علم الحيل الجزء الثاني ” ب ”
“بنو موسى بن شاكر” أول فريق علمي عرفه العالم الإسلامي :
مساهمتهم في الحركة العلمية , علومهم و إنجازاتهم و مؤلفاتهم .
? مساهمتهم في الحركة العلمية
▪️ تحسنت أحوالهم في زمن الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم بعد المأمون وأصبحوا ذوي ثروة ونفوذ، ونالوا ثقة الخلفاء، فقد أسندت إليهم المهام الكبيرة مثل قناة الجعفري وقناة عمود ابن المنجم قرب البصرة.
اهتمّ بنو موسى بتطوير الحركة العلميّة، يقول ابن النّديم: “وهؤلاء القوم ممّن تناهى في طلب العلوم القديمة، وبذل فيها الرّغائب، وأتعبوا فيها نفوسهم، وأنفذوا إلى بلد الرّوم من أخرجها إليهم، فأحضروا النّقلة من الأصقاع والأماكن بالبذل السّخي فأظهروا عجائب الحكمة”.
▪️ كان بنو موسى وراء حركة الترجمة التي اشتهرت في تلك الحقبة ؛ فأُسندت إليهم مهمّة الإشراف على قسم التّرجمة في بيت الحكمة؛ تجسدت مساهمتهم في إثراء الحركة العلمية عمومًا في.. ?
? – رعايتهم لحركة واسعة للترجمة والنقل من الثقافات واللغات الأخرى إلى العربية؛ فتروي المصادر أن فريقًا كبيرًا من المترجمين من مختلف أنحاء البلاد كان يعمل لديهم
ومن أبرز هؤلاء “حنين بن إسحق”، وابنه “إسحق بن حنين”، وابن أخيه “حبيش بن الحسن”، إلى جانب “ثابت بن قرَّة” الذي ترجم وحده عددًا هائلاً من الأعمال الفلكيَّة والرياضيَّة والطبِّيَّة لأشهر علماء اليونان مثل (إقليدس وأرخميدس وأفلاطون وأبوقراط….. وغيرهم).
? – تبنِّيهم للعديد من المواهب العلميَّة الناشئة وتربيتها.. بل وتولِّي مهمَّة إبرازها والتعريف بها.. وخص بالذكر هنا فتى يُسمَّى “ثابت بن قرَّة وهو فتًى من أهل “حرَّان”
▪️حيث إلتقي به “محمد بن موسى بن شاكر” في طريق العودة من إحدى رحلاته العلميَّة إلى بلاد اليونان و آسية الصغرى بحثا عن مخطوطات قديمة ولما كان يبدو على الفتى من مخايل النبوغ فقد اصطحبه “محمد بن موسى” معه إلى بغداد، وألحقه بداره ليطلب العلم.. ثم عرَّف الخليفةَ المعتضدَ به، فقرَّبه الخليفة وقدَّمه على غيره.. وأخذ نجم “ثابت بن قرَّة” يعلو حتى غدا من أبرز علماء الهندسة والفلك في الحضارة الإسلاميَّة، ووضع 150 مؤَلَّفًا عربيًّا، وعشرة مؤَلَّفات سريانيَّة في الفلك و الطب و الرياضيات.
لقد صاروا يختارون الكتب والمؤلّفين الذين تجدر التّرجمة لهم، ويصرفون كثيراً من أموالهم في ذلك. ويرسلون الرسل إلى بلاد الروم لشراء الكتب بمبالغ كبيرة. هذا عدا أنه كان لهم دورٌ سياسي مهم في أكثر من أمر خصوصاً أكبرهم محمداً.
▪️ وفي هذا تقول المؤلفة الألمانية زغريد هونكة عن بني موسى: “وقد قاموا بإيفاد الرسل على نفقتهم الخاصة إلى الإمبراطورية البيزنطية بحثاً عن المخطوطات الفلسفية، والفلكية، والرياضية، والطبية القديمة، ولم يتوانوا عن دفع المبالغ الطائلة لشراء الآثار اليونانية وحملها إلى بيتهم. وفي الدار التي قدمها لهم المتوكل على مقربة من قصره في سامراء، كان يعمل، دون إبطاء، فريق كبير من المترجمين من أنحاء البلاد.”
ويذكر صاحب العيون أن بني موسى كانوا يرزقون جماعةً من النقلة، منهم حنين بن إسحق، وحبيش بن الأعسم، وثابت بن قرة، وغيرهم، في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة.
