حقائق مثيرةٌ للدهشة عن الثقب الأبيض (2)
تكلمنا في الجزء الأول من المقالة عن الإحتمالية الرياضية لولادة ثقب أبيض وكونها احتمالٍ بعيد المنال, وتكلمنا عن التمايز بين الثقب الأبيض والثقب الأسود باعتبار أننا نملك الكثير من الأدلة العلميّة على وجود الثقوب السوداء إلا أننا نكاد لا نملك شيئًا عن وجود الثقوب البيضاء, فهل تم رصد أي ثقب أبيض؟
6- علاقة الثقوب البيضاء بالانفجار الكبير:
معظمنا لديه فكرةً تقريبيّةً عن نظريّة الانفجار الكبير: قبل نحو 13.7 مليار سنةٍ مضت، تمّ ضغط مادة الكون في نقطةٍ واحدةٍ متناهية الصغر، هذه النقطة تضخمت منفجرةً وما زالت تتوسع إلى يومنا هذا وهناك قدرٌ كبيرٌ من الأدلة لدعم هذه النظريّة، بما فيها ملاحظة أن جميع المجرّات تبتعد عنا.
اقترحت مجموعةٌ من الفيزيائيين وعلماء الكونيات فكرةً مثيرةً للاهتمام تدور حول مفهوم ثقبٍ أبيض، وهي أن ثقبًا أبيض كان وراء الانفجار الكبير! وذلك في سعيٍّ لتفسير كيف لمثل هذا الكمية الضخمة من الطاقة والمادة أن تظهر فجأةً، وهناك جدلٌ حول أن الانفجار البدئيّ لثقبٍ أبيض كاذبٍ في فراغٍ خماسيّ الأبعاد كان سبب الانفجار الكبير، وهو ما يُفترض أن يطرح كلّ هذه المعلومات التي ابتلعها ثقبٌ أسود.
7- هل تم رصد ثقوبٍ بيضاء؟
أصبحت الثقوب البيضاء نظريّةً لها اعتبارها بعد اكتشافٍ لا يُنسى يوم 14 يونيو / حزيران 2006، في ذلك اليوم شوهد انفجارٌ قويٌّ لأشعة غاما بواسطة Swift satellite (of NASA) (ناسا)، إن هذا الانفجار لأشعة غاما لا تناسب الفئة المتوقعة والمرافقة لهذه الظواهر، لأن هذا الإصدار من أشعة غاما يتفق مع تشكّل نجمٍ صغيرٍ أو يرتبط عادةً مع انفجار سوبرنوفا.
وعلاوةً على ذلك، في حين أن انفجارات أشعة غاما النموذجيّة تستمر لبضع ثوانٍ فقط، فإن اكتشاف يونيو 2006 استمرّ لمدة 102 ثانيةٍ، وبما أن هذا الانفجار الهائل والمفاجئ لم ينبع من انفجار سوبرنوفا ولم يصاحبه ولادة نجمٍ فإن علماء الفلك والفيزياء الفلكيّة استنتجوا أن خروج كميةٍ كبيرةٍ من الطاقة من… لا مكان ومن بقعةٍ صغيرةٍ جدًّا حدث نتيجة الظاهرة المذهلة وهي وجود ثقبٍ أبيض… ولكن هذه مجرد تكهناتٍ مثيرةٍ للاهتمام.
8- علاقة كل من الثقوب السوداء والثقوب البيضاء بالثقب الدوديّ (Wormhole):
مما يبعث على الدهشة أن تفترض وجود ثقبٍ أبيض في الطرف الآخر من الثقب الأسود: لذلك، فإن المادة والطاقة وكل المعلومات التي ابتلعها الثقب الأسود تخرج من الثقب الأبيض إلى عالمٍ جديدٍ، واقترح لودفيغ فلام -وهو عالم فيزياء نمساويّ- أن هاتين المنطقتين في الزمكان يمكن أن تكونا متصلتين بواسطة قناة زمكانية، وأن الثقب الأسود (مدخل) و (مخرجه) الثقب الأبيض وهما يمتدان بين عالمين مختلفين تمامًا!
هذه الاقتراحات مثيرةٌ للاهتمام لدرجة أن آينشتاين وناثان روزين وصلا إلى حلٍّ في عام 1935 يُعرف باسم (جسر آينشتاين – روزين)، ويمكن تعريفه بالثقب الدوديّ، وهو منطقةٌ افتراضيَّةٌ من الزمكان تملك طاقةً كافيةً لإنشاء أنفاق من خلال نسيج الزمكان.
وهكذا، فإن هندسة ذلك كله تتم باعتبار ثقبٍ أسود وثقبٍ أبيض مفتوحين على كونين مختلفين من خلال أفق الحدث الخاص بهما ومتصلين فيما بينهما بثقبٍ دوديٍّ هو الحل الدقيق لمعادلات أينشتاين.
بصراحةٍ، عدد النظريات والمعادلات في الحقل العلميّ اليوم كثيرٌ ومذهلٌ… لدرجة أنه يمكن افتراض أن الثقب الأسود مفتوحٌ على عالمٍ بديلٍ بثقبٍ أبيض يبصق المعلومات التي كانت جُمعت من قبل الثقب الأسود!؟!
9- إمكانيات السفر عبر الزمن، وهل يمكن أن يؤدي فهم حقيقة الثقوب البيضاء إلى التقدم في مجال السفر عبر الزمن؟
تم افتراض أنه في بعض الحالات الخاصة، فإن الثقب الدوديّ (أو جسر آينشتاين – روزين) بدلًا من أن يربط بين نقطتين من المكان يُمكن أن يربط نقطتين من الزمان، ومن ثَمّ فإن الجسم الذي يسقط في ثقبٍ أسود يمكن أن يسافر من خلال الثقب الدودي ليتم طرده من قبل الثقب الأبيض ليحط الرحال في منطقةٍ أُخرى من المكان أو الزمان! ومع ذلك، هناك العديد من العيوب في هذه الفكرة: وهي أن الثقوب الدوديّة غير مستقرٍة أصلًا بحيث يمكن أن تنهار على نفسها فورًا، ونعلم حقيقة أن أيّ شيءٍ يدخل ثقبًا أسوداً سوف يتمزق بفعل قوى الجاذبيّة الهائلة.
على الرغم من أن وجود الثقوب البيضاء هو (فكرةٌ نظريّةٌ)، إلا أن هذا الحال لن يستمر لفترةٍ طويلةٍ لأن الثقوب البيضاء هي حلولٌ حقيقيةٌ لمعادلة النسبية العامة… وهي فكرةٌ مثيرةٌ إذا تذكرنا اكتشاف 2006؟ ويجب ألا ننسَ: أن الثقوب السوداء كانت يومًا ما فكرةً نظريّةً، وهي اليوم حقيقةٌ علميّةٌ، وكذلك الكثير من الظواهر في عالم الفيزياء الفلكيّة كانت نظريةً!
علينا ألا نتوقف عن التفكير والتساؤل، ومحاولة كشف الأسرار التي تخفيها الثقوب البيضاء وراءها، وهذه طبيعة النفس البشريّة لا تتخلى أبدًا عن التأمل والتفكّر في خلق الله؛ {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (57)سورة غافر، ونأمل أن نفكك لغز الثقب الأبيض قريبًا.