في السابع عشر من حزيران، نزل أسد بن فرات على رأس حملة في صِقِلِّية مهدت لفتح كامل الجزيرة خلال عقود قادمة.
========================
جميعنا يعلم أن المسلمين قاموا بالفتح بحرًا، ولكن ربما لا نعرف حجم ذلك الفتح والمناطق التي فتحوها. سنتحدث اليوم عن فتح جزيرة صِقِلِّيَة، ونشر الإسلام فيها على يد أسد بن فرات الذي نشأ في تونس أو في القيراون، وكان حافظًا للقرآن.
من الطبيعي أنَّه بعد سيطرة المسلمين على سواحل البحر المتوسط وفقدان الروم هيمنتهم على المنطقة أن يصبح المسلمون شركاءً في السيطرة على البحر وسفنه وجُزره، خاصةً مع تحكمهم بمعظم الموانئ الهامة المطلة عليه. وفي خلافة سيدنا عثمان أُذن لمعاوية بالغزو بحرًا، وقد قام بحملات على قبرص وبعض الجزر الرومية (اليونانية). ويُذكر أنَّ الأسطول الإسلامي قد شارك في حصار القسطنطينية في العهد الأموي بيد أنَّ النار الإغريقية فتكت به.
كانت أول غزوةٍ لجزيرة صِقِلِّيَة على يد معاوية بن أبي سفيان ومعاوية بن حديج، لكن لم تكن تلك المحاولة على مستوى جريء؛ فلم تتمكن من إحراز نصرٍ كبيرٍ لكنها ربحت نصيبًا وافرًا من الغنائم وكان ذلك في عام (652 م). ثم تكررت تلك الغزوة في عام (667 م)، وكان معاوية بن حديج آن ذاك واليًا على مصر؛ فعين عبد الله بن قيس أميرًا على الجيش الغازي لصِقِلِّيَة. تكررت تلك المحاولات والغزوات كثيرًا خلال فترة تقارب (150) عامًا، حيث كان المسلمون والروم يتبادلون أخذ الأسرى، كما كان العرب ينزلون على بعض القرى ثم ينسحبون منها وذلك حتى فترة حكم الأغالبة لإفريقية في عهد هارون بن الرشيد.
قبيل فتح صقلية
كانت دولة الأغالبة في تلك الفترة مسيطرةً على شمال إفريقية (خصوصًا السواحل المقابلة لصِقِلِّيَة)، ولم تكن سطوتها بريةً فقط بل كان لهم أسطول ضخم تهابه أوروبا.
عقد إبراهيم الأغلبي معاهدةً مع حاكم جزيرة صِقِلِّية الرومي مدتها عشر سنوات، لكنَّها لم تمضِ بالشكل المطلوب بسبب نقضها من طرف الرومان وذلك بسبب عدم رد الحاكم للأسرى المسلمين في صِقِلِّية. ودارت عدة معارك بحرية في جزر صغيرة محيطة بصِقِلِّية أفضت في نهايتها إلى تجديد الصلح ورد الأسرى المسلمين إلى دولة الأغالبة.
وفي عام (825م) خرج أمير البحر للأسطول الرومي الرابض في صِقِلِّية (أوفيميوس) -يُذكر في المراجع العربية (فيمي)- على الحاكم الرومي بالجزيرة، وتمكن من قتله وعين نفسه حاكمًا على الجزيرة. وحينما علم الإمبراطور ميخائيل الثاني أمر بقتله وأرسل حملةً بقيادة (قسطنطين)، ولكنَّ (فيمي) تمكن من هزيمة جيش الإمبراطور وقتل قسطنطين غير أن القوة الأخرى المرسلة تمكنت من هزيمته؛ فلاذ بالفرار إلى إفريقية.
