حثل دوشن
ينمو الطفل، لكن تضمر عضلاته!
حثل! غريبة هذه الكلمة.. أليس كذلك؟
لماذا سمي المرض بحثل العضلات لدوشن؟ ما آلية حدوثه وكيف نشخصه؟ ما علاجه؟
كل ذلك نتكلم عنه في مقالنا هذا إن شاء الله.
الحثل هو الضعف وسوء الحال، وسمي بحثل دوشن نسبة إلى طبيب الأمراض العصبية الفرنسي دوشن دي بولون.
حثل دوشن هو مرض عضلي متفاقم، يسبب ضعفًا وضمورًا متفاقمًا في كل من العضلات الهيكلية والعضلة القلبية.
يصيب الذكورَ بشكل أساسي، إلا أنه في حالات نادرة قد يصيب الإناث.
والعجيب أنه ينشأ عن تغير بسيط فقط في النظام المعقد للجسم.
⬅️ كيف يحدث وما آليته؟!
يحصل حثل دوشن بسبب طفرات تطرأ على جين DMD المُرمِّز (الذي يحوي تعليمات صنع) لبروتين يُدعى Dystrophine.
يُنتَج هذا البروتين بشكل رئيسي في العضلة القلبية والعضلات الهيكلية، وتتجلى مهمتُه الأساسية في حماية وتثبيت الألياف العضلية، كما تُنتَج كميات قليلة منه في الخلايا العصبية لبعض أجزاء الدماغ كالحُصَين Hippocampus؛ الذي يشرف على وظائف التعلّم والذاكرة والعواطف، لكن آلية عمله في الخلايا العصبية غير مفهومة بشكل واضح حتى الآن…
تسبّبُ طفرات جين DMD إنتاج Dystrophine طافرٍ غير قادر على القيام بوظائفه، وبالتالي ضعف العضلات، ما يعرضها للتأذّي بشكلٍ أسهل ويطوّر الالتهابات فيها، ومع مرور الوقت تحدث المشاكل العضليّة والقلبية.
إن توقّفَ إنتاج Dystrophine في الحُصين والخلايا العصبية الأخرى يؤدّي إلى اضطرابات في التعلّم والذاكرة واضطرابات اجتماعية سلوكية، إلا أن هذه الاضطرابات لا تحدث عند جميع مصابي DMD، ولا يزال تفسير ذلك غير معروف!
بتنوع الطفرات الطارئة على جين DMD، تنتُج أنماط مختلفة من الضمور والاعتلالات العضلية تُدعى: اعتلالات الدستروفين Dystrophinopathies، والتي تختلف عن بعضها البعض بشدّة الأعراض، ومنها حثل بيكر
Becker muscular dystrophy (BMD)
وحثل دوشن المرتبط مع اعتلال العضلة القلبية المتوسّعة
DMD-associated dilated cardiomyopathy (DCM)
⬅️ الأعراض والعلامات:
تبدأ ملاحظةُ أعراض حثل دوشن لدى الذكور من عمر سنة إلى 6 سنوات، وتضعف العضلات بشكلٍ كبير من عمر 6 إلى 11 سنة، وقد يضطر الطفل لاستعمال دعاماتٍ للساقين لمساعدته على المشي في سن العاشرة!
وعند بلوغ الثالثة عشرة يستعمل أغلبُ الأطفال الكرسي المتحرك!
تشملُ الأعراض كلّاً من:
١- تأخّر الطفل في تعلم النهوض والجلوس، وتأخر المشي بمفرده عن أقرانه المماثلين له بالعمر، حيث يبدأ معظم الأطفال بالمصابين بالمشي في الشهر الثامن عشر من عمرهم.
٢- يمشي الطفل المصاب مشية متهادية، ويجد صعوبةً في الركض وصعود الأدراج.
٣- تضخّم كاذب Pseudohypertrophy في عضلة الرَّبلَة (عضلة الساق)، حيث يحتل النسيجُ الضام والشحمي مكان النسيج العضلي الضامر، وقد يرافق ذلك بعض الألم.
٤- ضعفٌ عضلي يبدأ بعضلات الورك ومنطقة الحوض والأفخاذ والأكتاف، ثم يتطوّر ليشملَ عضلات الذراعين والساقين والجذع.
٥- نمو المفاصل الصغيرة وتثبتُها وصلابتُها على حساب العضلات الآخذة في الضمور، هذا الأمر يُضعف حركة ومرونة كل من الركبتين، والمرفقين والمعصمين والأصابع.
٦- تطوّر الجَنَف Scoliosis خلال عدة سنوات من استعمال الكرسي المتحرك.
٧- تبدأ المشاكلُ التنفسية والقلبية في عمر العاشرة تقريبًا، حيث تضعف عضلة الحجاب الحاجز والعضلات المحيطة بالرئة، كما أن حدوثَ الجَنَف يزيد من مشاكل التنفس التي قد تصبح مهدّدة للحياة.
٨- اعتلال العضلة القلبية (تصيبها الضخامة) والذي يُهدّد حياة المُصاب أيضًا.
٩- ضعف الإدراك والذاكرة وقابلية التعلّم وتأثّر مهارات التواصل والسلوك الاجتماعي في بعض الحالات.
١٠- علامة غاور: هي أن يستعينَ الطفل بيديه ويقوم بالتسلق بهما للنهوض عن الأرض.
