يُعد علم البُني الهندسية (الطوبولوجيا – Topology) فرعاً من فروع علم الرياضيات, ويهتم بدراسة خصائص الأشكال عندما تطرأ عليها تغيرات مستمرة (إعادة تشكيلها) من دون تغير محتوياتها، فمثلاً، لو كان لدينا متر من الحبل فإنه من الممكن أن يلتوي يميناً أو يساراً ولكن لن تتغير مكوناته الداخلية؛ فعندما نقول إن جسمين متساويان طوبولوجياً، فهذا يعني أننا إذا قمنا بليِّ الجسم الأول فإننا نحصل علي الجسم الثاني، فإذا قمنا بإعادة تشكيل قطعة من طين صلصال على شكل كأس ماء, فعملية التشكيل هذه تسمى عملية تشكيل طوبولوجية، ويوجد الكثير من الأمثلة على الأجسام الطوبولوجية: فالدائرة والقطعة المستقيمة على سبيل المثال جسمان طوبولوجيان من بعد واحد، والمربع والدائرة من بعدين، والمكعب والكرة من ثلاثة أبعاد.
ومن مهمات الباحث في علم الطوبولوجيا أن يدرس الخصائص الرياضية (الطوبولوجية) للأجسام عند تحويلها من فضاء رياضي إلى فضاء رياضي آخر، أما بالنسبة لحدسية بوانكاريه فقصتها بدأت عام 1904 حيث قدمها عالم الرياضيات الفرنسي هنري بوانكاريه (أبو علم الطوبولوجيا)، ولشرح المعضلة سوف نقوم بطرح المثال الآتي: «هل يمكننا الاستدلال على كروية الأرض من خلال الانطلاق من نقطة ما على سطحها والسير بشكل مستمر إلى أن نعود إلى النقطة التي انطلقنا منها؟ حسناً، إذا كان شكل الأرض مثل قطعة «دونت» (حلقة دائرية سميكة ومفرغة من الوسط) وقمنا بإجراء التجربة نفسها فإننا سنعود إلى النقطة التي انطلقنا منها كذلك! فلنقطع الشك باليقين إذن، سنقوم بالانطلاق من نقطة ما على سطح الأرض وسنحمل معنا حبلاً طويلاً جداً نمدّه أثناء سيرنا, ثمّ في النهاية سنجد أنفسنا قد عدنا الى النقطة التي انطلقنا منها واستطعنا ربط طرفي الحبل بعضهما ببعض (أي أننا قمنا بتدوير الحبل حول الجسم كله), والآن سنقوم بسحب الحبل إلينا بصورة مستمرة, فإذا استطعنا سحب الحبل وجمعه كله عند النقطة نفسها التي نقف عندها فسنستنتج حينها أننا نقف على جسم كروي, أما إذا كنا نقف على سطح قطعة «دونت» فإن الحبل لن يُسحب أبداً، لننتبه إلى أن سطح الكرة بحد ذاته سطح ثنائي البعد, والآن كيف يمكننا التأكد من أن الحبل سينكمش بالطريقة نفسها إذا كنا في فضاء من أربعة أبعاد مكانية وكان سطح الكرة ثلاثي الأبعاد؟ صحيح أننا لا نستطيع تخيل أشكال في فراغات من البعد (ن), ولكن الحدس يخبرنا بأن هذه النتيجة هي النتيجة المنطقية (عندما يقتنع العالم الرياضي بأن فرضية ما صحيحة ولكنه لا يتمكن من البرهنة عليها فإنه ينشرها على أنها حدسية، تاركاً المجال للرياضيين الآخرين من بعده لعلهم يتمكنون من إثبات صحتها)، وقد تم بالفعل حل هذا اللغز في البعد الرابع بواسطة فريدمان سنة 1982، وتم حلّه في البعد الخامس بواسطة زيمان سنة 1961, وفي البعد السادس بواسطة ستالينغ سنة 1962, وفي البعد السابع بواسطة سمال سنة 1961, وبقي عصياً على الحل في البعد الثالث إلى عام 2003!
في عام 2000 وبمناسبة السنة العالمية للرياضيات, وضعت مؤسسة كلاي (claymath), قائمة بسبع حدسيات رياضية مهمة, وخصصت جائزة مالية قدرها مليون دولار لكل من يثبت صحة أو خطأ إحدى هذه الحدسيات، ويطلق عليها «جوائز الألفية»، وإحدى هذه المعضلات حدسية بوانكاريه التي تمكّن العالم الروسي جريجوري بيرلمان (Grigori Perelman) من حلها في أواخر 2002 و2003 وقام بنشر ثلاث ورقات بحثية في دورية (arXiv) أثبت فيها صحة حدسية بوانكاريه رياضياً.
عالم الرياضيات جريجوري بيرلمان
ومن مايو حتى يوليو عام 2006، قُدمت مجموعات مختلفة من أوراق بحثية تدرس تفاصيل إثبات بيرلمان لحدسية بوانكاريه، ووجدت المجموعات الثلاث أن الفجوات في ورقات بيرلمان طفيفة يمكن ملؤها بتقنيات مساعدة ولكنها لا تؤثر على صحة الحل، ثمّ في 22 أغسطس 2006، منح المؤتمر الدولي للرياضيات بيرلمان وسام (فيلدز) لعمله على الحدسية، ولكن بيرلمان رفض الوسام، وتحدث جون مورجان للمؤتمر الدولي للرياضيات عن حدسية بوانكاريه، وأعلن في 2006: «بيرلمان قام بحل الحدسية في عام 2003» وفي 2010 أعلنت المؤسسة رسمياً أن الروسي جريجوري بيرلمان قام بحل أول واحدة من هذه المسائل، لكن الغريب في الأمر أن بيرلمان رفض تسلُّمَ جائزته التي تبلغ قيمتها مليون دولار، كما نقل موقع «شبيغل أونلاين» الألماني، كما رفض العالم الروسي حتى إجراء أية مقابلة شخصية معه أو تصويره من قبل كبار المصورين الفوتوغرافيين في العالم، وكان بيرلمان قد حاز عام 2006 على وسام (فيلدز) في الرياضيات والذي يضاهي جائزة نوبل، ولكنه رفض أيضاً تسلم الوسام رغم المحاولات المضنية من قبل جون بول (رئيس الاتحادات الدولية للرياضيات) لإقناعه بذلك؛ فهو الذي استطاع إثبات حدسية استمرت عصية على الإثبات لما يزيد على 100 عام!