#سلسلة_صلاح_الدين 7 (والأخيرة) :
أكبر تجميعة لأقوال الغربيين عن صلاح الدين
شكر خاص للمؤرخ : محمد إلهامي
لا شك أنه لم يترك أحد القادة المسلمين أثرا في الفكر الغربي من ألمانيا إلى إنجلترا إلى فرنسا وإيطاليا مثلما فعل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله – ذلك أن قربهم جميعا من الحملات الصليبة جعلت تلك الحروب في بؤرة اهتماماتهم وتأريخهم – حتى أنهم لا يكتفون فقط بمصادرهم الغربية وإنما يترجمون أحيانا عن المصادر العربية نفسها، فمثلا هذه القصة التي ذكرها بهاء الدين الأصفهاني من شهر أبريل 1191م أن امرأة من الفرنجة قد سرق منها طفلها ذي الثلاثة شهور وتم بيعه في السوق – فنصحها الفرنجة بالتظلم إلى صلاح الدين نفسه – وبالفعل أمر صلاح الدين باستعادة الطفل من ماله الخاص لأمه وأعادها إلى مخيمها
المصدر :
Bahā’ al-Dīn (2002), pp. 147–148.; Lyons & Jackson 1982, pp. 325–326
وحتى لا نطيل عليكم … تعالوا نبدأ معا تلك الجولة الشيقة والتي نرى فيها غربيين ينصفون صلاح الدين – ورغم أن بعضهم كاره أصلا للإسلام (بل وأحيانا لصلاح الدين نفسه) إلا أنهم لم ينكروا الحقائق الدامغة فكانوا في ذلك أكثر شرفا وأمانة من بعض العلمانيين العرب !!
—————————–
1-
يقول ول ديورانت :
” لقد أجمعت الآراء على أن صلاح الدين كان أنبل من اشترك في الحروب الصليبية ”
المصدر :
ول ديورانت، قصة الحضارة 13/ 141
2-
ويقول الكولونيل بودلي البريطاني :
” لما غزا الصليبيون الأرض المقدسة سنة (1099م)، خلفوا وراءهم في كل مكان الموت والدمار، بيد أنه لما رد صلاح الدين الصليبيين على أعقابهم، لم يلجأ إلى وسائل الانتقام، ولم يخرب المسلمون الأماكن التي فتحوها، كما فعل المقاتلون الدينيون السابقون لهم من الممالك الأخرى، فأينما وضعوا أرجلهم نشأ شيء جديد أسمى وأفضل مما كان قبلا ”
المصدر :
رونالد ف بودلي، الرسول: حياة محمد – ترجمة محمد محمد فرج وعبد الحميد جودة السحار (القاهرة: مكتبة مصر، بدون تاريخ) ص147
3-
ويقول المستشرق الفرنسي المشهور جوستاف لوبون:
” لم يشأ السلطان صلاح الدين أن يفعل في الصليبيين مثل ما فعله الصليبيون الأولون من ضروب التوحش، فيبيد النصارى عن بكرة أبيهم؛ فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعا سلب شيء منهم ”
المصدر :
جوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م)، ص329
4-
وتقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه :
” حين تمكن صلاح الدين الأيوبي من استرداد بيت المقدس (583هـ = 1187م) -التي كان الصليبيون قد انتزعوها من قبل (492هـ = 1099م) بعد أن سفكوا دماء أهلها في مذبحة لا تدانيها مذبحة وحشية وقسوة- فإنه لم يسفك دم سكانها من النصارى انتقاما لسفك دم المسلمين، بل إنه شملهم بمروءته، وأسبغ عليهم من جوده ورحمته، ضاربا المثل في التخلق بروح الفروسية العالية، وعلى العكس من المسلمين، لم تعرف الفروسية النصرانية أي التزام خلقي تجاه كلمة الشرف أو الأسرى ”
