عرق النسا sciatica
سمعت به كثيرًا، فما هو؟
لا بد أن معظمنا سمع عن مصطلح “عرق النسا”، لكن ما هو؟! ماذا تعرف عنه بالفعل؟
عرق النسا أو ألم العصب الوركي:
إن كنت قد وقفت طويلًا في طابور الخبز أو قضيت وقتًا كبيرًا جالسًا في سيارتك في طابور الوقود أو أنهكت نفسك بحمل ثقيل (كجرة الغاز مثلًا)، ثم شعرت بألم يسري من أسفل الظهر مرورا بالأرداف إلى ساقك؛ فذلك غالبًا ما يكون من أعراض عرق النسا (ألم العصب الوركي).
فتعال معنا في جولة تتعرف فيها على عرق النسا، أعراضه، أسبابه، وسبل علاجه. بسم الله نبدأ:
يتفرع العصب الوركي من أسفل الظهر (من الضفيرتين العصبيّتين القطنية والعجزية)، ويمر بعد ذلك من خلال الأرداف ثم إلى الفخذين ثم الساقين، وهو عصبٌ حسيٌّ حركيٌّ.
يشكّل عرق النسا أو ألم العصب الوركي العرضَ السريري الناتج عن التهاب أو أذية هذا العصب، وقد يكون الألم شديدًا إلى درجةٍ يحدّ فيها من حركة المريض، لكن نطمئنك أن أغلب الحالات لا تستوجب العلاج الجراحيّ وتستجيب بشكلٍ كبير للإجراءات الطبيّة المحافظة والأدوية المسكنّة.
لكن قد تكون الإصابة شديدة في بعض الحالات: حيث يعتبر المرضى المصابون بألم حادٍ غير مستجيب للمسكنات بالإضافة إلى المرضى الذين يبدون اضطرابات عصبيّة مرافقة في إفراغ المثانة واستمساك الأمعاء مرشحين للعلاج الجراحي القائم على تحرير العصب من الانضغاط الناتج عن آليات مرضيّة متنوعة كانفتاقٍ حادٍ في النواة اللبيّة أو تضيق القناة الفقرية.
كيف يتظاهر عرق النسا سريريًا؟
يعدّ انتشار الألم من أسفل العمود الفقري إلى الأرداف وإلى الناحية الخلفية من الساق في جهةٍ واحدةٍ سمةً مميزةً لعرق النسا؛ حيث يشعر المريض تقريبًا بعدم الارتياح في كامل مسار العصب الوركي، وحسب مكان الالتهاب أو الانضغاط قد تقتصر الأعراض على جزء من مساره.
يتراوح الألم من خفيف إلى شديد مع شعور بحرقةٍ أو ألمٍ مبرحٍ، في بعض الأحيان يشعر المريض وكأنه تعرض لصدمة كهربائية.
قد يسوء الأمر عند السعال أو العطاس (نتيجة زيادة الضغط داخل تجويف البطن وزيادة الانضغاط العصبيّ الحاصل بالتالي)، والجلوس لفترات طويلة قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض.
عادةً ما يختصّ الألم جانبًا واحدًا من الجسم، وقد يكون لدى البعض خَدر أو وخز أو ضعف عضلي في القدم أو الساق المتأثرة، وقد يكون الشعور بالألم في جزء من الساق والشعور بالخدر في جزء آخر منها، فالعصب الوركي كما سبق وذكرنا يعدُّ عصبًا حسيًّا حركيًّا في آنٍ واحدٍ.
أين تكمن الأسباب؟
يحدث عرق النسا عند انضغاط العصب الوركي نتيجة انفتاق أحد الفقرات في العمود الفقري (انفتاق القناة اللبيّة أو ما يعرف بالديسك) أو بسبب فرط نمو عظمي في الفقرات (نشوء مناقير عظمية كما في تنكس الفقرات) (انظر إلى الصور في التعليقات)، ويمكن أن ينضغط العصب الوركي بورم أو يتضرر بمرض جهازيّ مثل السكري أو الأمراض الرثوية.
متى تجب زيارة الطبيب؟
يختفي عرق النسا الخفيف عادةً بمرور الوقت، إلا أنّ استمرار الألم وتفاقمه وعدم التحسن على الإجراءات العلاجية المحافظة بالإضافة إلى ظهور اضطرابات عصبيّة إضافيّة كالخدر والتنميل وعدم استمساك البول أو البراز؛ كلّها حالات تستوجب اللجوء إلى الطبيب فورًا.من هي الفئة المعرّضة أكثر من غيرها للإصابة بعرق النسا؟
للمرض عدة عوامل خطورة تزيد عند وجودها من نسبة الإصابة بشكلٍ واضح، منها:
1. العمر: هناك تغيرات تنكسيّة تطرأ على العمود الفقري بتقدم العمر، مثل الأقراص المنفتقة (الديسك) والنتوءات العظمية (المناقير) والتي تزيد بشكلٍ واضح من خطر الإصابة.