فتح صقلية
وهناك طلب (فيمي) مساعدة زياد الله بن الأغلب على الروم؛ فأُرسلت حملة بقيادة أسد بن فرات إلى صِقِلِّية. وصلت الحملة إلى (مازارا) في (17 حزيران من العام 827 م) وهي أول المدن الذي نزل بها المسلمين في صِقِلِّية، وهزموا قوات الامبراطور ولاذ حاكمها (بلاظة) بالفرار. وبدأ المسلمون فتح المدن والحصون الواحدة تلو الأخرى وحاصروا قلعة (الكرات) ومدينة (سرقوسة)، وبعدها وصلت إمدادات المجاهدين من إفريقية ومن مختلف مدن الأندلس وحتى من قوات فيمي الرومية، لكن أسد بن فرات رفض الاستعانة بالروم في حربه واستطاع دحر وهزيمة حامية (بالرمو) أو (بلرم) عام (828 م) غير أن (سرقوسة) بقيت تحت الحصار. وبعدها اشتد القتال عليهم واستُشْهِدَ من جيشه الكثير بينهم أسد بن فرات نفسه ودُفن في مدينة (قصريانة)، واستُخْلِفَ على قيادة الجيش محمد بن أبي الجواري. وفي هذه الفترة طلب الروم المدد من الإمبراطور فأمدهم بأسطول بقيادة (ثيودوتس) الذي عينه الإمبراطور (بطريقا) على الجزيرة؛ فتراجع المسلمون عن (بالرمو) لكنهم فتحوا مدينة (مينومناو) وحصن مدينة (جرجنت) أثناء تراجعهم، وأعادوا الحصار إلى (قصريانة) وبذلك يكون المسلمون قد أفشلوا ثيودوتس كما هزموا أسطولًا من البنادقة جاء لدعم الروم.
وبعد وفاة محمد بن أبي الجواري، اسْتُخْلِفَ على المسلمين زهير بن عوف وضاق بهم الحال حتى أتاهم المدد من الأندلس ومدن افريقية، وكان مدد الأندلس مكون من (300) مركب بقيادة الأصبغ، ونجح المسلمين في فتح (بالرمو) (أكبر مدن الجزيرة) في (أيلول عام 831 م) بعد انشغال الإمبراطور بحروب أخرى.
وكان ذلك الاستسلام بشرط أن يُترك قائد الحامية في المدينة مع أسرته وشأنهم. وفي العام (839 م) وصل إلى المسلمين إمداد جديد من إفريقية بقيادة أبو عقال الأغلب ففتح حصن البلوط (أبلاطينيو) و(قرلون) و(سوترا)، ولم تفلح إمدادات الفرنج والروم في إنقاذ الموقف، ويمكن القول أنَّه في عام (840 م) كان المسلمون مسيطرين على ثلث الجزيرة.
وخلال السنوات (842-845 م) فتح المسلمون كلا من (كالتا) و(جيروني) و(مسينا). وفي عام (847 م) فتح المسلمون مدينة (ليونتيني)، وفي عام (848 م) فُتِحَت (راجوزة) على يد الفضل بن جعفر. وبعدها توفي الفضل فخلفه ابنه العباس بن فضل واسترد الرومان (راجوزة) فأعاد غزوها مع (قطانيا) و(نوتو) و(إنا) في الجزء الشرقي من الجزيرة وذلك خلال الأعوام (852-853 م)، وسلمت مدينة (بويترا) عام (853 م) بعد شهر من الحصار، وفي عام (857 م) هاجم (سرقوسة) و(تورمينا(.
وفي (26 كانون الثاني من العام 859 م) استسلمت (قصريانة) وقلعتها التي ظلت تقاوم ثلاثين عامًا وبني أول مسجد فيها. وفي (21 آذار عام 878 م) فُتِحَت (سرقوسة) للمسلمين؛ فكان كارثةً بالنسبة للرومان، وفي (الأول من آب عام 902م) سقط آخر معقل للروم في الجزيرة وهو (تاورمنيوم) على يد إبراهيم الأغلبي وبذلك تكون الجزيرة كاملةً بيد المسلمين.