#سلسلة_صلاح_الدين – 1
كيف دخل الصليبيون القدس بإجرام لا يتخيله بشر ؟
وكيف دخلها صلاح الدين وكيف عامل المنهزمين ؟
محاولة لفهم احترام الغرب لصلاح الدين كرمز للفروسية والمروءة …
قبل أن ننقل لكم مقولات غربيين منصفين عن صلاح الدين بصورة لن تتخيلوا إلى أي مدى وصلت في المدح والثناء عليه مقابل الأقلام المأجورة في بلادنا من العلمانيين وغيرهم – وقبل أن نتكلم عن نشأة صلاح الدين وكيف شق طريقه إلى الملك وكيف كانت خطوات انتصاره وماذا فعل ليكون درسا لنهضة أمة وتجميعها بعد لفظ أهل الشر منها أولا (وهو ما تغفل عنه الكثير من مشاريع النهضة فتفشل للأسف) :
نود أن نتجول بكم أولا في أحد أكبر المواقف التاريخية التي جعلت لصلاح الدين تلك المكانة الرهيبة عند الغربيين والأوروبيين وإلى اليوم – ألا وهو مقارنة بين دخول الصليبيين الإجرامي والوحشي للقدس في 1099م – وبين دخول صلاح الدين لها فاتحا في 1187م بعد 88 عاما فقط – فماذا فعل ؟
وتعالوا لنرى كلا الصورتين وبأقلام الغربيين (لن ننقل حرفا واحدا من كلام المسلمين حتى لا يخرج علينا أحد البلهاء والببغاوات بالطعن والتشكيك أو أحد المأجورين والأذناب بالتكذيب في حيادية الطرح !!)
—————————
أولا :
دخول الصليبيين القدس 10999م
يتفق المؤرخون على أن فترة الحروب الصليبية سبقتها أحلك سنوات العصور المظلمة في أوروبا وفرنسا – في حين كان يعيش العالم الإسلامي عصوره الذهبية في نفس الوقت !! أخلاق .. علوم .. حضارة .. رقي .. رهبة في قلوب الأعداء .. حتى أن الأوروبيين كانوا يخافون من مجرد ذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم
إلى أن ظهر لبابا النصارى الكاثوليك في روما إيطاليا فكرة الزحف إلى فلسطين لتخليص جسد الرب !! (عيسى أو يسوع عليه السلام) وكأن المسلمون مثلا يهينون النصارى في القدس أو يضيقون عليهم في شيء !!
وعلى الفور بدأ استنفار كل الضائعين واللصوص والمرتزقة والفقراء والعبيد وحتى عدد كبير من الرهبان : للتوجه في جيش جرار إلى القدس لتخليصها من أيدي المسلمين (المتوحشين كما كان رجال الدين يصورونهم للأوروبيين للأسف)
كانوا مجموعة من جحافل الغوغاء منزوعي العقل السليم (وهذا حال كل طاغية في كل بلد من اتخاذه لهؤلاء سندا له وقوة !) – حيث تقودهم حفنة من السنيورات (جمع سنيور) والأمراء رجال الدين المزورين الطامعين في القضاء على الإسلام من جهة : ومن الجهة الأخرى الفوز بكنوز القدس والشرق من الذهب والصلبان الضخمة المرصعة بالجواهر وغيرها – ولم يكن يألون جهدا في تشويه المسلمين كل يوم في نفوس أولئك الغوغاء – بالإضافة إلى اختراع المعجزات والكرامات التي يضحكون بها على النصارى إلى اليوم (ومنها قصة الرمح المقدس الشهيرة وقد ذكرها الشيخ محمد الغزالي في كتابه قذائف الحق)
لكن دعونا نسمع الكلام من غير المسلمين…
هذا رابط تصفح وتنزيل pdf لكتاب (حضارة العرب) لغوستاف لوبون – ترجمة عادل زعيتر :
https://downloads.hindawi.org/books/37926480.pdf
وننقل لكم الكلام التالي من صفحة 336 و 337 :
” ويدل سلوك الصليبيين في جميع المعارك على أنهم من أشد الوحوش حماقة، فقد كانوا لا يفرقون بين الحلفاء والأعداء، والأهلين العزِل والمحاربين، والنساء والشيوخ والأطفال، وقد كانوا يقتلون وينهبون على غير هدى.
