يسعى الباحثون لفهم القدرة العقلية للدماغ البشري، ويُبذل في تحقيق ذلك مجهودًا فائقًا للوصول إلى حل المشكلات والاضطرابات التي تطرأ عليه، وهذا ما يأملون الوصول إليه في مختبر أرجون الوطني في شيكاغو.
بداخل غرفة تقدر مساحتها بـ 25 ألف قدم مربع في المختبر يوجد أحد أكبر الحواسيب في العالم، والذي يدعى “ثيتا-Theta”، حيث يقوم بإحدى أعقد العمليات الحاسوبية الممكنة لمجموعات هائلة جدًا من البيانات تهدف إلى فهم البنية التركيبية والوظيفية لدماغ الفأر.
يقوم ثيتا بعمل خرائط يتم من خلالها وصف بنية دماغ الفئران من خلال مجموعة هائلة من البيانات للدماغ قام بجمعها تدريجيًا “نارايانان كاستوري- “Narayanan “Bobby” Kasthuri “باحث علم الأعصاب في مختبر أرجون الوطني، وأستاذ مساعد في علم الأحياء العصبية بجامعة شيكاغو، إلا أن تجميع البيانات بأكملها دون حذف، يجعل السعة المتوقعة لتلك البيانات مقدرة بحوالي مليون تيرا بايت، وهذا رقم مهول يستحيل على العقل إدراكه وفهم معلوماته، لكن بالرغم من ذلك فإن كاستوري يتطلع للحصول على كل تلك البيانات لما يرى فيه فهمًا مستقبليًا لا نظير له للدماغ.
في مختبر كاستوري، يتم استخدام الحاسوب ثيتا في إنشاء رسومات بيانية ملونة للدماغ، حيث تدل البقع الملونة على الخلايا العصبية ونقاط التشابك العصبي، وهي المسارات التي يتحرك من خلالها العقل، ويتم توثيقها في خريطة ذات مقياس نانومتري يُطلق عليها ” خريطة الشبكة العصبية Connectome”.
يعتقد الباحثون أنه بوجود خريطة شبكة عصبية كاملة فذلك يمكن أن يساعد في الكشف عن العديد من أسرار الإدراك والاضطرابات العقلية، وقد يعمق فهمنا لمدى التشابه والاختلاف بين أدمغة الكائنات الحية، ومن ناحية خاصة؛ فإن ذلك سيتيح معرفة الوحدات العاملة في الدماغ والتي تفتقر الأبحاث الحالية لها.
يهتم كاستوري بعمل مقارنات لخرائط شبكات عصبية جزئية لأدمغة أنواع مختلفة من الحيوانات، وحاليًا فإن المختبر قائم على الأجزاء الدماغية المرتبطة بالإدمان عند الفئران؛ فبالمقارنة بين خرائط الشبكات العصبية للفئران المدمنة للكوكايين مع غيرها من الشبكات العصبية للفئران غير المدمنة، فقد تم تمييز الخلايا العصبية التي تتأثر بالإدمان. فقد قال كاستوري ” لقد وجدنا بالفعل -على ما يبدو- أن هناك تغيرات تركيبية في الدماغ المدمنة” We’re already finding — it seems like there are structural changes in the addicted brain”.
البنية الدماغية للفأر:-
إن دراسة البنية الدماغية للفأر عملية دقيقة، واحتمالية الخطأ فيها كبيرة جدًا.
تتم العملية عن طريق انتزاع الدماغ من الفأر بأقصى سرعة ممكنة، وليتم الحفاظ عليه، يوضع في مادة من مثبتات الألدهيد لحمايته من التلف.
يغمر جزء من الدماغ في صبغة لمعدن ثقيل ويوضع في المجهر الإلكتروني الماسح -the scanning electron microscope “SEM”-، وبعد التجفيف والتجميد، يتم تقطيع العينة بجهاز مخصص يشبه آلة تقطيع اللحم.
وبالرغم من الأنظمة النموذجية للتقطيع، فإن تقطيع العينات ونقلها قد يؤدي إلى حدوث خلل أو عيوب قد تتضخم بمجرد تلقيها من الحاسوب العملاق “ثيتا”.
هذه العيوب الضئيلة قد تتسبب في مشكلات كبيرة للباحثين عند البدء في تحليل البيانات، فكما قالت” أنيما-Animashree Anandkumar” أستاذة الكمبيوتر والعلوم الرياضية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا:” هذه التشوهات يمكنها أن تؤدي إلى ارتباطات زائفة-“These distortions can lead to spurious correlations”.
قام كاستوري بحل بسيط لتلك المعضلة، والذي يعتمد فيه على جهاز نقل خاص، حيث يقوم بنقل شرائح الدماغ بسرعة مما يعمل على تقليل العيوب التي قد تحدث، وبعد أن يتم وضع العينات على الجهاز الناقل، تتم عملية الفحص باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح SEM، وتظهر الصورة بشكل مكدس للبيانات.
بعد أن يتم التعرف على أشكال الخلايا العصبية المفردة والمتشابكة يتم تلوينها رقميًا “بواسطة الباحث أو القائم على العملية”، كما لو كانت صورة تُلوَّن على برنامج الفوتوشوب، وهو عمل ليس بهين، فهو شاق ويحتاج لمجهود كبير، ولسوء الحظ فإن التدخل البشري للتلوين أمر حاسم وضروري، إلا أن المجهود البشري بمفرده في تحديد الأشكال وتلوينها ضرب من المحال.
بالكاد يستطيع الإنسان أن يقوم بتحليل 1 ميكرون مكعب من دماغ فأر في غضون دقيقتين، وبما أن هناك تريليون ميكرون مكعب في دماغ الفأر، فقد يقضي الإنسان قرونًا للوصول لتحليل كامل”، ولذلك فإن كاستوري يعتقد أن باعتماده على خوارزمية معينة يستخدمها ثيتا، سيتم الانتهاء من تلك العملية في غضون خمس سنوات.
نادرًا ما يوجد خريطة شبكة عصبية كاملة، فقد تم توثيق واحدة في أواخر الثمانينات لدودة اسطوانية تدعى C.elegans، ومن المتوقع أن تكون التالية لدماغ ذبابة الفاكهة، ومع ذلك فإن الأبحاث لازالت قائمة لاستكمال خريطة الشبكة العصبية لدماغ الفأر.
يسعى كاستوري إلى التعمق في فهم آلية عمل الدماغ، والتوصل لإيجاد وإصلاح المشكلات التي تحدث بسبب الاضطرابات والإصابات الدماغية، ولذلك فإن مختبر أرجون قد شرع في بناء حاسوب عملاق ذي إمكانيات أعلى بهدف الكشف عن بنية دماغ الإنسان.
ترجمة: سارة عبدالقادر