? علومهم و إنجازاتهم
▪️ لعب بنو موسى دوراً مهماً في تطوير في العلوم الرياضية، والفلكية، والميكانيكية، والهندسية؛ وذلك:
من خلال مؤلفاتهم؛ ومن خلال رعايتهم لحركة الترجمة والإنفاق على المترجمين والعلماء. أسهموا كذلك بتطوريها بفضل اختراعاتهم واكتشافاتهم المهمة. ظهرت إسهاماتهم العلمية :
? – في مجال الميكانيكا في اختراع عدد من الأدوات العملية والآلات المتحركة، حيث ابتكروا عدداً من الآلات الفلاحية، والنافورات التي تظهر صوراً متعددة بالمياه الصاعدة، كما صنعوا عدداً من الآلات المنزلية، ولعب الأطفال، وبعض الآلات المتحركة لجر الأثقال، أو رفعها أو وزنها. في الرياضيات، كان لبني موسى باع طويل بشكل عام.
? – في مجال الفلك، فقد حسب بنو موسى الحركة المتوسطة للشمس في السنة الفارسية، ووضعوا تقويمات لمواضع الكواكب السيارة، ومارسوا مراقبة الأرصاد وسجلوها.
و مع مرور الوقت في الانشغال بالعمل العلمي، النظري والتطبيقي ازدادت حصيلة جماعة بني موسى العلمية، وتطورت أساليبهم التطبيقية إلى الدرجة التي مكنتهم من القيام بأول وأهم وأخطر عمل علمي جماعي بالنسبة لهم، ولا تقل أهميته بالنسبة لتاريخ العلم العربي والعالمي على وجه العموم، إلا وهو قياس محيط الأرض.
▪️ استطاع محمّد بن موسى أن يكوّن جماعة علمية فلكية، ضمت إلى أخويه أحمد والحسن، عدداً من الفلكيين لم تسعهم إلا دار فسيحة في أعلى ضاحية من بغداد بقرب باب الشماسية، خصصها لهم المأمون لرصد النجوم رصداً علمياً دقيقاً، وإجراء قياسات مثيرة للإعجاب كانت تقارن بغيرها في جنديسابور، وبأخرى تجرى بعد ثلاث سنوات في دراسة ثانية تمت على جبل قاسيون على مقربة من دمشق للمقارنة. وكان أفراد هذه الجماعة يعملون مجتمعين على وضع جداول (أزياج) الفلك «المجربة» أو «المأمونية» كما يدعونها، وهي عبارة عن مراجعة دقيقة لجداول بطلميوس القديمة.
وترأس محمد بن موسى الجماعة العلمية التي تصدرت لذلك الغرض، وقد اختارت الجماعة مكانين منبسطين، أحدهما صحراء سنجار، غربي الموصل، والآخر أرضاً مماثلة بالكوفة. وقد اقتضت طريقة الجماعة أن «ينطلق فريقان من جهة ما، فيذهب فريق إلى ناحية الشمـال، وآخـر إلى الجنوب، بحيث يرى الأول منهمـا صعود «التيس»، والثاني هبوطه. ثم تحسب درجـة خط الطول (Merdian) بواسطة قياس المسافة بين الفريقين المراقبين، وكانت النتيجة دقيقة للغاية. فقد توصلت الجماعة فعلاً إلى أن محيـط الأرض يساوي 66 ميلاً عربياً. وهذا ما يعادل 47.356 كيلومتراً لمدار الأرض. وهذه النتيجة قريبة من الحقيقة، إذ مدار الأرض الفعلي يعادل 40.000كيلو متر تقريباً.
وكان المأمون قد سألهم القيام بهذه المهمة العلمية الشاقة لما رآه في علوم الأوائل من أن دورة كرة الأرض أربعة وعشرون ألف ميل، فأراد أن يقف على حقيقة ذلك.
? مؤلفاتهم
▪️ يتضح مما سبق أن أهم ماتميزت به جماعة بني موسى هو مبدأ «التعاون» وروح الفريق الذي يظهر جلياً في أكثر أعمالهم، نظرية كانت، أم تطبيقية ، فقد تركوا العديد من المؤلفات الجماعية التي تبرز من ناحية مدى تعاونهم في العمل العلمي، وتوضح من ناحية أخرى قيمة العمل العلمي الجماعي الذي تذوب فيه الشخصية الفردية، وتترك المجال لروح فريق العمل.