2. السُمنة: الزيادة المفرطة في الوزن تضغط على العمود الفقري وتؤدي بالنتيجة إلى انضغاط الفقرات وتضيق الفاصل بينها (حيث تخرج الجذور العصبية) مما قد يحفز نشوء ألم عرق النسا.
3. المهنة: إنّ الأعمال التي تتطلب رفعًا للأحمال الثقيلة أو انعطاف الظهر أو القيادة لفترات طويلة ربما تساهم في عرق النسا، ولكن لا يوجد دليل قاطع على هذا الارتباط.
4. الجلوس طويلًا: الناس الذين يجلسون لفترات طويلة ولديهم حياة خاملة معرضون لعرق النسا أكثر من الناس النشيطين (لذلك قم وتحرك يرحمك الله)
5. داء السكري: الذي يؤثر على استقلاب سكر الدم ويزيد من خطر الإصابة بتلف الأعصاب (ومن أشهر التظاهرات اعتلال الأعصاب السكري واعتلال العصب الوحيد المتعدد).
هل عرق النسا مرض قابل للشفاء؟ وماذا عن العلاجات الطبيّة والجراحيّة؟
إذا لم يتحسن الألم بالرعاية الذاتية، يمكن أن يقترح عليك الطبيب بعضًا من العلاجات التالية:
– أدوية: مثل مضادات الالتهاب (غير الستيرويدية والستيرويدية) والمرخيات العضلية وأدوية مسكّنة وغيرها.
– المعالجة الفيزيائية: وتعدّ حجر الأساس في علاج المرحلة الحادّة خلال الأسابيع الستة الأولى من بدء الأعراض، لتحسين فرصة ترميم الأنسجة الرخوة. بعد تجاوز الألم الحاد يقوم الطبيب أو المعالج الفيزيائي بتصميم برنامج إعادة تأهيل للمساعدة في تجنب الإصابات مستقبلًا يتضمن ذلك تمارين لتصحيح الوضعية وتقوية العضلات الداعمة للظهر وتحسين المرونة.
– الجراحة: يُلجأ إلى هذا الخيار عادةً عندما يتسبب العصب المضغوط بضعفٍ عضليّ كبير أو فقدان التحكم في الأمعاء أو المثانة أو عند تفاقم الألم تدريجيًا أو عند عدم الاستجابة للعلاجات الأخرى. وتقوم الجراحة على إزالة النتوء العظمي أو جزء من القرص الفقري المنفتق الذي يضغط على العصب المتضرر.
نمط الحياة والعلاجات المنزليّة:
بالنسبة لمعظم الأشخاص يستجيب عرق النسا لتدابير الرعاية الذاتية والتي تتضمن:
الكمادات الباردة: يمكن أن تعطي راحة عند وضعها على منطقة الألم لمدة 20 دقيقة عدة مرات في اليوم، لتقليلها الالتهاب والألم.
الكمادات الساخنة: من خلال تطبيق حرارة على المناطق المؤلمة بعد يومين أو ثلاثة.
تمارين الإطالة (فرط تمدد العمود الفقري): تساعد تمارين الإطالة أسفل الظهر على الشعور بالتحسن ويمكن أن يخف الضغط على جذر العصب. ولكن تجنب الاهتزاز أو الارتجاج أو الالتفاف أثناء التمرين وجرب الثبات على وضعية التمديد لمدة لا تقل عن 30 ثانية.
درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج .. فكيف أقي نفسي؟
ليس من الممكن دائمًا الوقاية من عرق النسا وقد تتكرر الإصابة به، وقد يساهم ما يلي في حماية ظهرك:
– ممارسة التمارين الرياضية بانتظام للحفاظ على قوة ظهرك.
– الحفاظ على وضعية صحيحة أثناء الجلوس.
– استخدام تقنيات الجسم الصحيحة: فإذا كنت تقف طويلًا فأرح قدمًا واحدة على مقعد أو صندوق صغير من حين لآخر. وإذا كنت تحمل أشياءً ثقيلة فاستخدم الأطراف السفلية للمساعدة في ذلك، وتحرك باستقامة إلى الأعلى والأسفل وحافظ على استقامة ظهرك وانحنِ فقط عند الركبتين، وأمسك بالحمل قريبًا من جسمك وتجنب الرفع والالتفاف في وقت واحد.
وقى الله الجميع الأسقام والأوجاع.
المصدر
إعداد: عبد الهادي دبدوب
مراجعة علمية: عبد الرحمن البرديني
تدقيق لغوي: عبدالرحمن القادري