⬅️ ما علاقة حثل دوشن بالوراثة؟ وما هو احتمال أن ينقل الشخص المصاب المرض لأولاده؟
يُعتبر دوشن من الأمراض الوراثية المتعلّقة بالصبغي الجنسي X الحاملِ لجين DMD، وهذا يجعل المرضَ شائعًا ند الذكور ونادرًا عند الإناث.
كيف يكون ذلك؟
? نعلم أن الذكر يحمل صبغيين جنسيين X وY، وإن وجود الطفرة على الصبغي X يعني أن الذكر مصاب بالمرض.
? أما الأنثى فلديها صبغيان جنسيان XX، أي أن وجود الطفرة على أحدهما يعني أن الأنثى حاملة لدوشن وغالبًا ما تكون غير عرضية، أما وجود الطفرة على كليهما فذلك يعني أنها مصابة، إلا أن هذا الأمر نادر الحدوث، ولذلك يندرُ دُوشن عند الإناث.
ماذا عن الأطفال؟
نعلم أن الصيغة الصبغية للطفل تأتي من أبويه، فيأخذ صبغي X من أمه (لأنه ليس لديها سوى هذا النوع من الصبغيات). أما من الأب، فإما صبغي X (فتكون أنثى) أو صبغي Y (فيكون الطفل ذكرًا)
سنرمز للصبغي الحامل للطفرة بـ ‘X
بناء على ما تقدم ذكره:
?? إذا كان الأب مصابًا (أي أن الصبغي ‘X لديه يحمل الطفرة)، تكون جميع بناته حاملات X’X والأبناء سليمين XY (تذكر أن X الولد الذكر قادمة من أمه).
?? أما إذا كانت الأم حاملة للمرض، فإن احتمال انتقال الطفرة لكل طفل هو 50%، سواء أكان ذكراً أم أنثى، وبالطبع تكون الأنثى X’X حاملة للمرض والذكر X’Y مصابًا.
في بعض الحالات النادرة قد تصاب الإناث “الحاملةُ” للمرض وتظهر عليها الأعراض!
قد تشخَّص في بعض الحالات إصابة الطفل بدوشن دون أي إصابة عائلية سابقة!
وهنا تكون الطفرة طارئةَ الحدوث على الجين، وتسمّى طفرة جديدة New Mutation أو De Novo Mutation.
في هذه الحالة، يكون احتمال إصابة طفل آخر بدوشن منخفضًا، ولكن لا بُدّ من إجراء فحصٍ جيني واستشارة مختص بالأمراض الوراثية لمعرفة الخلل الحاصل، واحتمالية إصابة الأطفال التاليين.
⬅️ كيف نشخصه؟
عادة، يفكر الطبيب في هذا المرض عند الذكور الصغار، مع وجود قصة عائلية مساعدة، ويطلب بعض الفحوص الأخرى مثل:
١- الفحوص الدمويّة: تشمل تحديد مستوى الإنزيمات العضلية؛ مثل CK وCPK، حيث يشيرُ ارتفاعها إلى التأذّي العضلي.
٢- الفحص الجيني الجزيئي للتحرّي عن طفرة جين DMD.
٣- التخطيط الكهربائي العضلي.
٤- الخزعة العضلية، لكن الفحوص الجينية أكثر دقة وأقل تكلفةً.
⬅️ ما علاجه؟
مع الأسف الشديد، لا شفاء من حثل دُوشن.. إنما تهدفُ المعالجة إلى السيطرة على أعراضه والحدّ من مضاعفاته، ويكون العلاج بأكثر من طريقة:
١- المعالجة الفيزيائية: تُساعدُ التمارين الرياضيةُ على تقوية الوظائفِ العضلية، شريطةَ عدم الإجهاد الكبير.
٢- الستيروئيدات القشرية: أظهرت الدراساتُ أنها تحسن قوةَ ووظيفة العضلات، إلا أن لها بعضَ التأثيراتِ الجانبية غير ِالمرغوبة.
٣- دواء Exondys 51 (Eteplirsen): ساهم بمساعدة حوالي ١٣٪ من مرضى حثل دوشن.
٤- بالنسبة للمشاكل القلبية والتنفسية المُصاحبة لداء دوشن: قد يُعالَج اعتلال العضلة القلبية المُصاحب لدوشن دوائيًا، ولكن في بعض الحالات يُلجَأ إلى عملية زراعة القلب، كما تُستخدم الأجهزة التنفسية المُساعدةُ لتخفيف الاضطرابات التنفسية، خاصةً الليليّة منها ومع تطوّر المرض.
كما ترون فإن حصولَ هذا التغير البسيط في جين واحد أدى لكل هذه المشاكل، ما يدلنا على كمِّ الضبط الدقيق في جسمنا. فسبحان من جعلَه بهذا الضبط، ولم يجعل الشائعَ هو كثرة الطفرات في الجينات.
نسأل الله لمن أصيب بمثل هذا أن يتم اكتشاف علاج ليستفيدَ منه، وأن يرزقه الله الصبر والرضا، فهي حياة مؤقتة نعيشها، ثم إلى الله المستقر في حياة أبدية. فاحرص على الرضا بقضاء الله تنل أعظم مما فاتك..
دمتم في الصحة تنعمون وتشكرون.. دمتم في صحة وعافية.
إعداد: د. بنان السادات.
مراجعة: د. محمد الزاوي.
تدقيق: أمانة كزة.