تنوّعت مؤلّفات بني موسى بين الهندسة والمساحة والمخروطات والفلك والرّياضيات ونذكر منها ? :
1- كتاب بني موسى في القرسطون (الميزان ذي العاتق).
2- كتاب في الأَكَر (للحسن بن موسى).
3- كتاب في تنقيح مخروطات (أبولونيوس).
4- كتاب في معرفة الوسط التّناسبيّ بين مقدارين معروفين.
5- كتاب في الآلات الحربيّة.
6- كتاب الشّكل المدوّر والمستطيل.
7- كتاب الجداول الفلكيّة. أشار إليه البيرونيّ.
8- علّة الإسطرلاب. أشار إليه البيرونيّ أيضاً.
9- وصف الآلة الّتي تزمّر بنفسها.
10- كتاب قياس المساحات المسطّحة والمستديرة، وعُرف بكتاب الإخوة الثّلاثة في الهندسة.
▪️ من كتبهم الّتي وصلتنا كتاب (معرفة مساحة الأشكال البسيطة والكرية)، وهو كتاب مهمّ ترجمه (غيرهارد كريمونا) إلى اللاتينية، ولهذه التّرجمة الفضلُ في حثِّ مؤرّخي الرّياضيات في منتصف القرن التّاسع عشر على دراسة مدى ارتباط بني موسى بمن سبقوهم.
? – أهمّ ما أنجزه الإخوة الثّلاثة وأشهره على الإطلاق الآلات المبيّنة في كتابهم الشّهير (كتاب الحيل)؛ وهو أهمّ ما تميّز به بنو موسى من بين مؤلّفاتهم؛ فهو أوّل الكتب المؤلّفة في مجال علم الحيل، ويتضمّن كتابهم هذا مئة تركيب ميكانيكيٍّ، شرح الإخوة فيه كيفية صنعها وآليّة عملها مع بعض الصّور التّوضيحيّة
عرف هذا الكتاب في أوربا تحت اسم «كتاب الإخوة الثلاثة»، كما نشر كل من فيدمان Eilhard Wiedemannت(1928م) وتلميذه هاوسر F.Hauser مقالات عن الكتاب. وكان لأعمالهما أهمية كبيرة في تعريف العالم بهذا الكتاب. أما الترجمة الإنكليزية الكاملة التي قام بها دونالد هيل Donald Hill لهذا الكتاب 1979م فهي آخر ما ناله هذا الكتاب من اهتمام المستشرقين وأهمه.
? – يقول دونالد هيل: إن أبناء موسى استخدموا في نموذجين نظاماً شبيهاً بآلية عمود المرافق الحديث؛ وسبقوا بذلك أول وصف لعمود المرافق في أوربا بخمسمئة عام، كذلك فقد استخدموا الصمام المخروطي بكفاءة عالية، علماً أنه ظهر في أوربا أول مرة في كراسات ليوناردو دافنشي (1519م).
أما العرب المعاصرون فلم يتنبهوا إلى ما قدمه العرب في مجال علم الحيل إلا مع بداية القرن العشرين إذ تم التعريف ببعض المخطوطات العربية النادرة في بعض الدوريات المشهورة كالمشرق والمقتطف والهلال، ثم قدّم أحمد يوسف الحسن دراسة حول منجزات الحضارة العربية الإسلامية في مجال الآلات الميكانيكية والتجهيزات الهيدروليكية حيث بين أن استخدام بني موسى للصمامات التي تعمل تلقائياً والأنظمة التي تعمل بأزمان متناوبة وغير ذلك من مبادئ وأفكار ترتبط بالتحكم الآلي تدل على ذهن متوقد. وأن استخدام الصمامات المخروطية والأعمدة والمرافق ذو أهمية كبيرة في تاريخ التكنولوجيا.
المراجع:
– ? كتاب د/ خالد أحمد حربي : علوم حضارة الإسلام و دورها في الحضارة الإنسانية ص 147… 162
– ? كتاب المستشرقة الالمانيه زيجرد هونكه: شمس الله تسطع على الغرب
ص 118 – 119 …122 -123 – 124…126
– ? شمس الله تشرق على الغرب – د.سيجريد هونكه – ترجمة: أ.د: فؤاد حسنين علي
ص 101- 102 …105- 106…108
– ? كتاب الدكتور عمر فروخ : تاريخ العلوم عند العرب ص 226 -227 – 228
– ? كتاب الدكتور عطية, احمد عبد الحلي: دراسات في تاريخ العلوم عند العرب ص 302 –333 – …336