ظاهرة النفق الكمومي: تعريفها، تفسيرها، وأهميتها.
#معلومات_متقدمة
(1)- ما هي ظاهرة #النفق_الكمومي ؟
هي ظاهرة تحدث على مستوى الكوانتم – الجسيمات دون الذرية –، حيث لا يمتلك الجسيم طاقة كافية لعبور حاجز الجهد، مما يجعله يخترق هذا الحاجز فيصير حرا، وذلك بسبب الطبيعة الموجية. فعلى مستوى الكوانتم يمكن للجسيمات أن تتصرف كأمواج بدل تصرفها كجسيمات.
وهو ما يعني عدم وجود الجسيم – الإلكترون – في مكان وزمان محددين ولن يمتلك قدر محدد من الطاقة ولكن يعتمد تواجده وفق موجة من الاحتمالات التي تخضع للدوال الموجية. فوجود الالكترون خارج الذرة هو احتمال وارد دوماً، وبالتالي يمكن أن يتواجد الإلكترون على الجهة المعاكسة من الحاجز وكأنه شكل نفقاً استطاع العبور من خلاله كما أن الجسيم الذي لا يملك طاقة ملائمة لإجتياز حاجز يستطيع عملياً استعارة قدر من الطاقة من وسطه المحيط فيجتاز الحاجز – قوة جذب النواة للإلكترون -. [1] [2]
—————————————
(2)- كيف تتم هذه #الظاهرة؟
1- على مستوى الكمومي فإن الجسيم ذو طبيعتين – الازدواجية – فهو يتعامل كموجة وجسيم ومن الخطأ أن نتعامل معه على أنه موجة فقط أو جسيم فقط ولكن لابد من الأخذ في الاعتبار الطبيعة الازدواجية له ، فمثلا الإلكترونات، تمتلك موجة كنوع من الخواص التي تتميز بها، و هذا يعني أنه باستطاعتها أحياناً التسلل عبر حواجز منيعة ، وهي ما يعرف بظاهرة النفق الكمومي.
2- عالم الكوانتم هو عالم احتمالي لا نستطيع فيه أن نتأكد من حدوث شيء معين بنسبة مائة بالمئة لكن نحن نتنبأ باحتمالات فالأمر ليس عشوائيا بل مدروس ومحسوب من خلال المعادلات وهو يخضع لمبدأ عدم الدقة لهايزنبرج وهذا ليس في ظاهرة النفق الكمومي فحسب لكنه موجود في جميع الظواهر التي تقع خلال عالم الكوانتم. وهذا ما أكده العالم روجر بنروز الرياضياتي الشهير واصفا العالم الكمومي قائلا : ” مما يقوله الناس عن ميكانيكا الكم أنها غامضة وغير محددة ولا يمكن التنبؤ بها ، لكن ذلك ليس صحيحا ، ومادام الأمر متعلقا بالمستوى الكمي ، نقول إن ميكانيكا الكم محددة ودقيقة …. وتتضمن ميكانيكا الكم – في صورتها الأكثر شيوعا – استخدام معادلة تسمى معادلة شرودنجر التي تحكم سلوك الحالة الفيزيائية لمنظومة كمية – تسمى حالتها الكمية – وهذه معادلة محددة ” [3].
3- لو تأملنا الصورة التي أمامنا سنجد بها ثلاث مناطق ، حيث تسقط الجسيمات من المنطقة الأولى 1 على السطح الحاجز (المنطقة الثانية 2 ) بعضها ينعكس على سطح الحاجز والبعض الآخر يتخلل الحاجز لمسافة ثم يرتد والبعض الآخر يستمر حتى ينفذ من خلال السطح الحاجز إلى المنطقة الثالثة 3 بشرط أن تكون المنطقة الثانية لها سمك رقيق يستطيع التغلب عليه. يتم تمثيل الجسيمات في كل منطقة من الثلاث بمعادلة موجية تحكم احتمالية وجودها ومسارها .
