إِنَّ لفكرة توليد سلاسل الأرقام العشوائية أهمية كبيرة في تشفير البيانات؛ هذه الفكرة التي تحمي الخصوصيّة وأمن المعلومات عند إجراء المعاملات الرقميّة: كشراء المنتجات عبر الإنترنت، أو السَّحب النقديّ من أجهزة الصرّاف الآليّ.
وتأكيداً لهذه الأهميَّة، قامت مجموعة من المهندسين – ولأول مرة- بتطوير شريحة لتوليد سلاسل الأرقام العشوائيّة استناداً إلى نظريات [ميكانيكيا الكَمْ [Quantum mechanics, ، تلك الشريحة التي يمكن أنْ تكون أحد أكثر مفاتيح التّشفير أماناً في العالم، وفي نفس الوقت من أصغرها حجماً بما يسمح باستخدامها في الأجهزة المحمولة.
في مجلة جمعيّة الاتصالات الضوئيّة » [Optica] بصريات »، قدّم الباحثون شريحتهم المتكاملة لتوليد الأرقام العشوائيّة. ويُمثل العمل الجديد تقدماً رئيسيّاً على طريق شرائح التّشفير القائمة على نظريات الكَمْ ،والتي يمكنها أنْ تُقدِّمَ أعلى جودة في توليد سلاسل الأرقام. وبالتالي، وصولها لأعلى درجات الأمن الإلكترونيّ، ودمج تلك الشرائح في أجهزة الحاسوب والأجهزة اللّوحيّة والهواتف المحمولة.
يقول [كارلوس أبيلان : [Carlos Abellan, وهو الباحث الأول للمجموعة، وطالب دكتوراه في معهد العلوم الضوئيّة [ICFO ]، العضو في معهد برشلونة للعلوم والتكنولوجيّا بإسبانيا:
« لقد تمكنّا من وضع تكنولوجيا الكم والتي تستخدم في التجارب العلمية الكبرى في حزمة صغيرة يمكن استخدامها تجاريا» . وأضاف: «إنَّ هذا مجرد مثال واحد من تِقنيات الكم التي ربما تكون متاحة للاستخدام قريباً في المنتجات التجاريّة، إنَّها خطوة كبيرة إلى الأمام لتكامل هذه التِقنيات واستخدامها » .
يعمل هذا الجهاز الجديد في نطاق سرعات الجيجابت في الثانية – علماً أنَّ كلَّ [1] جيجابت = [1/8] جيجا بايت- ممّا يجعله سريعاً بما فيه الكفاية لتشفير البيانات والاتصالات آنيًّا، مثل : مكالمات الهاتف الصوتيّة، أو المرئيّة، أو لتشفير تلك الكميّات الضخمة من البيانات التي تنتقل من وإلى أجهزة الخوادم العملاقة (Servers) ، مثل تلك المستخدمة في مواقع التواصل الاجتماعيّ الكبرى. ويمكن أيضاً أنْ يَجِد هذا الاختراع الجديد طريقه لاستخدامات متعددة في توقعات سوق الأوراق المالية، وعمليات المحاكاة العلميّة المعقدة للتفاعلات البيولوجيّة أو النوويّة.
إنَّ أجهزة توليد الأرقام العشوائية المتواجدة حالياً تعتمد بشكل أساسي على خوارزميات الحواسيب، أو العمليات الفيزيائيّة العشوائيّة [ رميُ حجر النَّرد مثالاً ] ؛ للحصول على الأرقام العشوائيّة. وبالرغم من أنَّ الأرقام المُولَّدة بهذه الطرق قد تبدو عشوائية في ظاهرها، إلاَّ أنَّه وبالحصول على بعض المعلومات – مثل عدد أحجار النّرد المُلقاة في المثال السابق – يمكن لمحترفي الاختراقات من الهاكرز استنتاج هذه الأرقام ؛وبالتالي ستصبح البيانات المؤمّنة مُعرضة للقرصنة.
الجهاز الجديد يعمل على العكس من ذلك، إذ يقوم بتوليد الأرقام العشوائيّة على أساس الخصائص الكميّة للضوء، وهي خصائص عشوائية بطبيعتها؛ مما يجعل التنبؤ بتلك الأرقام أمراَ مستحيلا بغضّ النّظر عن مقدار المعلومات المعروفة.
باحثون آخرون كانوا قد قاموا بالعمل على إنتاج أجهزة أرقام عشوائيّة مماثلة اعتماداً على الخصائص الكميّة؛ إلاَّ أنَّها جميعها كانت: إمَّا أكبر حجماً أو أبطأ سرعة من هذا الجهاز الجديد.
يقول المنسق العام لفريق البحث [فاليريو برونيري [ Valerio Pruneri :
« لقد أوضحنا سابقاً، كيف أنَّ العمليات الكميّة تُظهر عشوائيّة حقيقيّة. وفي هذا البحث توصلنا إلى تقدم تقنيّ على مستوًى عالٍ باستخدام التصميم الجديد، الذي يضم شعاعين من أشعة اللّيزر يتداخلان مع بعضيْهما البعض في حيز محدود، وهذا يجعل الجهاز أصغر حجماً مع الحفاظ على نفس الخصائص التي تم استخدامها في التجارب الماضية».
استخدم الباحثون تِقنية الدوائر الضوئيّة المتكاملة [PIC] لإنشاء مولدين كميّين للأرقام قياسهما معاً [6×2] ملليمتر. تُقدم الدوائر الضوئيّة المتكاملة وسيلة لدمج المكونات الضوئية – مثل أجهزة اللّيزر– في رُقاقة صغيرة ذات استهلاك منخفض للطاقة. تلك التِقنية ستسمح بسهولة بتكامل تلك الشرائح في الالكترونيّات التقليديّة ؛ ليتم استخدامها في قراءة ومعالجة البيانات والتحكم بها، سواءً تلك المستخدمة في العمليات الحسابية أو تلك المستخدمة في مجال الاتصالات.
يقول [برونيري] : « لقد أثبتنا : أنَّ تِقنيات الكَمّ قد أصبحت في متناول اليد من خلال استخدام تقنية الدوائر الضوئية المتكاملة (PIC) ، تلك التِقنية التي ستستخدم قريباً على نطاق أوسع في أجهزة توليد الأرقام، وأجهزة التّشفير الكميّة ؛لسهولة استخدامها لصناعة منتجات تجاريّة متطورة. فجهازنا هذا هو العرض المبدئي لتلك التقنيّة».
هذا العمل خرج نتيجة جهود مؤسسية ضمّت باحثين من :
[1]- معهد العلوم الضوئية [ [ ICFO
[2]- شركة[ VLC Photonics S] S
[3]- جامعة فالينسيا للعلوم التقنية, [Polytechnic University of Valencia]
[4] -معهد كاتالان للبحوث والدراسات المتقدمة [ ICREA, Catalan Institution for Research and Advanced Studies]
وكلهم من إسبانيا بالإضافة إلى:
[5]- جامعة ميلان للعلوم التقنية [Polytechnic University of Milan] – إيطاليا.
.