مازال الجدل قائمًا حول العواقب الأخلاقية للتعديلات الجينية، وموقف المجتمع العلمي متجه عمومًا نحو التحذير من تلك التقنيات، حيث يعترف الباحثون في ذلك المجال بوجود احتمال أن يشكل التعديل الجيني وانعكاساته خطرًا هائلًا على المستقبل، ولكن يرى البعض أنها لن تكون بالدرجة التي يؤخذ بها على محمل الجد.
على الرغم من ذلك أصدرت الأكاديمية الوطنية للعلوم (NAS) مؤخرًا تقريرًا يشير إلى تساهل موقفهم تجاه التعديل الجيني شيئًا فشيئًا.
فقد أشار الرئيس المشارك للجنة الدارسة المدعو (ألطا تشيرو) إلى ذلك قائلًا: “تعديل الجينوم البشري يحمل آمالًا عريضة لفهم ومعالجة ومنع الكثير من الأمراض الوراثية المدمرة، كما أنه موضع اهتمام لتحسين علاج العديد من الأمراض الأخرى. لكن بالرغم من هذا، فالاتجاه إلى ذلك يعني زيادة المخاطر المحتملة…”.
كما أظهر التقرير أيضًا دعم ما يسمى بـ”هندسة السلالة الجنسية أو الانتاشية” (germ-line engineering) (مقصود بها خلايا البيوض والحيوانات المنوية) والتي تسمح للناس بالحصول على أطفال برقابة بيولوجية تحول دون تمرير الأمراض الجينية إليهم قدر الإمكان. وتحقيقًا لهذه الغاية يطالب العلماء بلوائح أكثر صرامة، فهم يعترفون بأن منع تلك التقنيات ليس عمليًا وخاصة من جانبَي الأمان والفعالية.
كما أفاد رئيس اللجنة المشارك (ريتشارد هاينز) والباحث في معهد هاورد هيوز الطبي، ومعه (دانيال لودفيج) الباحث في مجال السرطان بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنّ: “البحث في مجال تعديل الجينوم البشري يشكل مسعًى دوليًا، ويجب على جميع الدول التأكد من أن تلك التطبيقات الطبية تعكس القيم الاجتماعية وأنها تخضع للرقابة والتنظيم المناسبين؛ وكذلك المبادئ والمسؤوليات التي تنبع منها يجب أن تنعكس على كل المجتمع الدولي وعلى عملياته التنظيمية”.
فهي تتمثل في النقطة الأساسية التي يسعي إليها الخبراء بالتعديلات الجينية ألا وهي مدى إمكانية الحصول على أطفال مُصممين جينيًا (أي حسب الطلب)! فرغم أن الجهود المبذولة حاليًا ترتكز على استخدام تقنية (كريسبر) لمنع الأمراض الوراثية ولكن مَن يقول: إنّ تلك الإمكانيات لن يتم استخدامها لإضافة صفات أخرى مثل: الجمال والقوة والذكاء؟؟
ملحوظة: (تقنية كريسبر) هي تقنية مأخوذة من إحدى الآليات الدفاعية للبكتريا في استخدامها لإنزيم القص كاس (9 CRISPR) للحماية من بعض الفيروسات، وبذلك يستطيع العلماء قص ولصق أجزاء معينة من الحمض النووي. يمكن مشاهدة ترجمتنا لمقطع توضيحي
ماذا لو امتلك البشر تلك التقنيات يومًا ما؟ هل يمكن أن تصنع فارقًا بين الأطفال المُصممين جينيًا وباقي الأطفال؟ فالمخاطر ليست معروفة بالكامل، وعلى الرغم من ندرتها، إلا أنه توجد بعض الحالات التي حصل فيها استخدام لتقنية (كريسبر) أدت إلى تعديل أماكن في الحمض النووي ليست هي المقصودة! والتي أدت إلى نتائج غير معلومة الأثر بعد!
بالتأكيد نحن لا زلنا بعيدين كل البعد عن الخروج بطفل مُصمم جينيًا، والآن تخضع للتجربة باستخدام كثير من الحيوانات، وسوف تأخذ وقتًا طويلًا جدًا حتى تطرح فكرة استخدامها للبشر.
معلوم أن الصفات الجسمية هي معقدة ومتشابكة جدًا على الحمض النووي، بل وأكثرها يتم تمثيله بأكثر من موضع جيني على أكثر من كروموسوم، بالإضافة إلى التتابعات غير المشفرة ولكنها تمثل الآليات المحيطة بكل صفة للتحكم في نسخها أو تكرارها أو ضبط عملها مما لم يكتشف العلماء منه إلى اليوم إلا القدر اليسير، وذلك يصور لنا مدى صعوبة الأمر بالنسبة لقصة الأطفال المُصممين جينيًا؛ فهي تختلف كثيرًا عن مجرد القص واللصق.