المصدر :
زيجريد هونكه، الله ليس كذلك، ترجمة د. غريب محمد غريب، ط2 (القاهرة: دار الشروق، 1996م) ص34
5-
ويقول جون فيفر :
” إن الصليبيين ادعوا أن العرب المسلمين المشارقة كانوا قساة متوحشين في جوهرهم على نحو لا مثيل له، حتى على الرغم من أن المجازر الرهيبة التي ارتكبت في القدس والقسطنطينية وجزيرة قبرص، ما فتئت تشكل نقيضا صارخا لتاريخ الفتوحات الإسلامية في تلك الحقبة. فقبل أربعمائة سنة من إغراق الصليبيين القدس في الدماء، لم يأمر الخليفة عمر بقتل أحد عندما تولى أمر المدينة… وفي وقت لاحق، عندما استرد القائد الإسلامي الشهير صلاح الدين القدس من الصليبيين في عام 1187، اقتدى بعمر وحذا حذوه، فلم يكتف بالسماح للبطريرك المسيحي بمغادرة المدينة مع أتباعه، بل سمح لهم إلى ذلك بحمل ثرواتهم معهم ”
المصدر :
جون فيفر، الحرب الصليبية الثانية: حرب الغرب المستعرة مجددا ضد الإسلام، ترجمة: محمد هيثم نشواتي (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2015م) ص43
6-
ويقول المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد :
” يظهر أن أخلاق صلاح الدين الأيوبي وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا، حتى إن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين ”
المصدر :
توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ص111
7-
ورغم التزوير الكثير في كلام وليم الصوري (وهو رئيس أساقفة مدينة صور الذي عاصر زمن صلاح الدين نفسه) إلا أنه لم يستطع أن يذكر الأمور الواضحات فقال عن صلاح الدين :
” إنه كان رجلا حاد الذكاء نشيطا وشجاعا في الحرب وفي غاية الشهامة والكرم ”
المصدر :
وليم الصوري، تاريخ الأعمال المنجزة فيما وراء البحار، ضمن: سهيل زكار، الموسوعة الشاملة في الحروب الصليبية (دمشق: دار الفكر، 1995م) 7/ 327.
8-
العجيب في صلاح الدين أنه كان أشد القسوة في الحرب حيث ساحات القتال ولا هوادة (وإلى اليوم رمز النسر الخاص به موجود في العلم المصري والعلم الكردستاني) ولكنه خارج المعارك كان أشد الرحمة بالضعفاء والمنهزمين والأسرى !! ولذلك كانت انتصاراته ضد أقوى الفرق النصرانية (فرقة فرسان المعبد وفرقة المستشفى) هي الأكثر إيلاما في تاريخهم !! يقول ويل ديورانت :
” كان صلاح الدين مستمسكا بدينه إلى أبعد حد، وأجاز لنفسه [في الحرب] أن يقسو أشد القسوة على فرسان المعبد والمستشفى؛ ولكنه كان في العادة شفيقا على الضعفاء، رحيما بالمغلوبين، يسمو على أعدائه في وفائه بوعده سُمُوًّا جعل المؤرخين المسيحيين يعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي -“الخاطئ” في ظنهم- رجلا يصل في العظمة إلى هذا الحد، وكان يعامل خدمه أرق معاملة، ويستمع بنفسه إلى مطالب الشعب جميعها، وكانت قيمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب، ولم يترك في خزانته الخاصة بعد موته إلا دينارا واحدا؛ وقد ترك لابنه قبل موته بزمن قليل وصية لا تسمو فوقها أية فلسفة مسيحية ”
المصدر :
ول ديورانت: قصة الحضارة 15/ 44-45
9-
ولذلك ظهرت بعض المحاولات الأوروبية لتبرير هذه الأخلاق السامية لصلاح الدين ولكن بعيدا عن الإسلام !! فزعموا أن ذلك يرجع إلى أصول أوروبية تجري في دمه !!فيقول مايكل مورجان في ذلك :
” شرف الفروسية الإسلامية سيكون مثار انبهار الأوربيين، بل وسيدفعهم نبله هذا إلى العديد من المواقف المحرجة، فما كان منهم إلا التماس أن السبب وراء أخلاقه الرفيعة والكريمة ما هو إلا لأن لديه دماء أوربية تجري في عروقه… ومثل هارون الرشيد، تجد القصص التي تحيط به لها طابع رومانسي وأسطوري ”
المصدر :
مايكل هـ مورجان: تاريخ ضائع ص268
10-
ويقول في نفس السياق مكسيم رودنسون :
” وصل الأمر إلى حد أنه ظهرت في القرن الرابع عشر قصيدة طويلة جرى العرف على تسميتها “صلاح الدين” وأعيدت فيها صياغة حوادث الأساطير القديمة، وذلك لأن فارسا من هذا الطراز الرفيع يجب بالضرورة أن يصبح منتميا إلى الأسرة المسيحية، وهكذا قيل إن أمه هي الكونتيسة بونثيو التي تحطمت سفينتها على الساحل المصري، وأنه هو نفسه اعتنق المسيحية وهو على فراش الموت ”
المصدر :
مكسيم رودنسون: الصورة الغربية والدراسات الغربية والإسلامية، منشور في “تراث الإسلام” بإشراف شاخت وبوزوروث ص41، 42
فيا عجبا – يريدون تلمس أي نسبة لصلاح الدين لهم :في حين يتبرأ منه أحد أدعياء الفكر الحر والعلمانية في بلادنا !!
12-
تشرح ذلك الباحثة البريطانية في مقارنة الأديان كارين أرمسترونج بقولها :
” وَعَي المسيحيون في الغرب بقدر من عدم الارتياح أن ذلك الحاكم المسلم قد سلك مسلكا يتوافق مع المبادئ المسيحية بخلاف مسلك محاربيهم الصليبيين لدى فتحهم أورشليم. وهكذا خرجوا بأساطير جعلت من صلاح الدين “مسيحيا شرفيا”، حتى إن بعض تلك الأساطير قالت بأنه كان قد تم تعميد صلاح الدين في السر ”
المصدر :
كارين أرمسترونج، القدس: مدينة واحدة عقائد ثلاث، ترجمة: د. فاطمة نصر ود. محمد عناني، (القاهرة: سطور، 1998م) ص482
13-
وإليكم القصة الكاملة التي اختلقوها حول أصول صلاح الدين ليبرروا بها المكانة العظيمة التي صارت له عندهم – تحكيها المستشرقة كارول هيلينبراند في بحثها الذي بعنوان “تطور أسطورة صلاح الدين في الغرب” ذكرت فيه :
” أن كتابا مجهول المؤلف يرجع إلى القرن الثالث عشر ومكتوبا بالفرنسية القديمة عنوانه “تاريخ ما وراء البحار وأصل صلاح الدين” يذكر أن صلاح الدين “كان باسلا جدا وحكيما”، وأنه سليل عائلة بونثيو الفرنسية النبيلة، وأن صلاح الدين طلب من سجينه هيو الذي كان يحكم طبرية أن يعلمه “كيف يصبح فارساً مسيحيًا، كما أنه لما أحس بقرب أجله أرسل إلى خليفة بغداد وبطريرك القدس وحكيم اليهود كي يرسل كل منهم إليه ممثلا عن دينه، ثم أمرهم بمناظرة بعضهم ليصل إلى “أي من هذه الديانات هو الأفضل”، ولما انتهت المناظرة لم يقرر أي دين يختار لكنه قسم مملكته إلى ثلاثة أقسام، وأعطى الأفضل للمسيحيين، والثاني للمسلمين، والثالث لليهود. كذلك ظهرت رواية عن صلاح الدين في مجموعة ديكاميرون –وهي مجموعة أدبية ظهرت في منتصف القرن الرابع عشر- تروي أن صلاح الدين سأل اليهودي الذي كان يستدين منه أحيانا: أي الأديان أفضل اليهودية أم المسيحية أم الإسلام؟ ولما أجابه إجابة حكيمة أعطاه هدايا نفسية جداً، وأبقاه في مركز مرموق ومشرف، وجعله من المقربين ”
المصدر :
كارول هيلينبراند، تطور أسطورة صلاح الدين في الغرب، ترجمة وتعليق: ناصر عبد الرزاق الملا جاسم، مجلة الحوار (إربيل، يناير 2015م)
14-
ليس هذا فقط – فإليكم قصة أخرى جاءت في مجموعة ديكاميرون :
” أن الأمير الأكثر بسالة، (صلاح الدين)”، تنقل برفقة بعض قادته وخدمه، متنكراً في زي تاجر قبرصي على طريق (لومبارديا)، والتقى هناك برجل يدعى (توريللو)، الذي يستضيفه بحفاوة بالغة، على مدى عدة أيام. ولم يكن الحوار بينهم يمثل مشكلة، لطالما أن “(صلاح الدين) ورفاقه وخدمه يعلمون جميعاً اللاتينية”. لقد صوروا بوصفهم سادة بالغي التهذيب: في الواقع، يصيح توريللو: أرجو من الله أن تنجب بلادنا سادة نبلاء على شاكلة ما أراه في تجار قبرص. ويذهب (توريللو)، في وقت لاحق، إلى الأراضي المقدسة، للمشاركة في الحملة الصليبية، لكنه يقع في الأسر، ويُجلب إلى (الاسكندرية)، فيجعله (صلاح الدين) مدرباً لصقوره، ثم يتعرف عليه فعلاً، ثم يُعرف نفسه لـ(توريللو)، ويعامله بأبلغ درجات التكريم. وأخيراً يتم نقل (توريللو) إلى (لومبارديا)، حيث يقر لـ(صلاح الدين) الأيوبي بالصداقة والتبعية. وهكذا فإن الصورة التي يقدمها (بوكاتشيو) عن (صلاح الدين) تبني على شهرته الثابتة، بوصفه بطلاً للفروسية، ونموذجاً للتسامح الديني ”
المصدر :
كارول هيلينبراند، تطور أسطورة صلاح الدين في الغرب، ترجمة وتعليق: ناصر عبد الرزاق الملا جاسم، مجلة الحوار (إربيل، يناير 2015م)
إذن : نستخلص مما سبق أنه حتى مبغضي الإسلام والذين تأثروا بالصورة المشوهة للإسلام في القرون الوسطى : لم يستطيعوا إخفاء إعجابهم بصلاح الدين !!
16-
فها هو الشاعر الإيطالي (دانتي ألغييري) صاحب الملحمة الشعرية الشهيرة (الكوميديا الإلهية) والتي كتبها بالصيغة العامية البسيطة (ولذلك تم تسميتها كوميديا بعكس التراجيديا التي كانت خاصة باللغة الرسمية الفصيحة للأمراء والمثقفين) – فرغم مخالفته للإسلام وتأثره بالتشويهات السائدة في عصره وفي قومه : إلا أنه في الطبقة الوسطى بين الجحيم والجنة (واسمها المطهر) قد وضع صلاح الدين رحمه الله مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع سيدنا علي رضي الله عنه مع ابن سينا وابن رشد وسقراط وأفلاطون وإقليدس وجالينوس وغيرهم من العظماء الذين لم يكونوا على دينه
وبالطبع هذه مسبة للنبي صلى الله عليه وسلم ولسيدنا علي ولصلاح الدين : لكن ذكرنا الأمر لنرى إلى أي مدى وصل التأثر بهم وبصلاح الدين عند مَن يخالفهم !!
17-
تقول المستشرقة الألمانية المختصة في تاريخ الحروب الصليبية كارولين هيلينبراند :
” لم يحدث أن تعلقت مخيلة الأوروبيين بشخص مسلم قدر تعلقها بـ(صلاح الدين). إن تفوقه على معاصريه، من مسلمين ونصارى، أقر به أعداؤه الصليبيون، إبان حياته. وإن صورته، حتى في ظل التعصب الأعمى للعصور الوسطى، قد بقيت نقية، لا بل أضفي عليها عناصر رومانسية، في وقت كان فيه موقف أوروبا من الإسلام مزيجاً مؤسفاً من الجهل والعداء ”
المصدر :
كارول هيلينبراند، تطور أسطورة صلاح الدين في الغرب، ترجمة وتعليق: ناصر عبد الرزاق الملا جاسم، مجلة الحوار (إربيل، يناير 2015م)
18-
ورغم العداء الصارخ من المؤرخ الصهيوني يوشع براور لسيرة صلاح الدين – إلا أنه قال فيه :
” كان صلاح الدين بطل التاريخ الإسلامي زعيما وقائدا عسكريا متوسط القيمة، كما كان رجل دولة موهوبا، كريما مع الصديق والعدو محبا للغير يبعث عن الثقة. وكان صلاح الدين يجسد الأخلاق الإسلامية في عيون المسلمين، فهو الزعيم المثالي للحرب المقدسة ضد الكفار ”
المصدر :
يوشع براور، عالم الصليبيين، ترجمة وتقديم وتعقيب: د. قاسم عبده قاسم ود. محمد خليفة حسن، ط1 (الجيزة: عين للدراسات والبحوث، 1999م)، ص59.
19-
العجيب أن بعض الغربيين سلك مسلكا آخر لتبرير تميز صلاح الدين وأخلاقه العالية، وهو أن يحط من شأن قومه المسلمين في ذلك الوقت !! ومن هؤلاء الكاتب تشارلز روزبولت الذي كتب كتابا عن صلاح الدين بعنوان “صلاح الدين أمير الفروسية” قال فيه بدايته :
” طبقا لجميع نظريات الوراثة والبيئة كان ينبغي لصلاح الدين الكردي أن يكون قاسيا بلا رحمة، جشعا لا يبالي بغيره، طاغية متعجرف تتحكم فيه نزواته. لقد كان القوم الذين نشأ فيهم غارقين في البداوة، مقاتلين، لصوص، يحتقرون الحضارة التي تبدو عند جيرانهم الأقل بدائية، كان حكم السيف عندهم هو الحق الذي لا جدال فيه، ولا اعتبار لأي حق غير السيف…”
ثم ختم أخيرا بقوله :
” كان صلاح الدين فارس كل العصور، مثالي الأخلاق، مثالي السلوك، عظيم السخاء، بالغ الدماثة ”
المصدر :
Charles J Rosebault, Saladin prince of chivalry, (New York: Robert M. McBride & Company MCMXXX, 1930), pp xi, xii
ونستكمل …
20-
يقول المستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول وهو صاحب أول سيرة واقعية كاملة غربية لصلاح الدين في نهاية دراسته عنه أن :
” كل قوة المسيحية المركزة في الحملة الصليبية الثالثة لم تستطع أن تهز سلطة صلاح الدين. من الممكن أن يكون جنوده قد تذمروا طوال الأشهر من الخدمة الصعبة والخطرة، سنة بعد سنة، ولكنهم لم يرفضوا أبدا طلبا له للحضور وقدموا أرواحهم في سبيل تنفيذ غايته. أتباعه في الأودية البعيدة كنهر دجلة لربما تأوهوا لطلباته الدائمة، ولكنهم قدموا خدمهم بإخلاص تحت رايته. أخيرا في موقعة أرسوف الأخيرة أظهرت فرقة الموصل شجاعة فائقة وعظيمة. خلال جميع هذه الحملات المتعبة كان صلاح الدين دائما يعتمد على الفرق الوافدة من مصر ووادي الرافدين، كما اعتمد على فرق من شمالي وأواسط سورية من الأكراد والتركمان والعرب والمصريين، كلهم مسلمون وهم خدمه عندما يدعوهم بالرغم من الفروق في أعراقهم وغيرتهم الوطنية وفخارهم القبلي، فقد جمعهم كلهم كفريق واحد –ليس بصعوبة لكن لمرتين أو ثلاث بحساسية متشككة. بالرغم من تملص بعضهم في يافا فإنهم ظلوا جيشا متحدا تحت إمرته في خريف عام 1192م كما كانوا في أول مرة قادهم (في سبيل الله) عام 1187م. لم تسقط أية مقاطعة ولم يتخل رئيس ولا تابع عن الطاعة، بالرغم من متطلبات إخلاصهم وتحملهم كانت كافية لتجرب أقسى الإيمان وترهق قوة العمالقة ”
المصدر :
ستانلي لين بول، صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس، ترجمة: فاروق سعد أبو جابر، ط1 (القاهرة: وكالة الأهرام، 1995م) ص287، 288
21-
وكتب المؤرخ الإنجليزي الشهير إدوارد جيبون في موسوعته الشهيرة “تاريخ اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها” أول صورة جميلة عن صلاح الدين في عمل علمي تاريخي غربي، فذكر في وصفه أن :
” روحه الطموحة سرعان ما تخلت عن إغراءات اللذة لما هو أعظم خطرا من الشهرة والسلطان: كانت ملابسه من الصوف الخشن، وكان الماء شرابه الوحيد، وكان في زهده مثالا في العفة، وهو في إيمانه وسلوكه مسلم صلب، وكان دائم الحزن أن انشغاله بالدفاع عن الدين حرمه من الحج إلى مكة، كان محافظا على الصلوات الخمسة يوميا، يؤديها خاشعا مع إخوانه، وإذا نسي فلم يصم حرص على الصدقة، وكان يقرأ القرآن على صهوة الخيل عند التقاء الجيوش، وربما نقل هذا على سبيل المبالغة كدليل على التقوى والشجاعة ”
المصدر :
Edward Gibbon, The History of the Decline and Fall of the Roman Empire, (New York, J. & J. Harper, 1826), Vol 6, pp 25, 26
وأيضا …
22-
ويفسر المستشرق الإنجليزي هاملتون جب إنجاز صلاح الدين بهذا الزهد قائلا :
” لم يحقق هذا الأمر عن طريق القدوة التي تجلت في شجاعته وعزمه الذاتيين –وهما من سجاياه التي لا سبيل إلى نكرانها- بقدر ما حققه من خلال نكرانه للذات وتواضعه وكرمهن ودفاعه المعنوي عن الإسلام ضد أعدائه وضد من ينتمون إليه في الظاهر فحسب، على حد سواء. ولم يكن صلاح الدين رجلا ساذجا لكنه، مع ذلك، كان غاية في البساطة ورجلا نزيها لدرجة الشفافية. لقد أوقع أعداءه، الداخليين والخارجيين، في حيرة من أمره، لأنهم توقعوا أن يجدوا الحوافز التي تحركه على غرار حوافزهم، وتوسموا فيه أن يمارس اللعبة السياسية على طريقتهم هم. كان بريئا كل البراءة ”
المصدر :
هاملتون جب، صلاح الدين الأيوبي، تحرير: د. يوسف ايبش، ط2 (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع، 1996م) ص191-192
23-
ولما أرخ أولج فولكف للقاهرة جاء على ذكر صلاح الدين فوصفه قائلا :
” كان سياسيا محنكا ذو رأي صائب. وتمتع بمقدرة على انتقاد مستشاريه والإصغاء إليهم، وهي مقدرة هامة لأي ملك، كما تميز بالصدق في وسط كانت تسممه الخديعة، وبالتسامح إلا فيما يتعلق بسيادة العقيدة. وقد خاض غمار الحروب طيلة حياته رغم رقة بنيته. واتصفت أخلاقه بالشهامة والفروسية وكانت تملؤه روح العطف والحب مما أثر في أفكاره وأفعاله. كان دؤوبا على عمله، بسيطا في حياته، عميقا في إيمانه حتى مثَّل بحق الصورة المثالية لفارس عربي ”
المصدر :
أولج فولكف، القاهرة: مدينة ألف ليلة وليلة، ترجمة: أحمد صليحة، (القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب، 1986م)، ص80
24-
ويقول المستشرق الألماني الشهير كارل بروكلمان :
” وُفِّق صلاح الدين بعزيمته الراسخة وموهبته الدبلوماسية النادرة إلى أن يثب من غمرة هذا الوضع الحرج الدقيق إلى قمة من القوة والسلطان لم ينته إلى مثلها أحد من أمراء الإسلام منذ عهد طويل ”
المصدر :
كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، ط5 (بيروت: دار العلم للملايين، 1968م) ص352
25-
وهذه القمة السامية يصفها ستانلي لين بول قائلا :
” لقد تجمعت كل قوى العالم المسيحي في الحرب الصليبية الثالثة، ولكنها لم تستطع أن تنال من قوة صلاح الدين وسلطانه، ولما انتهت حروب السنوات الخمس وخفت محنها ومصائبها لم يكن لصلاح الدين منافس يحكم الأقطار التي تقع بين جبال كردستان وصحراء ليبيا. وكان ملك جورجيا وكاثوليك أرمينيا وسلطان قونية وإمبراطور القسطنطينية –وكلهم وراء الحدود- يخطبون وده ويتوقون إلى محالفته”، ولهذا وصفه بأنه “بطل الإسلام العظيم” وأن ما فعله “جعل اسم صلاح الدين يتردد على كل لسان حتى في أوروبا نفسها ”
المصدر :
ستانلي لين بول، سيرة القاهرة، ترجمة: حسن إبراهيم حسن وآخرون، ط2 (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، بدون تاريخ)، ص158، 159؛ ستانلي لين بول، صلاح الدين، ص288
26-
ويسوق توماس أرنولد عصر صلاح الدين وخلفائه كدليل على ما تمتع به النصارى من تسامح في البلاد الإسلامية فيقول :
” في عهد صلاح الدين الأيوبي في مصر تمتع المسيحيون بالسعادة إلى حد كبير في ظل ذلك الحاكم، الذي عرف بالتسامح الديني، فقد خففت الضرائب التي كانت فرضت عليهم، وزال بعضها جملة، وملئوا الوظائف العامة؛ كوزراء، وكتاب، وصيارفة. وفي عهد خلفاء صلاح الدين نعموا بمثل هذا التسامح والرعاية قرابة قرن من الزمان، ولم يكن هناك ما يشكون منه إلا ما اتصف به كهنتهم أنفسهم من الفساد والانحطاط، فقد فشت السيمونية بينهم، فبيعت مناصب القسيسين الذين اتصفوا بالجهل والرذيلة، على حين حيل بين الذين طلبوا التعيين وبين هذا المنصب المقدس؛ بعجزهم عن أداء الأموال المطلوبة في احتقار وازدراء، مع أنهم كانوا الجديرين بشغل هذا المنصب ”
المصدر :
توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام: بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، ترجمة: حسن إبراهيم حسن وآخرون، (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1980م) ص128-129
27-
ويقول كارل بروكلمان :
“لم يستطع أعداؤه أنفسهم إلا الإقرار لهم بالشهامة والنبل في معاملة الخصم المغلوب. ليس هذا فحسب، فقد كان صلاح الدين بالإضافة إلى ذلك كله نصيرا للعلم، ولقد وُفِّق إلى نفر من العلماء حفظوا جميله له ”
المصدر :
كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص358
28-
ويقول المستشرق الأمريكي لبناني الأصل فيليب حتي في كتابه “الموجز عن تاريخ العرب” :
