نعرف جميعاً أن الطاقة النووية هي الطاقة التي تتحرر عندما تتحول ذرات عنصر كيميائي إلى عنصر آخر والتي تتولد عن طريق التحكم في تفاعلات انشطارية واندماجية للأنوية الذرية إذ إن هذه الطاقة تستمر في التوسع والانتشار نظراً لمميزاتها العديدة مثل كمية الانبعاثات القليلة لغازات ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت التي تسبب الضباب الدخاني والاحتباس الحراري، مع توفير ناتج ثابت للطاقة، وتستخدم لتسخين الماء الذي يستخدم بخاره لإنتاج الكهرباء، وتأتي الحاجة المتزايدة للتعامل مع كميات كبيرة من المياه المستخدمة لتبريد هذه المفاعلات والتي تصبح ملوثة بالنظائر المشعة التي تتطلب التخلص الخاص على المدى الطويل.
طورت طريقة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) لتقليل حجم المياه الملوثة بشكل كبير والتي يجب أن نتخلص منها بدلاً من تركيزها وإعادة تدويرها من خلال نظام تبريد المحطة.
هذه الطريقة تستخدم تقنية التحليل الكهربائي بالصدمة (shock electrodialysis) إذ يستخدم صدمة كهربية نازعة للأيونات من الماء ثم تدفع هذه الموجة الصدمية الجسيمات المشحونة كهربياً أو الأيونات إلى جانب واحد من الأنبوب المملوء بمادة مسامية مشحونة كهربياً وعندها تتسنى الفرصة بفصل هذا التيار المركز للملوثات عن بقية الماء. وُصف النظام المقترح في ورقة بحثية نشرت في مجلة العلوم والتكنولوجيا البيئية نشرها الطالب محمد الخضرة والبروفيسور مارتن بازنت وآخرون حيث اكتشفوا أنه يمكن عزل اثنين من النويدات المشعة الملوثة للماء وهما نظائر الكوبلت والسيزيون في حين أن الماء يحتوي أيضا على البوريك أسيد والليثيوم. بعد تنظيف مجرى الماء من ملوثات الكوبلت والسيزيوم ، يمكن إعادة استخدامه في المفاعل.
طُورت عملية التحليل الكهربي بالصدمة في البداية من قبل الأستاذ بازنت الذي يعمل في قسم الهندسة الكيميائية وزملائه كطريقة عامة لإزالة الملح من الماء قبل أربع سنوات.
الآن، ركز الفريق على هذا التطبيق الأكثر تحديداً، والذي يمكن أن يساعد في تحسين الاقتصاد والأثر البيئي لمحطات الطاقة النووية العاملة. في البحث المستمر، يواصلون أيضاً تطوير نظام لإزالة الملوثات الأخرى، بما في ذلك الرصاص من مياه الشرب.
كما يقول بازنت، فإن هذا جهاز واحد يمكنه إجراء عمليات فصل مختلفة إلا أنه غير مكلف ويمكن توسيعه لأحجام مختلفة، ومن حيث المبدأ يمكنه التعامل مع مجموعة واسعة من الملوثات، طور الفريق طرقاً أخرى لاكتشاف وقياس تفاصيل ما يوجد في النفايات المشعة المركزة والمياه النظيفة، كما استعملوا في بحوثهم السابقة قياسات الموصلية الكهربية للماء لتحديد كمية الملح التي أزيلت.
يقول بازنت وهو أستاذ الهندسة الكيميائية والرياضيات: “نحن نقيس بعناية تركيب جميع الأشياء التي تدخل وتخرج”، “لقد فتح هذا بالفعل اتجاهاً جديداً لأبحاثنا.” لقد بدأوا التركيز على عمليات الفصل التي قد تكون مفيدة لأسباب صحية أو من شأنها أن تؤدي إلى تركيز المواد ذات القيمة العالية، إما لإعادة استخدامها أو تعويض تكاليف التخلص منها.
ويمكن استخدام هذه الطريقة أيضاً في تحلية مياه البحر ولكنها عملية مستهلكة للطاقة نسبياً لهذا التطبيق.
تكون تكلفة الطاقة أقل بشكل كبير عند استخدامها لفصل الأيونات الانتقائية من التيارات المخففة مثل مياه تبريد المحطة النووية. بالنسبة إلى هذا التطبيق الذي يتطلب أيضًا التكلفة العالية، فإن الطريقة منطقية من الناحية الاقتصادية كما يقول. كما أنه يحقق الهدفين الأساسيين للفريق، وهما: التعامل مع المواد عالية القيمة والمساعدة في حماية الصحة. ويقول: إن حجم التطبيق مهم أيضاً، إذ يمكن لمحطة نووية واحدة كبيرة أن تنقل نحو 10 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً من خلال نظام التبريد الخاص بها.
من أجل اختباراتهم للنظام، استخدم الباحثون مياهًا مشابهة لمياه الصرف النووي (simulated nuclear wastewater) استناداً لوصفة قدمتها شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة، والتي رعت البحث وهي شركة بناء رئيسة للمحطات النووية. في اختبارات الفريق، بعد عملية فصل من ثلاث مراحل، تمكنوا من إزالة 99.5 في المئة من النويدات المشعة بالكوبلت في الماء مع الاحتفاظ بنحو 43% من الماء بحيث يتم تنظيفه حتى يمكن إعادة استخدامه. وجد الفريق أنه يمكن إعادة استخدام ثلثي الماء إذا تم تخفيض مستوى التنظيف إلى 98.3 في المئة من الملوثات التي تم إزالتها.
في حين أن الطريقة العامة لها العديد من التطبيقات المحتملة، إلا أن فصل المياه الصرف النووية: “هو أحد المشاكل الأولى التي نعتقد أنه يمكننا حلها (بهذه الطريقة) التي لا يوجد حل آخر لها”، كما يقول بازنت. ويضيف أنه لم يتم العثور على طريقة اقتصادية عملية ومستمرة أخرى لفصل النظائر المشعة للكوبلت والسيزيوم، وهما الملوثان الرئيسان لمياه الصرف النووي.
في حين أنه يمكن استخدام الطريقة للتنظيف الروتيني، إلا أنها يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في التعامل مع الحالات الأصعب، مثل ملايين الغالونات من المياه الملوثة في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة التالفة في اليابان، إذ إن تراكم تلك المياه الملوثة هدد بالتغلب على أنظمة الاحتواء المصممة لمنعه من التسرب إلى المحيط الهادئ المجاور. في حين أن النظام الجديد لم يتم اختباره حتى الآن إلا على نطاقات أصغر بكثير، يقول بازانت بأن أنظمة التطهير واسعة النطاق والقائمة على هذه الطريقة قد تكون ممكنة “في غضون بضع سنوات”.
كما ضم فريق البحث ما بعد الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كاميرون كونفورتي وتاو جاو وطالب الدراسات العليا هوانهوان تيان.
المصدر:
http://news.mit.edu/2019/remove-contaminants-nuclear-plant-wastewater-1219