من المعلوم أن العالم كله يتوجه الآن إلى الطاقة البديلة أو (الخضراء) كالطاقة الشمسية، والرياح، والنباتات، حيث أجريت العديد من الأبحاث لتحسين كفاءة هذه الموارد الطبيعية، ولكن الغريب بأن دراسة حديثة نُشرت في مجلة (Environmental Science & Technology) أفادت بأنه يمكن الاستفادة من طاقة المدن القديمة (الطاقة الحرارية الموجودة تحت المدن).
من المعروف بأن درجة الحرارة في المدن أعلى ممّا هي عليه في المناطق الريفية، وذلك يعود إلى هيكلية المدن التي تعمل كأنها مصائد للحرارة، هذه الظاهرة اكتشفت في القرن التاسع عشر وتم تسميتها (الجزر الحرارية الحضرية) أو (urban heat islands) ، ولكن إذا استطعنا تطوير طريقة جديدة للقياس يمكننا الاستفادة بشكل أكبر من هذه الطاقة الحرارية الغير مستغلّة.
طوّر علماء من ألمانيا وسويسرا وسيلة لقياس درجة حرارة المياه الجوفية المخبأة أسفل المدن، بناءً على درجة حرارة السطح وكثافة المباني وذلك من خلال الأقمار الصناعية، وهناك عوامل عديدة أيضاّ تساهم في رفع درجة حرارة المدن ومنها (كثافة السكان، مستويات الغطاء النباتي، المنشآت الصناعية والمواصلات).
بالرغم من أن وسائل القياس أصبحت متطورة كالأقمار الصناعية وغيرها، إلا أن العلاقة بين درجة حرارة السطح والباطن مازالت غير واضحة حتى هذه اللحظة، ولكن العلماء حاولوا كشف العلاقة من خلال أخذ درجات حرارة 4 مدن ألمانية منها قديمة ومنها حديثة لمقارنتها مع باطن المدينة من الأسفل حيث قامت الدراسة على ( برلين، كولون، ميونخ وكارلسروه).
حيثُ وجدوا بأن المدن القديمة كمثل (كولون) تكون درجة حرارة سطحها مترابطاً ومتقارباً إلى حدٍ كبير مع باطنها أكثر من تلك المدن الأقل عمراً أو الأحدث إنشائياً كمدينة (كارلسروه)، كما أن 95% من المناطق التي تمت دراستها وجدوا بأن باطن الأرض (تحت المدينة) أعلى من السطح الخارجي، ويعزو الباحثون ذلك إلى وجود كميات كبيرة من مصادر الحرارة الاصطناعية من صرف صحي و أقبية المباني (السراديب) تحت الأرض.
يمكن الاستفادة من درجة حرارة المياه الجوفية أسفل المدن في توليد الكهرباء – مصدر متجدد وطبيعي – يكون ذلك في توليد تدفئة في الشتاء وبرودة في الصيف وذلك من خلال مضخات خاصة تُوضع أسفل المدن، وأوضحت الدراسة أيضاً بأن 80% من المناطق التي تمت دراستها أظهرت ترابطاً مكانياً بين درجة حرارة المدن وأسفلها (تحت الأرض) ، كما بينت قياسات وحسابات الأقمار الصناعية بأن قياس درجة حرارة المدينة الخارجية غير كافية ولا تعطي انطباعاً حقيقياً لدرجة حرارة المياه الجوفية أسفل المدينة.
على الرغم من أن كثافة السكان ودرجة الحرارة الصادرة من الأقبية (السراديب أسفل المباني) أخذت بالحسبان، ولكن الباحثين وجدوا أن متوسط الخطأ لدرجة الحرارة أسفل المدن تُقدر ب 0.9 كالفن، ولا ننسى بأن الباحثين أخذوا 4 مدن فقط في هذه الدراسة وهي بالتأكيد غير كافية، فهذه الدراسة تحتاج إلى توسيع نطاق البحث حتى يحدث تحسن في النظام بشكل عام من حيثُ تحسين وتطوير التكلفة الإنشائية والجودة مع الوقت من حيث فاقد الطاقة.
بالتأكيد هذه الدراسة ستفتح آفاق جديدة للباحثين وعلماء البيئة وكل المهتمين لاستخدام الطاقة البديلة (الخضراء)، ومن المعلوم بأن محادثات باريس الأخيرة جاءت كمحاولة متأخرة جداً من العالم لوقف أو تخفيف _على الأقل_ انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي.