سقوط غرناطة
( فلتبك كالنساء ملكًا لم تستطع أن تُدافع عنه كالرجال )
وفي نكسة كبيرة وفي ظلِّ الذل والصغار يخرج أبو عبد الله محمد بن الأحمر الصغير آخر ملوك المسلمين في غرناطة من القصر الملكي، ويسير بعيدًا في اتجاه بلدة أندرش، حتى وصل إلى ربوة عالية تُطل على قصر الحمراء يتطلع منها إليه، وإلى ذاك المجد الذي قد ولَّى، وبحزن وأسى قد تبدَّى عليه لم يستطع فيه الصغير أن يتمالك نفسه، انطلق يبكي حتى بللت دموعه لحيته، حتى قالت له أمه :”عائشة الحرة” أجل؛ فلتبك كالنساء مُلْكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال .
وإلى هذه اللحظة ما زال هذا التل – الذي وقف عليه أبو عبد الله محمد الصغير- موجودًا في إسبانيا، وما زال الناس يذهبون إليه، يتأمَّلون موضع هذا المَلِك الذي أضاع مُلكًا أسسه الأجداد، ويُعرف (هذا التل) بـ زفرة العربي الأخيرة، وهو بكاء أبي عبد الله محمد الصغير حين ترك ملكه .
وبهذه الخطوة فقد زال حكم المسلمين في الاندلس فكانت غرناطة أخر معاقلها .
الرجوع لماضٍ عتيق :
قال تعالى : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111].
عندما تم فتح الاندلس بالتدريج كان يتم تخيريهم منهم من كان يتعرف الى الدين الاسلامي ويسلم ومنهم من كان يبقى على دينه فكان يدفع الجزية ومن لم يقبل كان يذهب الى حيث يريد والفقير تسقط عنه الجزية ودخل العلم مع المسلمون الى الاندلس وحدث تطورًا في الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وفنون البناء التي اشتهرت بها الاندلس .
بذُور سقوط غرناطة :
بدأت الخطوة عند اتحاد إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة وفرديناند الثاني ملك أراغون وزواجهم وتوحيد مدنهم بحكم واحد مشترك ، فقد فهموا ان في الاتحاد قوة ، أما المسلمون في حينها فقد ملكتهم الفرقة ، والخوف على الملك والعرش ، وكل حاكم يدير شؤؤن مدينته ،ولا يهتم بتقديم العون لأي مدينه آخرى مجاورة ،ولو تعرضت للحرب ،او الاعتداء ، ولو كانوا يحملون نفس الدين، بل الاسوء من هذا لجاوا الى الأتفاق مع الأفرنج على بعضهم ؛ بحجة أنهم يحمون ممالكهم الخاصة ، الا أن المملكة المسيحية كانت تلتهم الجميع ، دون رحمه ولكن فرق الترتيب.
فبدأت بقشتالة وأرغون ، مع الاستعانة باسقف الكنائس لطلب المال “مال صكوك الغفران ” وتجنيد الجيش مقابل استرداد الأراضي من المسلمين ، وبعدها فُرض الحصارُ على “طليطلةَ” في 1084م.
ولم يقم أحد بمساعدة إخوانهم المسلمين إلا “المتوكل ابن الأفطس” الذي أرسل جيشا كبيرا لنجدتها ، لكنه تعرض لهزيمة ساحقة ماحقة من الجيش المسيحي. واستمر الحصار 9 شهور، إلى أن استبد الجوع بالناس ولم تفلح محاولات المسلمين في الوصول لتسوية. لم يرضَ الفونسو سوى بتسلم المدينة كاملة، وفعلا تم ذلك في 1085م، وتوجه إلى المسجد الكبير الذي حوله إلى كاتدرائية وصلى فيه قداس الشكر.
وصارت العاصمة لمملكة قشتالة الفرنجية وتم الاستيلاء عليها. وتم منح المسلمين الحرية كاملة لمغادرة المدينة أو البقاء فيها وحرية التصرف في أملاكهم.
