جامع السلطان المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الجركسي
يزخر التاريخ الإسلامي بالإنجازات في كافة نواحي الحياة ، ولعل من أبرز ما أجاده المسلمون هو فن العمارة، فقد تميزوا عن غيرهم وابتكروا ووضعوا بصمتهم وطابعهم الإسلامي على منشآتهم التي تشهد لهم حتى يومنا هذا.
تميزت دولة المماليك بالعناية بالعمارة الإسلامية والتوسع في بناء المساجد والمدارس والمستشفيات على أطرزه الفريدة ، خاصة المماليك الجراكسة ومنهم السلطان المؤيد شيخ وهو المؤيد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبدالله المحمودي الظاهري الذي حكم مصر في الفترة من أول شعبان من عام 815 ه إلى محرم سنة 824 ه ويرجع أصل السلطان المؤيد إلى طائفة جركسية كانت تقيم بآسيا الصغرى وأطلق عليها كرموك و كانت من أشرف بطون الجراكسة.
بعد أن تولى المؤيد شيخ السلطنة قرر أن يبني مسجدا جامعا بالقاهرة فأوقف له أوقافا كثيرة للإنفاق على بناءه
فما قصة هذا بناء هذا المسجد ؟
كان السلطان المؤيد شيخ قد نذر أن يبنيه إذا فرّج الله عنه وحكم مصر، إذ كان مسجونا في خزانة شمائل (سجن شنيع بالقاهرة حينها)، فقد سجنه الملك الناصر فرج بن برقوق بعدما اتهمه بالتآمر عليه فنذر أن يهدمها و يقيم مكانها جامعا و مدرسة وبالفعل خرج من السجن وأصبح له الحكم فأزال خزانة شمائل وبعض المناطق المجاورة وانشأ المسجد الشهير “مسجد المؤيد شيخ”.
يعتبر جامع المؤيد الشيخ واحدا من أعظم و أجمل العمائر الدينية المملوكية
بُني على أبهى صورة حتى قال عنه المؤرج الشهير المقريزي: “فهو الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه وضخامة بنيانه، أن منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنو شروان، ويستصغر من تأمل بديع إسطوانة الخورنق و قصر غمدان، ويعجب من عرف أوليته من تبديل الأبدال”.
ويتزين بناء المسجد هناك بالرخام بجميع ألوانه والذي تم إحضاره من أماكن مختلفة واستخدامه في تزيين الجدران والسقف والأرضيات في تصميمات تجعلك تشعر بالذهول من جمالها.
وتوجد المنارتان التوأمان للمسجد فوق باب زويلة الذي يهيمن على المنطقة، ويوجد ضريح السلطان المؤيد وعائلته في المسجد.
أما باب المسجد النحاسى المركب الآن على باب جامع المؤيد فيعتبر مثالًا رائعا لأجمل الأبواب المكسوة بالنحاس المشغول على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة، وما يقال عن هذا الباب يقال عن باب المنبر.
ويتكون المسجد والمدرسة من صحن أوسط تحيط به 4 إيونات أكبرها إيوان القبلة، ويتألف من ثلاثة أروقة، بينما تتألف الثلاثة إيونات الأخرى من رواقين فقط.
استغل القائمون على بناء المسجد قرب جبل المقطم فأخذوا منه ما يحتاجونه من الأحجار الجيرية، كما استخدموا مواد أخرى مثل الجص والرخام والنحاس.
في الحقيقة، فإن مسجد المؤيد شيخ لا يقتصر على كونه مسجدا بل كان يحوي بداخله مدرسة ومساكن لطلبة العلم.
وبالرغم من أن السلطان المؤيد قد افتتح المسجد إلا أن بنائه قد اكتمل بعد وفاته.
يطل باب المسجد حاليا على شارع المعز لدين الله إلى يسار الداخل من باب زويلة بالسور الجنوبي لمدينة القاهرة ، استغل مهندس الجامع برجي الباب وجعلهما قاعدتين لمئذنتي الجامع وقد انتهى بناء المئذنة الشرقية في رجب سنة 822هـ (1419م) وانتهت المئذنة الغربية في شعبان سنة 823هـ ( 1420م) سجل مهندس المئذنتين اسمه عليهما وهو محمد بن القزاز ومن جهة الشمال شرق تحده حارة الأشرقية، ويطل على شارع تحت الربع من الجهة الجنوبية الغربية، ويتداخل جنوبا مع البرج الغربي لباب زويلة (أحد أبواب القاهرة القديمة)
الجدير بالذكر أن جامع المؤيد شيخ شهد العديد من أعمال الترميم لعل أقدمها ما قام به الأمير يشبك من مهدى سنة 884 ه /1479 م بأمر من السلطان الأشرف قايتباي
وعلى غير عادة معظم الجوامع المملوكية لم يهمل فى العهد العثمانى، وظلت شعائره قائمة ودروسه مستمرة، غير أن الوالي العثماني أحمد باشا ضربه بالمدافع حينما احتمت به جماعة من الثائرين على الحكم العثماني مما أدى إلى هدم بعض جدرانه وأروقته.
وهو ما استمر قرونًا حتى رُمم مؤخرًا بشكل شامل وفق تصميمه الأصلي باستثناء مئذنته الثالثة، وخصوصًا إيوان القبلة والمداخل والقباب، بالإضافة إلى بناء الإيوانات الثلاثة المكملة وتم افتتاحه بعد تجديده فى يوليو 2007م و فتح كوجه سياحية و مازال أعمال جارية.
المراجع:
جامع المؤيد شيخ – للدكتور فهمي عبد العليم ، طبعة هيئة الاثار المصرية .
العمارة الإسلامية فى مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر المملوكي، 21-923 هجري – 641-1517م — أحمد عبد الرزاق أحمد.
العمارة الاسلامية في عصر المماليك الجراكسة: عصر السلطان المؤيد شيخ ، فهمي عبد العليم ، طبعة هيئة الاثار المصرية .