ونرى في كل صفحة من الكتب التي ألَّفها مؤرخو النصارى في ذلك الزمن براهين
على توحش الصليبيين، ويكفي لبيان ذلك أن ننقل الخبر الآتي الذي رواه الشاهد الراهب روبرت عن سلوك الصليبيين في مدينة مارات للدلالة على سياسة الصليبيين الحربية، وذلك بالإضافة إلى ما حدث حين الاستيلاء على القدس، قال المؤرخ الراهب التقي روبرت :
وكان قومنا يَجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت؛ ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات (جمع لبؤة وهي انثى الأسد) التي خُطفت صغارها، وكانوا يذبحون الأولاد والشبان والشيوخ ويقطعونهم إربًا إربًا، وكانوا لا يستبقون إنسانًا، وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغيَة السرعة، فيا للعجب ويا للغرابة أن تُذبح تلك الجماعة الكبيرة المسلحة بأمضى سلاح من غير أن تقاوم ! وكان قومنا يقبضون على كل شيء يجدونه؛ فيبقرون بطون الموتى ليُخرجوا منها قطعا ذهبية، فيا للشره وحب الذهب (يقصد غوستاف لوبون تصديق هؤلاء الحمقى لتلك الأكاذيب) ! وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث، فيا لتلك الشعوب العمي الَمعَّدة للقتل ! ولم يكن بين تلك الجماعة الكبرى واحد ليرضى بالنصرانية دينًا، ثم أحضر بوهيموند جميع الذين اعتقلهم في برج القصر، وأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم، وبسْوق فتيانهم وكهولهم إلى أنطاقية لكي يباعوا فيها، وحدث قتل الترك ذلك في يوم الأحد الموافق ١٢ من ديسمبر، وإذ لم يمكن إنجاز كل شيء في ذلك اليوم : قتل قومنا ما بقي من أولئك في اليوم التالي ” !!
ويقول غوستاف لوبون من آخر الصفحة 337 وما بعدها 338 :
” وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون، قال كاهن مدينة لُوبوي، ريموند داجيل :
حدث ما هو عجيب بين العرب (!) عندما استولى قومنا على أسوار القـدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم (!) (علامات التعجب من غوستاف لوبون) وبُقرت بطون بعضهم، فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحُرق بعضهم في النـار فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكـان لا يُرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا…”
فيعلق غوستاف لوبون قائلا بسخرية من عقلية هذا المجنون :
” وروى ذلك الكاهن الحليم خبرَ ذبح عشرة آلاف مسلم في مسجد عمر، فعرض
الوصف اللطيف الآتي :
” لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها، فإذا ما اتصلت ذراع بجسم لم يُعرف أصلها، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يُطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلا بمشقة.
ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء بذلك (ولاحظوا وصفهم بـ : الأتقياء !!)، فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى (يبدوا يقصد من على غير ملة الكاثوليكية أو ليس معهم في غزوهم) الذين كان عددهم جميعا ستين ألفا، فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأةً ولا ولداً ولا شيخاً ” !!
وحتى لا تكون نقولاتنا كلها من غوستاف لوبون فنوصف بالتحيز – فهذا نقل آخر من مصدر آخر عن قول أحدهم مفتخرا (وهو : رايموند من اجيلس) :
” لقد تحققت مشاهد رائعة تستحق الرؤية، حيث كان بعض رجالنا – وكان هؤلاء أكثرنا رحمة – يقطعون رؤوس الأعداء، وكان البعض يصوب الأسهم عليهم ويردونهم قتلى، أما الآخرون منا فكانوا يلقون بهم في النار أحياءً ليستمتعوا بقتلهم وتعذيبهم فترة أطول.