وهكذا حتى بأن عبدالله الاول عندما بنى قصر الحمرا في غرناطة ساعدهم على الاستيلاء على إشبيلية حتى يحتفظ في استقلال وحكم غرناطة ، وحتى أن بعض الأهالي ساندوه على ذلك وأتى اليوم الذي تم الوصول فيه الى غرناطه توقع الاسقف وملوك المسيجية بأنهم سيدخلونها بحرب وكانو لا يمكلون المال لذلك كانوا يسترجُون الكنيسة إعطائَهم المال المطلوب مع احتمالية الرفض ، ولم يعلموا حينها إن غرناطة ستُقدم لهم على طبق من ذهب
تسليم المدينة ومحاكم التفتيش :
وسلم أبو عبدالله الصغير غرناطة بعد صلح عقده مع فيرناندو يقتضي بتسليم غرناطة وخروج أبو عبدالله الصغير من الأندلس وذلك في الثاني من شهر ربيع الأول سنة 897 هـ الموافق 2 يناير 1492م، ولكن سرعان ما نقض هذا الأخير العهد.
وبدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي، وبدأت هنا معاناة أهل الأندلس من المسلمين ومن اليهود فقد كانت محاكم التفتيش تجبرهم على التنصير أو الموت وقد تمسك أهل الأندلس بالإسلام ورفضوا الاندماج مع المجتمع النصراني. وحسب الرواية القشتالية الرسمية, لم يُبد الأندلسيون رغبة في الاندماج في المجتمع النصراني وبقوا في معزل عنه, يقومون بشعائرهم الإسلامية ويدافعون عنها بكل تفان. وحتى لا يصطدموا بمحاكم التفتيش لجأوا إلى ممارسة التقية فأظهروا النصرانية وأخفوا الإسلام, فكانوا يتوضؤون, يصلون ويصومون… كل ذلك خفية عن أعين الوشاة والمحققين.
ولكن لم تنتهي مشكلة المسلمين هنا بل كانوا يجبرون على الأكل في شهررمضان أمام العامة ويجبرون على شرب الخمر وأكل الخنزير وغيرها من ممنوعات الدين الإسلامي ليتم التصديق بأنه لايخفي إسلامه او صيامه او صلاته أيضابل وصصل اللأمر إلى إخفاء قصاصات القرآن ولكن ماذا اذا تبين للسلطات بأن شخصا ما مسلما في السر فقد كان يعذب ويقتل بأبشع الطرق فكان يحرق حيا في النهاية لأنه اختار دينا له .
ويمكننا تلخيص عوامل سقوط غرناطة كالتالي
1) الانحراف عن شرع الله تعالى ومنهجه الإسلامي الصحيح
2) الإنغماس في الملذات
3) الفرقة وترك الجهاد ( فَرِّق تسد )
4) موالاة أعداء الأمة من الصليبيين
5) تقاعس كثير من العلماء عن دورهم الدعوي والجهادي والإصلاحي
وأخيرًا
الغرض ، بعد سرد تلك الحقبة المهمة من تاريخ المسلمين، نستطيع أن نسطر من جديد: ما كان التاريخ- وتاريخ الأندلس خاصة- يوما ما بُكاء على اللبن المسكوب، ولا عيشا في صفحات الماضي، إنما كان لأخذ الدرس والعبرة، وكما ذكرنا في البداية: {فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176]. وأيضا: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111].
والذي يجب أن يشغلنا الآن هو أن نقف مع تاريخ الأندلس وقفة نفهم منها أحداث فلسطين والعراق أحداث الشيشان وكوسوفا والبوسنة والهرسك وكشمير، وغيرها من البلاد، وما هو دور الشعوب والأفراد في قضية فلسطين حتى لا تصبح أندلسا أخرى.
والذي يجب أن يشغلنا هو أن يعرف كل منا دوره في الحياة، ومن ثم يقوم عليه بأحسن ما يكون وأحسن ما يجب أن يكون القيام، وإن معرفة مثل ذلك لتقبع خلف كل صفحة من صفحات تاريخ الأندلس، وخلف كل صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي بصفة عامة.
وليعلم كل منا أنه إنما هو على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام، فليحذر وليحرص كل الحرص على ألا يُؤْتى الإسلام من قِبله، ولا يُلدغ الثانية، وقد قال عز وجل: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [النور:55].
المراجع :
التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي تىى سقوط غرناطة ص552:559
https://files.books.elebda3.net/elebda3.net-wq-5632.pdf
قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط الجزء الأول ص688:693
https://drive.google.com/…/0B2G0G1dgby5xSVpVZVhVaU85dFE/view
إعداد : هبة الشياب
مراجعة : هاجر محمود
تدقيق : خالد ابداوا