4452 – علم الحيل الجزء الثاني
“بنو موسى بن شاكر” أول فريق علمي عرفه العالم الإسلامي
لقد شهد تاريخ العلم العربي العديد من الجماعات العلمية التي يرتبط أفرادها – قبل الاشتغال بالعلم – بعلاقات دم أو قرابة. وربما كانت هذه العلاقات أحد الأسباب الرئيسة التي ساعدت على نبوغ تلك الجماعات في المجال العلمي، ومن أمثلة هذا النوع من الجماعات في العلم العربي- جماعة بني موسى بن شاكر..
من هم الإخوان بنو موسى بن شاكر ؟ – من الثابت تاريخياً أن الحضارة العربية الإسلامية في القرن الثالث الهجري كانت في أوجها، فيها أسس المأمون سابع الخلفاء العباسيين (ت218هـ/833م) بيت الحكمة في بغداد. تلك المنشأة التي يرى بعض مؤرخي العلم أنها أهم إنجاز حضاري منذ مدرسة الإسكندرية. – في هذه المنشأة ترجمت الأعمال الفلسفية والعلمية من الأصول اليونانية. وخلالها نبغ علماء كثيرون من بينهم الكندي(ت260هـ/873م)، وبنو موسى، والخوارزمي(ت387هـ/997م)، وابن ماسويه (ت243هـ/857م) وغيرهم. استوعبوا الموروث العلمي ومن ثم قاموا بتأليف كتبهم الخاصة.
جماعة بني موسى بن شاكر ليس اسماً لشركة عقاريّة أو منشأة صناعيّة أو مجموعة تجاريّة، بل هم ثلاثة إخوة أسهموا في إغناء حضارتنا العربيّة والإسلاميّة بحبِّهم للعلم وبذلهم الغالي في سبيل تحصيله..إذا يمكنك إعتبارهم أول فريق علمي في الحضارة الإسلامية تكون من :
– أبو جعفر محمد بن موسى بن شاكر (قبل 803 – 8733) وقد برع في الفلك والهندسة والجغرافيا والفيزياء.
– أحمد بن موسى بن شاكر (803 – 873) وقد برع في الهندسة والميكانيكا.
– الحسن بن موسى بن شاكر (810 – 873) وقد برع في الهندسة والجغرافيا.
نشأتهم
– ينتمي الإخوة الثلاثة إلى أبيهم «موسى بن شاكر» لقد كان رجلا بطالا ثم تاب و إتصل ببلاط المأمون الذي قرّبه إليه ، واهتم بتهذيبه وتعليمه، حتى صار من منجميه وندمائه، وفي مقدمة علماء زمانه.
– عُرف، «موسى بن شاكر» ، بعد أن أتقن علوم الرياضيات والفلك، بالمنجم، واشتهر بأزياجه الفلكية. وبذلك يمثل المأمون السبب الرئيس في تكوينه العلمي. لقد حول مسار موسى بن شاكر تماماً، فجعله يقطع شوطاً كبيراً في طريق العلم بدلاً من قطع طريق المارة.
– لم يتمكَّن موسى بن شاكر من مواصلة مسيرة العلم مع بنيه؛ إذ مات وهم صغار.. إلا أنه كان قد عهد بهم إلى المأمون رحمه الله، الذي يواصل القيام بدوره الفريد في احتضان العلماء ورعايتهم؛ لقد تبنى الخليفة المأمون بني موسى علميًّا وتربويًّا؛ و تكفَّل بهم بعد وفاة أبيهم، وعهد بهم إلى عامله على بغداد “إسحق بن إبراهيم المصعبي” الذي كان – كما تشير الروايات التاريخية – يُسمي نفسه (خادمًا لأبناء موسى!!) من كثرة ما كان المأمون يوصيه بهم؛ فلقد كان المأمون لا يقطع السؤال عنهم كلما كتب إلى بغداد وهو في أسفاره وغزواته في بلاد الروم.
– عهد إسحق بن إبراهيم بأبناء موسى إلى شخصية علمية بارزة في بغداد آنذاك وهو “يحيى بن أبي منصور” مدير بيت الحكمة ببغداد وأحد علماء الفلك، فنشأ الإخوة الثلاثة نشأة علمية خالصة في ذلك الصرح العلمي الضخم (بيت الحكمة) الذي كان يُعد محور العلم في الأرض دون منازع؛ إذ كان يعجُّ بالكتب والعلماء والآلات الغريبة النادرة… في هذا الجو المُشَبَّع بالعلم والمحتدم بالمناقشات الهامة بين العلماء نشأ هؤلاء الأطفال (بنو موسى) وترعرعوا؛ فلا عجب إذًا أن يصيروا فيما بعد من أساطين العلم والمعرفة في الحضارة الإسلامية..
– أوقدت النشأة في بيت الحكمة شعلة العلم في عقول وقلوب الإخوة الثلاثة؛ فتعاونوا فيما بينهم في البحوث والدراسات؛ حتى نبغوا في الهندسة والرياضيات والفلك، وعلم الحيل (الميكانيكا) فبرعوا في علومهم وجذبوا حولهم علماء وأطباء ومترجمين كثيرين.