وامتلأت شوارع المدينة بالرؤوس المقطعة والأيدي والأرجل، حتى أنه كان يصعب المشي دون التعثر فيها والوقوع من كثرة الأعضاء، لكن كل هذه بقيت خفيفة بالمقارنة مع ما فعلناه في هيكل سليمان، ماذا حصل هناك ؟ لو حدثتكم بالحقائق لما صدقتموني، على الأقل سأقول لكم أن ارتفاع الدماء المسفوكة في هيكل سليمان وصلت إلى حد ركب رجالنا ” !!
المصدر :
August C. Krey, The First Crusade: The Accounts of Eye-Witnesses and Participants (Princeton & London: 1921), p. 261.
أيضا هذا وصف آخر من (ستيفن رنسيمان) في كتابه (تاريخ الحروب الصليبية جـ1 – 404 : 406) لما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فقال :
” وفي الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين، فأجهزت على جميع اللاجئين إليه، وحينما توجه قائد القوة (ريموند أجيل) في الضحى لزيارة ساحة المعبد أخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه، وتركت مذبحة بيت المقدس أثرا عميقا في جميع العالم، وليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها، غير أنها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود، بل إن كثيراً من المسيحيين اشتد جزعهم لما حدث ” !!
والآن .. وقبل ان ننتقل إلى صلاح الدين وما فعله حينما دخل القدس : قارنوا ما سبق بالحديث التالي عن رباح بن ربيع رضي الله عنه قال :
” كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال : انظر علام اجتمع هؤلاء ؟! فجاء فقال : على امرأة قتيل (أي مقتولة)، فقال : ما كانت هذه لتقاتل (أي أنها امرأة ما كانت تستطيع المشاركة في القتال) !! قال : وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلا فقال : قل لخالد : لا تقتلن امرأة ولا عسيفا (أي عامل أجير لدى الأعداء لا ذنب له) ”
رواه أبو داود وصححه الألباني
أو قارنوه بحديث النبي الآخر في صحيح مسلم وهو يوجه المسلمين في الغزو والقتال والحرب التي تعمي الكثيرين عن إنسانيتهم وقتها فيرتكبون الشنائع ثم يبررونها فيقول صلى الله عليه وسلم :
” اغزوا ولا تغُلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا (أي تشويه القتلى والجثث)، ولا تقتلوا وليدا”
رواه الإمام مسلم في صحيحه
————————————
ثانيا :
دخول صلاح الدين القدس 11877م
حيث تثبت كتب التاريخ والمؤرخين أجمعين عربا وكفارا على حد سواء :
أنه لم تتعرض أي دار من دور بيت المقدس للنهب !!
ولم يصاب أي مدني أو أعزل بمكروه !!
إذ فور دخوله للقدس : أصدر أوامره لرجال الشرطة بأن يطوفوا بالشوارع والأبواب لمنع أي اعتداء يحتمل وقوعه على النصارى كانتقام !!
وقد تأثر الملك (العادل) (وهو أخو صلاح الدين) لمنظر (بؤس الأسرى) !! فطلب من أخيه (صلاح الدين) إطلاق سراح (ألف أسير) !! فوهبهم له – فأطلق (العادل) سراحهم على الفور !! كما أعلن (صلاح الدين) نفسه أنه سوف يطلق سراح كل (شيخ) وكل (امرأة) !!
<< هذه من إحدى الردود العملية على جهلة الشبهات عن الرق وملكات اليمين والعبيد في الإسلام حيث لا يعلمون أن أمر الأسرى في الحرب من الكفار للحاكم : إما المن عليهم بإطلاق سراحهم بدون مقابل وإما الفداء بهم لأسرى المسلمين عند العدو وإما القتل وإما الرق – وكل ذلك حسب ما يراه الحاكم من مصلحة وأقرب لروح الإسلام والنفع العام والإنسانية التي امر بها الله ورسوله والعفو عند المقدرة) !!
