تعرفنا في الجزء الأول عن حياته، وعن نشاطه الفلكي في اسطنبول الذي بدأ عام ١٥٧٣ في مرصد اسطنبول، واستمر حتى إغلاق المرصد عام ١٥٨٠ لأسباب سياسية، وقد قام تقي الدين باختراع أدوات رصد جديدة قام بإضافتها إلى المجموعة المستخدمة في المراصد الفلكية في #العالم الإسلامي، أهمها:
وهي أداة تستخدم لقياس المسافات الظاهرية بين #النجوم، وهي تشبه (السدس the sixtant) الخاص بالعالم تايكو برايي، ويعدان من أهم الابتكارات على الصعيد الفلكي في القرن السادس عشر.
تتكون المشبهة بالمنطق من ثلاث مساطر تعلق اثنين منهم على الثالث كما المثلث، ويثبت قوس إلى نهاية أحد المساطر وقد ابتكر تقي الدين هذه الأداة من أجل التأكد من نصف قطر كوكب الزهرة الذي كان مذكوراً في الكتاب العاشر المجسطي لبطليموس!
وتستخدم لتحديد الاعتدالين الربيعي والخريفي، وكان بعض علماء #الفلك قد صمموا حلقة غير مجزأة موازية لدائرة الاستواء وتستخدم لنفس الغرض، لكن تقي الدين اخترع جهازه هذا في المرصد الجديد ويتكون من قاعدة مستطيلة الشكل وأربع أعمدة، وينصب عمودين على القاعدة بحيث تمتد بينهما سلسلة، يوضع العمود الأول بشكل يتوافق مع (تجب cos) خط عرض المدينة والآخر ليعادل (جب sin) الخاص بالمدينة، كما يوجد ثقب على كل من هذه الأجزاء بحيث يناسب البيانات المذكور ويوجد حبل يربط هذين الثقبين ببعضهما بشكل مستقيم.
لقد استخدام تقي الدين #ساعة ميكانيكية في مرصده كان قد صنعها بنفسه بالإضافة إلى (جدارية خشبية) أيضاً من إعداده وكانت هذه الأخيرة أكثر دقة من اللواتي استخدمن سابقاً وتعد من التطبيقات الهامة لعلوم الفلك في القرن السادس عشر.
وبالنظر إلى الأداة التاسعة لبطليموس والتي كانت ساعة فلكية في كتاب الجدول الفلكي الامبراطوري (The Astronomical Instruments for the Emperor’s Table) نجد الاقتباس التالي ”سأكون قادراً على إنشاء قدر كبير من الانتظام إن تمكنت من قياس الوقت بشكل دقيق“.
وبهذا نجد أن تقي الدين قام بتحقيق ما لم يستطع تحقيقه بطليموس، وبقراءة مخطوطة “سدرة المنتهى” نجد أن تقي الدين قد قال:
”ولقد استطعنا بناء ساعة ميكانيكية جدارية تظهر الساعات والدقائق و الثواني وقسمت كل دقيقة فيها الى خمسة أجزاء“.
عندما نقارن الأدوات التي استخدمها تقي الدين مع تلك التي استخدمها تايكو برايي في مرصده؛ نجدها متشابهة بشكلٍ كبير، #لكن الأدوات التي استخدمها تقي الدين كانت أكبر حجماً وأعلى دقة.
على سبيل المثال كلاهما استخدم الرباعية الجدارية (mural quadrant) بغرض قياس ميل الشمس والنجوم، لكن تقي الدين صنع رباعيته باستخدام قوسين نحاسيين يشكل كل منهما ربع دائرة نصف قطرها ستة أمتار ولكن بالنظر الى رباعية تايكو برايي فنجدها بنفس الوصف لكن أقواسها تمتلك قطر قدره مترين فقط.
لقد استخدم تقي الدين في مرصده كل من التقنيات التي كانت مستخدمة في مراصد #دمشق و #سمرقند.
وكان أول عمل قام به في المرصد هو العمل على تصحيح الجداول الفلكية العائدة إلى السيد أولوگ (ulug bey)، كما قام أيضًا بتدوين ملاحظات على كل من الكسوف والخسوف، وفي أيلول من عام ١٥٧٨ ظهر مذنب في اسطنبول لمدة شهر واحد، وكان على موظفي المرصد التأهب والمداومة ليلاً نهاراً لتسجيل ملاحظاتهم وإرسالها إلى السلطان.
وكان تقي الدين قادراً على التعامل مع المشاكل والنتائج بطريقة مبتكرة وسلسة، بفضلِ أدواته التي ابتكرها أو تلك التي طورها لتناسبه.
كما قام بتدوين جداوله #الفلكية على أساس النظام العشري بدلاً من النظام الستيني كما استخدم الكسور العشرية لتدوين الجداول المثلثية، وحدد درجة مسير الشمس (degree ecliptic) بـِ (23°28’40”) وهي قريبة جداً من القيمة المعروفة اليوم (23°27′)، كما استخدم طرق جديدة لحساب المعلومات الشمسية على وجه الخصوص وقد قاس حجم الحركة السنوية للذروة الشمسية (that the magnitude of the annual movement of the sun’s ) وكانت القيمة التي حددها (٦٣ ثانية) وبالنظر إلى القيمة المعروفة اليوم وهي (٦١ ثانية) نجدهما متقاربتان، وهذا بفضل أسلوبه الدقيق الذي تفوق به على #كوبرنيكوس (٢٤ ثانية) وتايكو برايي (٤٥ ثانية).
وكان المرصد شاهداً على قدر كبير من النشاط في الفترة القصيرة الممتدة بين (١٥٧٧-١٥٨٠)، والملاحظات التي دُوِنَّت هناك جمعت في عمل تحت عنوان ”سِدرَة مُنتَهَى الأَفكَار فِي مَلَكُوت الفَلَك الدَّوَّار“، وكما ذكرنا سابقاً اذا ما قورنت تلك الملاحظات مع نظيرتها التي دونَّها الدنماركي تايكو برايي فإن ملاحظات تقي الدين كانت أكثر دقة.
في الجزء القادم نتعرف على مؤلفات تقي الدين، انتظرونا..