في هذا الوسط العلمي نشأ محمد (ت259 هـ/872م) وأحمد (ت قبل 259هـ/8722م) والحسن (ت قبل 259هـ/872م) أبناء موسى بن شاكر، تلك الأسرة التي اشتهرت ونبغت في علم الهندسة والفلك والرياضيات والحيل. ? – محمّد بن موسى:
وهو الابن الأكبر. قضى معظم حياته في دراسة علم الفلك والرّياضيات وعلم طبقات الجوّ وتطويرها، إضافةً إلى إسهامه في علم الحيل الّذي كان من اختصاص أخيه أحمد. عُرف محمّد بسعة إطلاعه، وتبحّره في معظم فروع العلم والمعرفة؛ ولهذا لُقّب بحكيم بني موسى؛ فكان يسافر من مكان إلى آخرَ لشراء المخطوطات والكتب النّادرة، ولا سيّما في علم الميكانيك والفلك والرّياضيّات والفلسفة والطّبّ والصّيدلة، وإلى جانب ذلك كلّه تمتّع بدور سياسيٍّ مهمٍّ في كثير من القضايا.
تقول (زيغريد هونكه) في كتابها المعروف: “لم يكن محمّد عالماً وفلكيّاً ورياضيّاً طويل الباع فحسب، بل كان أيضاً ممّن انصرفوا إلى تعاطي الفلسفة وخصوصاً علم المنطق، ووضع كتباً في الأسباب الأولى لوجود العالم، واهتمّ بعلم طبقات الجوِّ، وذيّل كتابه ببعض الملاحظات، بل تعدّى هذا كلّه فاهتمّ بالإنشاءات الميكانيكيّة وهو موضوع كان من اختصاص أخيه أحمدَ…”. ? – أحمد بن موسى:
وهو الابن الأوسط. كان ميّالاً إلى الأعمال التّطبيقيّة والآلات الميكانيكيّة المتحرّكة وعلم الحيل؛ تقول زيغريد هونكه أيضاً:
“..إنّ أحمدَ بن موسى بن شاكر تفنّن في الهندسة الميكانيكيّة؛ فاخترع تركيباً ميكانيكيّاً يسمح للأوعية أن تمتلئ تلقائيّاً كلّما فرغت، وقناديلَ ترتفع فيها الفتائلُ تلقائيّاً أيضاً، كلّما أتتِ النّار على جزء منها، ويصبّ فيها الزّيت تلقائيّاً ولا تنطفئ عند هبوب الرّيح عليها. كما ابتكر آلة ميكانيكيّة للزّراعة والفلاحة تحدث صوتاً تلقائيّاً كلّما ارتفع الماء إلى حدٍّ معيّن في الحقل عند سقيه. واخترع عدداً كبيراً من النّافورات الّتي تُظهر صوراً عديدة للمياه الصّاعدة. والملفت أنّ نظريات أحمدَ بن موسى لا زالت مستخدمةً عند تصميم النّافورات الحديثة”. ? – الحسن بن موسى:
نابغة زمانه في علم الهندسة. حلَّ بعض المسائل المستعصية على علماء عصره، حتّى سمت شهرته، وعلت درجته عند المأمون؛ فقرّبه وعدّه أحد علمائه الكبار في حقل الهندسة. لقد كان يغوص بفكره و كيانه في أغواره تلك المسائل المستعصية فلا يعود حسبما يقال يسمع أو يبصر أحدا على الرغم من وجوده في رهط من الناس صاخب …” ولقد وصف نفسه بلسانه قائلا :” وكلما كنت اغوض باحثاً عن حل لمعضلة تشغل بالي كنت أحس كأن عالما أظلم في وجهي و أصابني شعور بالإغماء أو كأني مستغرق في حلم”
ألّف في قطع المستديرات، وظلّ مرجعاً لعلماء أوربّا في الأشكال الإهليليجيّة. يُذكر أنّ أحد علماء الرّياضيات والمعاصرين للحسن بن موسى اتَّهمه بالإهمال أمام الخليفة المأمون: “..إنّ الحسن بن موسى لم يدرس إلا ستّة كتب من كتب إقليدس..” فتعجّب المأمون من هذا الخبر، وتساءل عن صحّة هذا النّبأ، فردَّ الحسن بن موسى عن تساؤلات المأمون: “واللهِ يا أمير المؤمنين لو أردتُ أن أكذب لقلت اتّهاماته باطلة، ولوضعته أمام تجرِبةٍ حاسمة، ذلك أنّه لم يسألني عن واحدة من مسائل الكتب التي لم أقرأها، ولو أنّه فعل لكنت حللْتها بسرعة البرق وأخبرته النّتائج. ثمّ إنّ جهلي لهذه الكتب لا يعوقني أمام الصّعوبات؛ فهذه الأشياء هيّنة بالقياس إليَّ مهما صعبت”.
المراجع:
كتاب د/ خالد أحمد حربي : علوم حضارة الإسلام و دورها في الحضارة الإنسانية ص 147… 162
كتاب المستشرقة الالمانيه زيجرد هونكه: شمس الله تسطع على الغرب ص 118 – 119 …122 -123 – 124….126
شمس الله تشرق على الغرب – د.سيجريد هونكه – ترجمة: أ.د: فؤاد حسنين علي ص 101- 102 …105- 106…108
كتاب الدكتور عمر فروخ : تاريخ العلوم عند العرب ص 226 -227 – 228
كتاب الدكتور عطية, احمد عبد الحلي: دراسات في تاريخ العلوم عند العرب ص 302 –333 – ….336