباط مَرَضي بأعراض واضحة حيث سيكون على الأغلب نتيجة طفرة في أحد الجينين المسؤولين عن تصبغ العينين (كما أشرنا إلى ذلك أعلى) ولا شيء تقلق حياله هنا، ولكن فيما لو كان هذا التغاير مرافقًا لأعراض أخرى أو أن عينيك تغايرتا في وقت لاحق فحينها عليك استشارة طبيبك لتحديد الأسباب وراء هذا التغاير.
ربما كُنت تود أن تكون لك مثل هاتين العينين، لكن قد تغير رأيك بعد هذا:
فدعونا إذن نستعرض بعض أسباب التغاير الكلي للقزحيـتين:
1- متلازمة واردينبيرغ:
هناك طفرات جينية متعددة قد تُحدث هذه المتلازمة والتي قد تصبح صفة جينية سائدة (الأكثر شيوعًا) أو متنحية.
وتوصف هذه المتلازمة بمجموعة من الأعراض مثل التغاير الكامل أو الجزئي في لون القزحيـتين ودرجات مختلفة من فقدان السمع قد تصل إلى الصمم بالإضافة إلى تصبغ الشعر والجلد وامتلاك مظهر غير طبيعي للوجه.
2- متلازمة ستيرج بيرغ:
وهي خلل في الجين GNAQ والذي سيؤدي إلى زيادة في نمو الأوعية الدموية مما سيؤدي إلى ظهور أعراض تضرر الجلد والجهاز العصبي بشكل أساسي.
والأعراض التي قد تظهر على المصابين بالمتلازمة عديدة ومنها إزرقاق العين مما قد يُحدث تغايرًا في لون العينين، وكذلك ظهور وحمة وعائية (تسمى وحمة الفراولة)، وبعض الأعراض العصبية الأخرى مثل التشنجات وكثرة المنعكسات الحركية.
3- متلازمة هورنر:
هي مجموعة من الأعراض تظهر نتيجة تلف في السلسلة العصبية الودية تتمثل في انغماس العين وتضيُّق حدقتها وتدلِّي الجفون العليا بالإضافة إلى توقف التعرق في جانب واحد من الوجه (الجانب المماثل لجانب تلف السلسلة العصبية الودية (وأيضًا ضعف تصبغ القزحيـتين مما قد يؤدي إلى تغاير كامل أو جزئي.
4- متلازمة باري رومبيرغ (الضمور الوجهي النصفي التصاعدي):
هو ضمور يتفاقم ببطء في جانب واحد من الوجه (في بعض الحالات قد يصيب كل الجانبين من الوجه وقد يشمل أجزاء أخرى من الجسم) ومن علاماته عدم توافق جانبي الوجه وتباين مضطرب في التصبغ (مما قد يقود إلى تغاير لون القزحيـتين).
5- الخيميرية:
وهي حالة مدهشة بحق ونادرة إلى حد بعيد، فهذه الحالة لا تحدث نتيجة إصابة، مرض، أو حتى خلل جيني.
دعونا نتفق أولًا على أن لكل إنسان حمضًا نوويًا واحدًا (DNA)، نعم، ما تفكرون به صحيح إلى حد ما، ففي حالات نادرة جدًا قد يمتلك بعض البشر أجزاءً من أحماض وراثية أخرى ليست لهم (بالإضافة إلى حمضهم النووي الخاص).
ولنقرب الصورة أكثر، فلو فرضنا أن أحد المرضى احتاج إلى عملية زراعة كبد فإنه سيبحث عن متبرع وهذا المتبرع بالتأكيد قد تكوَّن كبده من خلاياه الخاصة والتي تحوي حمضه النووي كذلك، وبمجرد نقل جزء من الكبد إلى المريض فإن هذا المريض سيملك حمضًا نوويًا لشخص آخر في كبده.
والآن، لنرفع مستوى التفكير قليلًا، ماذا لو أجرى مريض عملية نقل نخاع عظمي (النخاع العظمي هو المسؤول عن تصنيع الدم بشكل أساسي)، سيستمر جسمه بصناعة نفس نوعية الدم التي طالما صنعها، ولكن ذلك النخاع العظمي الجديد بحمضه النووي المختلف قد يصنع نوعًا مغايرًا من الدم.
ولكن، هناك ما هو أكثر تشويقًا، فبعض الناس يولدون بحمض نووي إضافي يحصلون عليه قبل أن يولدوا حتى، وربما سيحدث ذلك نتيجة انتقال بعض الخلايا من أخ توأم فتختلط تلك الخلايا بخلايا التوأم المستقبٍل ويولد هذا الصبي بحمض وراثي له وآخر من أخيه، وفي حالة أكثر ندرة قد يملك هذا الطفل تغايرًا بديعًا في عينيه.
● أسباب أكثر شيوعًا لحدوث التغاير:
غالبًا ما تكون هذه الأسباب مُكتسبة وتكون من النمط الجزئي أو المركزي ونذكر منها ما يلي:
1- تعرّض العين لضربة مباشرة، وهو أمر قد يُحدث ضررًا دائمًا بهذه العين بما في ذلك تغير لونها.
2- مرض الجلاوكوما أو ازرقاق العين، وهي حالة شائعة الحدوث ومصاحبة لمجموعة من الأمراض التي قد تؤدي لارتفاع ضغط العين بسبب تجمع السوائل فيها، وهو أمر سيسبب ضررًا بهذه العين قد يصل إلى حد العمى.
3- بعض الأدوية قد تسبب تغايرًا في لون العين بما في ذلك أدوية الجلاوكوما ذاتها.
4- الورم الأرومي العصبي، وهو نوع من أنواع السرطان التي تصيب الأعصاب وغالبًا ما يكون المصابون به بعمر أصغر من 10 سنوات.
5- الورم الميلانيني (ميلانوما العين)، فقد ذكرنا آنفًا أن الميلانين هو المُصبٍّغ الرئيس للعينين.
6- العمليات الجراحية، قد تترك بعض العمليات الجراحية آثارًا على العين مما قد يسبب تغاير تلونهما.
● نصائح قبل الختام..
1- الفحص المستمر للنظر خيار جيد لمن أراد سلامة بصره.
2- إذا لاحظت ما يريبك في عينيك أو عيون من حولك فتوجهوا إلى الطبيب وتذكروا أن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
وأخيرًا.. كلما تنظر إلى عينيك في المرآة تدبر قليلًا ثم احمد الله على ما وهبك وحباك ثم اشكره على إنعامه وتفضيله لك بغض بصرك وكفِّ أذاك وخدمة دينك وإعمار دنياك. ولا تكن هذه النعمة نقمة عليك. {{وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}} [الأنبياء: 35]