4- يشير الرمز E إلى طاقة الجسيم بينما يشير الرمز V إلى جهد الحاجز- قوة جذب النواة الموجبة للألكترون السالب تشبه حاجز يمنعه من الابتعاد-، فنجد في المنطقة الأولى أن طاقة الجسيم أكبر من جهد الحاجز وذلك لأنه ليس في مجاله بعد، بينما في المنطقة الثانية 2 نجد أن جهد الحاجز أكبر من طاقة الجسيم وهو ما يتسبب في ما يُعرف بظاهرة النفق الكمومي حيث يقوم الجسيم باختراق الحاجز(المنطقة2) ليصل إلى المنطقة الثالثة 3 فيصبح حرا .
5- الآن لدينا نتيجتان :
أ- النفق الكمومي محكوم بشروط حدودية، هذه الشروط نتعامل بها مع هذه الظاهرة ويمكننا من خلالها تحديد عدد الجسيمات التي تمر من المنطقة الأولى إلى الثالثة ولا ترتد ثانية. كما يمكننا تحديد عدد الجسيمات المحتمل مرورها للمنطقة الثانية ثم ترتد مرة أخرى فلا تعبر. وأخيرا نستطيع تحديد عدد الجسيمات المحتمل عدم قدرتها على المرور مطلقا ويتم وصف كل حالة بدالة موجية تحكم سلوك واحتمالية مسار الجسيمات بدقة عالية .
ب- النفق الكمومي ظاهرة تخضع لقوانين الكوانتم مثلها كمثل ظاهرة سقوط الأجسام – الجاذبية – في عالم الكلاسيكية والتي تخضع لقوانين الفيزياء الكلاسيكية. وهو ما يعني أن لظاهرة النفق الكمومي علاقة يحكمها القانون، بعكس ما يظن البعض أنها تتم بشكل عشوائي .
6- بتقدم العلم وتطور إمكانياتنا خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين فقد تم نشر ورقة بحثية [4] خلال شهر مايو 2015 في مجلة ناتشر العالمية تشير إلى أنه قد توصل فريقٌ دولي من علماء الفيزياء، الذين يدرسون الفيزياء فائقة السرعة – عند مستوى attosecond (أي 10أس-18 ثانية) – ، لحل لغز النفق الكمومي (quantum tunneling) ووجدوا أنه عبارة عن عملية لحظية.
يقول العالم أناتولي كايفيتس Anatoli Kheifets أحد أعضاء الفريق الدولي : ( فبهذا المدى -المعيار- الزمنى .. كان يُعتقد أن الزمن الذى يستغرقه الالكترون لعبور النفق الكمومي لذرة ما أمر “معتبر” ولكن الرياضيات تقول أن زمن الخروج لا يمكن تخيله .. فهو رقم معقد “بإدراكنا” .. مما يعنى أنه لابد أن تكون عملية لحظية “فورية” … وأوضح كايفيتس أنه لم يتم استكشاف الجداول الزمنية لمثل هذه العملية في السابق. و يضيف : “لقد قُمنا بمحاكاة أكثر عمليات الطبيعة دقة، بدقة عالية جداً “. إنها عملية طبيعية بل هي أحد أدق العمليات الطبيعية ..
كما أشار الدكتور إيفانوف Ivanov الذي يعمل حالياً في مركز علم الليزر النسبي في كوريا : إلى ظهور معضلة هامة فى الظاهر .. لأن سرعة الالكترون خلال حدوث ظاهرة النفق الكمومي قد تفوق سرعة الضوء .. ومع ذلك فهذا لا يتعارض مع نظرية النسبية الخاصة .. لأن سرعة عبور النفق هى ايضا تخيلية [5] .
—————————————
(3)- ما #أهمية ظاهرة النفق الكمومي؟
يظن البعض أن ظاهرة النفق الكمومي عبارة عن حدث شاذ، يحدث ليخرق النظام، وهذا خطأ فهي طبيعة وظاهرة متكررة تحدث باستمرار للجسيمات دون الذرية، بل هي ظاهرة ضرورية لحدوث الأشياء، ولذا فلها فوائد كثيرة ومتعددة، منها :
1-إشعاع جسيم ألفا من نواة ذرة عنصر البولونيوم 210 والتي تحوي 84 بروتون فتتحول بذلك إلى نواة ذرة الرصاص 206 التي تحوي 82 بروتون يعتمد بشكل رئيسي على ظاهرة النفق الكمومي [6].