” لم يكن صلاح الدين بطلا وحاميا للسنة فقط بل كان منشطا للعلم والعلماء مشجعا للدراسات الدينية ومصلحا اجتماعيا واقتصاديا، فلقد أنشأ المدارس والمساجد وابتنى السدود واحتفر الأقنية… وصلاح الدين عند العرب في مصاف هارون الرشيد وبيبرس وفي مقدمة من تهواهم مخيلات الشعب عامته وخاصته إلى يومنا هذا. أما في أووربا فلقد أطنب في ذكراه المنشدون في العصور الوسطى وحاكاهم في ذلك الروائيون العصريون. وهو لا يرزال يعتبر حتى اليوم مثال الفروسية الكاملة ”
المصدر :
فيليب حتي، العرب تاريخ موجز، (بيروت: دار العلم للملايين، 1991م) ص243
29-
ويشهد مؤرخ القاهرة المستشرق الفرنسي جاستون فييت أن القاهرة لم يبدأ مجدها إلا بصلاح الدين فيقول :
” كانت مدينة ابن طولون [القطائع] مسكنا للأمير؛ ويمكن إطلاق هذا التعبير ذاته على قاهرة الفاطميين. ولم يصبح لمصر عاصمة حقيقية إلا بوصول صلاح الدين. فمجد القاهرة –دون التقليل من عمل الفاطميين- يبدأ من عصر الأيوبيين”، ويضيف: “ما زالت القلعة شاهدا على عظمة عصر صلاح الدين، رغم أن السلطان لم يسكنها أبدا. وهي تقدم دليلا ملموسا على شخصية فذة، ورجل سابق لزمانه، وأرقى من معاصريه، سواء في ذلك إخوانه في الدين أو أعداؤه، الذين رأوا فيه إنسانا يغلب عليه الاعتدال وشعور الولاء، مبرأ تماما من الأنانية والدوافع الشخصية –وبعبارة مختصرة- رجلا فذا ”
المصدر :
جاستون فييت، القاهرة: مدينة الفن والتجارة، ترجمة: د. مصطفى العبادي، (بيروت: مكتبة لبنان، 1968م) ص76-77
30-
ونختم بهذا التفصيل من ستانلي لين بول إذ يقول :
” وعلى الرغم من أن مدة إقامة صلاح الدين الأيوبي لم تطل في القاهرة، لم يترك أحد ممن سبقوه من الحكام فيها مثل ما خلف من الآثار الخالدة. فإليه يرجع الفضل في اتساع الحاضرة، وتنسيق هندستها التي كانت تفخر بها إلى عهد قريب؛ فالقلعة وهي أبرز معالمها من إنشائه، والمدرسة التي بناها هي أكثر عمائرها ذيوعا وشهرة، وكل هذه التغييرات تمت بفضل توجيهاته. ولما غادر صلاح الدين القاهرة بعد أن مكث فيها ثماني سنوات، ظل يبعث في طلب إمدادات منها بمعاونته في حروبه السنوية، وقد ترك بها من القواد والأقارب من قام بإتمام ما بدأه من أعمال، كان بعضها من أجل الدفاع عن البلاد وبعضها في سبيل الدين. فأما الأعمال الدفاعية، فقد تجلت في إنشاء القلعة والسور وجسر النيل، وكلها من الأعمال المستحدثة التي لم يسبقه إليها أحد، إذ أن الحكام الذين جاءوا قبله جعلوا هدفهم بناء مبان حكومية أو ضواح ملكية، كل يبعد عن سابقه نحو نصف ميل إلى الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، حتى إن القاهرة الفاطمية نفسها لم تكن تشمل سوى قصور الخلفاء والموظفين ولم تكن حاضرة للبلاد المصرية. أما صلاح الدين فكان أول من وضع بإحكام تصميم شامل لحاضرة عظيمة، إذ أنه بدلا من أن يحذو حذو من سبقوه من الحكام ويقيم ضاحية جديدة كما أقام أسلافه، عقد العزم على توحيد جميع الأحياء الآهلة بالسكان وإحاطتها بسور عظيم وتتويجها بقلعة منيعة ”
المصدر :
ستانلي لين بول، سيرة القاهرة، مرجع سابق، ص159
فرحم الله بطلا إسلاميا قدوة لكل المسلمين في جهاده وهمه لنصرة دينه الإسلام وتوحيد أمته – ما عرف طعما للراحة حتى انتصر لثالث الحرمين المسجد الأقصى وأخذه بالقوة كما تم أخذه بالقوة – وضرب في سيرته أروغ المثل في الأخلاق الإسلامية التي أبهرت الغريب قبل القريب – والحمد لله رب العالمين
#الباحثون_المسلمون