العجيب أنه عند ظهور هذه الرحمة من المسلمين الفاتحين تجاه النصارى أقبل (نساء الصليبيين) وقد امتلأت عيونهن بالدموع !! فسألن (صلاح الدين) أين يكون مصيرهن بعد أن لقي أزواجهن أو آباؤهن مصرعهم أو وقعوا في الأسر ؟!
فأجابهن (صلاح الدين) بأن وعدهن بإطلاق سراح كل مَن في الأسر من أزواجهن !!
وبذل (للأرامل واليتامى) من خزانته العطايا : كل بحسب حالته !!
فكانت رحمته وعطفه نقيض أفعال الصليبيين الغزاة منذ 888 عاما مضت !!
أما بالنسبة لرجال الكنيسة (وعلى رأسهم بطريرك بيت المقدس) فإنهـم لم يهتـموا إلا بأنفسهم !! وقد تعجب المسلمون حينما رأوا (البطريرك هرقل) وهو يؤدي العشرة دنانير (مقدار الفدية المطلوبة منه) عن نفسه (فقط) ويترك كل النصارى والجنود الآخرين خلفه في الأسر ويغادر المدينة وقد انحنت قامته من ثقل ما يحمله من الذهب !! بل وقد تبعته عربات تحمل ما بحـوزته من الأموال والجواهر والأواني النفيسة !!
ومع أن جميع النصارى كانوا يشعرون بالخوف الشديد بل وينتظرون خائفين من أن يقتص منهم (صلاح الدين) بجريرة الصليبيين وجرائم دخولهم للقدس فيقتلهم بأشنع قتلة كما فعل أسلافهم من قبل :
إلا أن (صلاح الدين) الذي تربى في محراب القرآن وسنة نبيه العدنان صلى الله عليه وسلم : لم يقم بإيذاء أي منهم !! ولم يكتف بذلك – بل وأمر اللاتين (أي الكاثوليك) بترك المدينة وسمح (للأرثوذكس) الذين لم يكونوا يحملون صفة الصليبية الأوروبية الغاشمة بالبقاء والتعبد فيها : كيفما يشاءون !!
وفي هذا تصف المؤرخة الإنجليزية كارين أرمسترونج الفتح الإسلامي الثاني للقدس (الأول كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه) فتقول :
” في 2 تشرين الأول 11877م دخل (صلاح الدين) وجيشه القدس فاتحاً، لتبقى المدينة مُسلمة للسنوات الثمانمائة القادمة، وقد أوفى (صلاح الدين) بوعده الذي كان قد قطعه للمسيحيين، وأخذ المدينة دون أن يقوم بأي مجازر بما يتوافق و المبادئ الإسلامية السامية، فلم يقتل أي مسيحي، ولم تحدث عملية نهب واحدة، وتم تعيين مبالغ ضئيلة للغاية لإخلاء سبيل الأسرى، وكما أمر القرآن الكريم : فقد تم إخلاء سبيل معظم الأسرى دونما دفع أي ديّة (تقصد حض القرآن والسنة عموما على عتق الرقاب)، وكان شقيق (صلاح الدين) الملك (العادل) قد طلب من (صلاح الدين) أن يمنحه (ألف أسير) لخدمته، لكنه عاد وأخلى سبيلهم لمّا رأى حالتهم التي يرثى لها، ولقد سارع أغنياء المسيحيين لترك المدينة حاملين معهم ممتلكاتهم الثمينة !! على الرغم من أن ثرواتهم كانت كافية لدفع فدية جميع أسرى الحرب من أتباع دينهم وإخلاء سبيلهم، أما كبير الأساقفة (هرقل)، فقد دفع فدية العشرة دنانير مثله مثل الباقين، وترك المدينة بثروته التي حملتها عدة عربات ” !!
فالحمد لله على نعمة الإسلام …
المرجع :
Karen Armstrong, Holy War, p. 1855.