يعد الماء واحدًا من المُركبات الأساسيّة في كوكبنا. إذ يشكل حوالي ستين في المئة[60%] من أجسادنا – نحن البشر- ومع ذلك، ما زال يدهشنا بطريقة لم نكن لنتخيلها !
ففي محاولة تحقق فيها الباحثون من خصائص الماء الفيزيائيّة، وجدوا أنَّه عند تسخينه لدرجة حرارة ما بين [40-60] درجة سليزيّة؛ فإنَّه يصادف درجة حرارة انتقالية عكسية، و تبدأ في التّنقل بين حالتين مختلفتين من حالات المادة السائلة ! والتي تجعلها تُغير كلَّ خصائصها الفيزيائيّة في الحالة الجديدة.
و رغم حيويّة مركب الماء الشديدة كيميائيًا، والتي بدورها تضمن الحياة على الأرض؛ إلا أنّنا قللنا من قدراته المريبة – مع اعترافنا بطبيعة ذلك – ومردّهُ، لأنّنا اعتدنا على ذلك فقط ! كما وأنَّ اعتيادنا- أيضا- على وجود الماء في حالة واحده فقط، قد يقف عائقا حول تصديقنا بوجوده بين حالتين في شكله السائل خلاف الحالات الفيزيائيّة الثلاثة [الصلبة و السائلة و الغازيّة] و هي أشبه ما تكون بالبلازما.
لا تتعجب ! فما زال الماء قادرا على إدهاشنا، و إليك بعض الحقائق الغريبة عن قدرات المياه و التي قد نتجاهلها رغم معرفتنا بها:
• فالماء هو المادة الوحيدة التي يطفو الشكل الصلب عليها [ الثلج ] في حالته السائلة!
• كما أنَّه أعلى المواد في التوتر السطحي بين كل السوائل.
• درجة غليانه العالية جدا، والتي تصل إلى [ 100] درجة مئوية عند الضغط الجوي الطبيعي، وهذا بعكس كل المُركبات السائلة التي يدخل الهيدروجين بشكل أساسي في تركيبها كما في: (Hydrogen Telluride- Hydrogen Selenide-Hydrogen Sulfide) والتي كلما صغُر وزنها الجُزيئيّ انخفضت درجة غليانها؛ إلا أنَّ الماء يملك درجة غليان عالية رغم ِصغر الوزن الذريّ لمكوناته.
« لا أحد يفهم الماء في الحقيقة» ! هكذا صرح فيليب بول. وأضاف: « إنّه لمن المخزيِ أن نعترف بهذا! إنّ الشيء الذي يغطي ثلثي كوكبنا لا يزال شيئا غامضا، والأسوأ: أنّه كلما أنعمنّا النّظر كلما تراكمت المشاكل. لدينا الآن تقنيات جديدة تغوص بعمق في التركيب البنائي الجزيئي المعماريّ للماء لتفك باب طلسم جديد من الألغاز »
بدأ فريق دولي بقيادة الفيزيائية لورا المايسترو، الذي انطلق من جامعة أكسفورد، في المملكة المتحدة للبحث في عدد من خصائص معينة من المياه.
فقد اعادوا النظر في عدة أمور مثل: التوصيل الحراريّ، معامل الانكسار، والموصليّة، التوتر السطحيّ، وثابت العزل الكهربائيّ – كيف يمكن ولأي مدى أن ينتشر مجال كهربائيّ من خلال المادة بشكل جيد- وكيف استجاب لتقلبات في درجات الحرارة بين [صفر ، و 100] درجة مئوية.
إذاً، ما الذي يحدث هنا؟ ليس من الواضح بعد، ولكنَّ الحقيقة أنَّ الماء يمكنه التبديل بين حالتين مختلفتين تماما من السائل، عند درجات حرارة معينة، وربما يرتبط هذا بكون الماء له تلك الخصائص الفيزيائية الغريبة و التي سبق و أنْ ذكرناها في الأعلى.
«بول» يكتب في مجلة الطبيعة Ball writes for Nature
«ترتبط جزيئات الماء بعضها البعض بالروابط الهيدروجينيّة، وهذه الروابط الهيدروجينيّة، هي في الواقع، أضعف بكثير من الروابط التي تربط بين عناصر الهيدروجين والاوكسجين – الذرات – داخل جزيئاتها.
لهذا السبب؛ فإنّ الروابط الهيدروجينيّة التي تربط جزيئات الماء معا تتكسر و تعيد تشكيلها باستمرار، و مع كل تلك الفوضى، فإنّ الهياكل و« القواعد» لا تزال قائمة. علماء الفيزياء يظنون أنَّ هذا هو ما يعطي الماء خصائصه غير العادية . ولكن, لا أحد متأكد تماما كيف تعمل. واتفق الجميع على جانب واحد:« أن التركيب الجزيئيّ للماء هو الذي يميزه عن معظم السوائل الأخرى، [روابط هيدروجينية عابرة] ».
بينما سيحتاج مايسترو وفريقه إلى تكرارها من قبل فريق مستقل، قبل أنْ نتمكن من البدء في إعادة كتابة الكتب المدرسية لتعكس (4 أو 3.5) حالة من الماء التي يمكن أن توجد. ويقولون: « إنَّ اكتشافهم قد يكون له إسهامات كبيرة لفهمنا لكل من النظم البيولوجيّة والنانويّة» .
يكتبون في أوراقهم «الابحاث» :
« على سبيل المثال، الخصائص البصرية لمعدني الذهب والفضة النانويّة افترقت في الماء، كما استخدمت ( nanoprobes)، وخصائص الانبعاثات من نقاط الكم، وتستخدم لـ (bioimaging) مظان واستهداف الورم، وتظهر سلوك المفرد في هذا النطاق درجة الحرارة» .
« كما ويثار التساؤل أخيراً حول: ما إذا كانت التغييرات الهيكليّة ،التي تحركها درجة الحرارة في الماء تؤثر في الجزيئات البيولوجيّة في المحاليل المائيّة، وعلى وجه الخصوص في البروتينات، التي هي الوحدات البيولوجيّة الوظيفيّة الحيويّة في الخلايا الحية»
.