“حواديت تطورية”؛ الحوت ذو الأرجل الأربعة
من أكبر مشكلات السيناريوهات الخيالية للتطور: مشكلة ظهور الثدييات في الماء (كالحيتان والدلافين)، لأنه وفقًا للسيناريو التطوري الشهير فإنّ الحياة انتقلت من الأسماك والبرمائيات إلى البر منذ ملايين السنين لتظهر بعدها الزواحف والطيور والثدييات؛
وهنا ظهر الإشكال الأكبر وهو: كيف ظهرت الثدييات المائية؟
وهكذا اضطر التطوريون لتخيل سيناريو تطور الحيتان الشهير والمعروف إلى اليوم – والذي اِعتمد بدرجة كبيرة على الخيالات والرسومات الافتراضية لكائنات انتقالية – وقد تجلّت هذه الخيالات والافتراضات في كائنين كمثال وهما:
1- الروديسيتوس: وهو الكائن الذي زعموا أنه حلقة انتقالية بين البر والماء ويمتلك أطرافًا وذيلًا يشبه الحوت، حيث رسم مكتشفه الدكتور “فيليب جنجريتش” كل هذه الأعضاء الانتقالية من خياله: ثم أقرّ لاحقًا في أحد اللقاءات المصورة معه أن الحفرية لم تملك أي عظام تدل على وجود الذيل ولا على هذه الأطراف (تجدون هنا)
2- الباكسيتوس: والذي زعموا نفس الزعم بأنه كان يعيش على البر لكنه يسبح ويعوم ويصطاد (وتم نشر ذلك على أغلفة المجلات عام 1983) ثم ما لبث مكتشفه نفسه أيضًا أن أقرّ في عام 2001 أنه لا يوجد له لا زعانف ولاغيرها، وإنما تمّ (تخيّلها) وأنّه حيوان برّي بالكامل !
فإذا فهمنا ذلك:
سنفهم كل ما يُثار من ضجة إعلامية كل بضعة سنوات عن “اكتشاف” حوت برّي أو حلقة انتقالية للحوت، إذ يأتون إلى بعض العظام التي لا تدل على شيء من خيالاتهم: ثم يضيفون إليها بالرسومات والقصص الافتراضية ما يخدم سيناريو تطور الحوت الذي أعجزهم إلى اليوم.
هذا فضلًا عن معضلة كبرى أخرى وهي:
أنّ هذه الكائنات التي يعلنون عنها أنّها (سلف وجد أكبر للحوت): يتم تقدير أعمارها بعمر أقل من عمر ظهور الحيتان أو مساوي (مقارب) لها (يعني الجد صار أصغر من حفيده !!)
والآن نأتي لتفاصيل الخبر الجديد الذي لا يختلف كثيرًا عن سابقه..
عجّت وكالات الأنباء وصفحات البوب ساينس بخبر اكتشاف أحفورة جديدة لما زعموا أنّه “حوت برمائي” عاش منذ 42.6 مليون سنة في دولة البيرو.
عُثر في هذه الحفرية على عظام الفك السفلي، وعظام من بقية الجسم (عظام الكتف والساعد والقدم وبعض عظام القفص الصدري وآخر السلسلة الفقارية) والتي استخدمها هؤلاء العلماء للاستدلال على بعض صفاته (1)
أهم الصفات التي تمّ اكتشافها هو قدرته على المشي على اليابسة مثل العديد من الحيوانات البرية الأقدم منه عمرًا مثل الباكسيتوس والرودوسيتوس والتي اُكتشفت في الهند وباكستان.
لكن صفحات الجرائد والمجلات سارعت كالعادة إلى رسومات تخيلية تُظهره وهو في البحر ويصطاد الأسماك بل ورسمت له زعانف بين أصابعه في سيناريو مشابه تمامًا لما حصل مع الباكسيتوس كما ذكرنا أعلاه!
يُقر فريق العلماء بوضوح في الدراسة أنّ الرسم التوضيحي الموجود حول تكيّف هذا الكائن للسباحة في الماء هو (تخيّلي افتراضي) حيث تقول الدراسة عن هذه الأوضاع أنها افتراضية
“hypothetical swimming and terrestrial posture”
لذلك كما قلنا من قبل، كل ما يلزمك لتكون تطوريًا ناجحًا هو بعض الخيال الواسع، فترسم أغشية زعانف على الأرجل غير الموجودة، وتتخيل وضعًا افتراضيًا للسباحة، وتسميه حوتًأ حتى لو كان يمشي على الأرض، وتمّ حل المشكلة!
ما يضاف إلى ورطات التطوريين هنا هو مكان اكتشاف هذه الأحفورة “البيرو”، فحقيقة أنّ هذا الكائن كان يعيش على اليابسة تمثل إشكالًا بايوجيوغرافيًا للتطورين، حيث أن هذا الكائن (أو سلفه البري المفترض) قد توجب عليه أن يقطع إمّا المحيط الهادئ أو المحيط الأطلسي سباحةً ليتواجد في بيرو!
الباحثون في هذه الدراسة دعموا فكرة أنّه عَبَر المحيط الأطلسي لأن المسافة التي يجب قطعها عبر الهادئ أطول! وهنا تمّ وضع “الإيمان التسليمي” أولًا بأنّ هذا النوع قد تطور عن أسلاف برّية أخرى مثل الباكسيتوس والتي عاشت في الهند وباكستان، وأنه (أو سلفه) البرّي المفترض قد قطع المحيط الأطلسي سباحة إلى البيرو!!
مثال آخر على الاعتماد على التطور لإثبات التطور، مع بعض الخيال الواسع!
وأمّا الورطة الأخيرة فهي العمر التقديري لهذا النوع وهو حسب الدراسة 42,6 مليون سنة! فهذا التاريخ يقول أنه قد وُجد فعليًا بعد ظهور الحيتان المائية بالكامل (Fully aquatic whales) وبالتالي فلا يمكن أن يكون حلقة وسيطة لتطور الحيتان البحرية، ففي عام 2016 تم الإعلان عن اكتشاف أحفورة لحوت مائي كامل من نوع الباسيلوسورس وتم تأريخ ظهوره إلى حوالي 40 إلى 46 مليون سنة أي 43 مليون سنة في المتوسط، بينما كانت الأدلة تشير إلى أنّ عمر الأحفورة هو 49 مليون سنة (2)
فماذا يعني هذا؟
هذا يعني أنّ هذا الكائن قد وُجد بعد ظهور الحيتان البحرية الكاملة (منذ 50 مليون سنة) أو على أفضل تقدير أنّه وُجد في نفس وقت تواجدها تقريبًا (43 مليون سنة)، وهذا يجعل فترة زمنية قدرها نصف مليون سنة فقط بين هذا الكائن وبين الحيتان البحرية الكاملة، على أحسن التقديرات، فكيف يكون سلفًا للحيتان البحرية الكاملة؟ لا مشكلة، سنقول حصل تطور (سريع جدًا) ولتذهب “حدوتة” (ملايين السنين) إلى المحيط!
خلاصة القول إذًا: أنّ هذه الأحفورة تزيد الطين بلّة للسيناريو التطوري عن الحيتان بناءً على سمات هذا النوع بالنسبة لعمره أو بالنسبة لمكان اكتشافه، لكن كالعادة، أغمض عينيك وتمتم (التطور حقيقة علمية)!!