2- اختراع المجهر الماسح النفقي STM من طرف جيرد بينيج وهاينريخ روهرير بغرض تصوير الذرات المنفردة على سطح معدن[7].
وكان عام 1981 قفزة كبيرة للتمكن من تصوير ذرة بمفردها لمواد مختلفة. ويستخدم المجهر الماسح النفقي ظاهرة الحساسية الكبيرة للتخلل النفقي الكمومي للمسافة، حيث يتزايد احتمال حدوث التخلل النفقي طبقا للدالة الأسية الطبيعية كلما صغرت المسافة. فعندما يقترب سن المجهر بالقرب من السطح الموصل بجهد كهربي فمن الممكن قياس المسافة بين السن وسطح العينة عن طريق قياس تيار الإلكترونات بين السن والسطح.
3-باستخدام قضيب له خاصية الانضغاطية الكهربائية لتشكيل سن المجهر الماسح النفقي، يمكن ضبط المسافة بين السن والسطح بحيث يصبح تيار الإلكترونات النفقي بينهما ثابتا. وبذلك يمكن تسجيل تغير الجهد الكهربي الموصل بالقضيب الانضغاطي الكهربائي واستخدامه لتصوير السطح الموصل. وصلت دقة المجهرات الماسحة النفقية الحديثة حاليا إلى دقة تصل إلى 0.001 نانو متر، أي نحو 1% من قطر الذرة. [8]
4- من الأشياء التي تعتمد بشكل رئيسي على ظاهرة النفق الكمومي هي عملية إنتاج طاقة النجوم، فحتى تتمكن ذرتَي هيدروجين من الاندماج لإنتاج طاقة يجب أن تكون حرارة النجم تقترب من المليار كلفن وذلك للتغلب على قوة التنافر الكهربائية بين نواتي الهيدروجين ، لكننا لو نظرنا إلى نجم كالشمس حيث تبلغ درجة حرارة مركزها 13.6 مليون كلفن وهو ما يعني أن عملية الاندماج لن تتم نظرياً ! ولكن بسبب وجود ظاهرة النفق الكمومي تتوافر فرصة ضئيلة لحدوثه دون أن تتوفر درجة الحرارة المطلوبة، وبما أن الشمس تمتلك كمية هائلة من ذرات الهيدروجين فإن تلك الفرصة الضئيلة سوف تُخضع حوالي 4 مليون طن من الهيدروجين في كل ثانية لعملية اندماج نووي. وهو ما يعني أن ظاهرة النفق الكمومي هي شيء أساسي في استمرار طاقة الشمس إلى الآن رغم ضآلة درجة حرارتها مقارنة بما هو مطلوب. وبالتالي فلولا ظاهرة النفق الكمومي كيف سيتم تحلل العناصر؟ وكيف ستحافظ الشمس على استمرار طاقتها إلى الآن رغم ضئالة درجة حرارتها مقارنة بما هو مطلوب، والتي تعد أحد أهم أسباب الحياة على الأرض. [9]
—————————————
المصادر:
1-Taylor, J. (2004). Modern Physics for Scientists and Engineers. Prentice Hall. p. 234.
2-Razavy, Mohsen (2003). Quantum Theory of Tunneling. World Scientific. pp. 4, 462.
3-روجر بنروز: فيزياء العقل البشري والعالم من منظورين، ص 27.
4-https://www.nature.com/…/journal/v11/n6/full/nphys3340.html
5- https://phys.org/…/2015-05-physicists-quantum-tunneling…
6-https://www.colorado.edu/…/phys…/lecture_pdfs/class35.pdf
7- Taylor, J: Modern Physics, page 473-475. Prentice Hall, 2004.
8- R. D. Knight, “Physics for Scientists and Engineers: With Modern Physics”, pg 1310. Pearson Education, 2004.
9- Razavy, Mohsen (2003). Quantum Theory of Tunneling. World Scientific. pp. 4, 462