حيث على عكس المقال العلمي الذي اخترناه لكم بالأمس : فمعنا هذه المرة مقال فكري راقي نرجو أن يكون له بصمة مؤثرة في عقول الشباب وخاصة الذين يرجون نصح الآخرين ودعوتهم إلى الخير – ونترككم مع المقال
————————
كنت فاهمة غلط
نجلاء عثمان
ليس غريبًا أن نتغير وليس بعيدًا أن نصدق اليوم ما كنا نكذب به بالأمس أو أن نقبل ما كنا نرفضه قبل ذلك، أو أن نرى ماكان خافيًاعلينا رغم وضوحه وقربه.
التغيير سنة كونية، وثبات الأشياء من المحال ودوامها غير معقول، لكن الأهم من إيماننا بالتغيير هو لماذا نتغير؟
تغيرت لأنني في يوم من الأيام ..”كنت فاهمة غلط”.
وكم هي الأشياء التي نظنها حقٌ أو واقعٌ مُسَلم به ثم نفاجأ أننا كنا واهمين ونسير في الطريق الخطأ ونحن نظنه الطريق الوحيد الذي لن نصل إلى غايتنا إلا به.
وهذه حكايتي …
أحببت العلم جدًا وكنت شغوفة بالمعرفة ويسر الله لي دراسة العلوم الشرعية، بعد فترة من الزمن قضيتها في فراغ كبير.
والعلم فجر يُشرق على العقول فتشرق به النفوس والقلوب، إنه الأفق الرحب والفضاء الواسع تنطلق فيه الروح لتدرك أروع مافي الحياة معرفة الله … كم هي حقيقية وطيبة، كم تمنح القلب رضا وسكينة وتزيد الزمان بهاء ورونقاً فتصبح كل الأشياء واضحة وكل الهموم محتملة وكل الآمال ممكنة.
لكن تلك النفس المتمردة دومًا المتطلعة إلى ذاتها، التواقة إلى التفرد الكاذب والتميز المزعوم قالت لي “أنت الآن غير كل الناس، لابد إذا تكلمتِ أن تُــسمعي وإذا أمرت أن تُــطاعي فعندك ماليس عند غيرك .. فهؤلاء لم يتعلموا مثلك ولم يفهموا كفهمك .. إنهم غارقون في الجهل وأنت ارتقيت بعلمك ودراستك .. فشتان بينكما!!
آه من هذه الكلمات، إنها سم يصيب القلب والعقل، جعلتني أنظر إلى غيري وكأنهم أقل شأنـًا وأبطأ فهمًا بل وربما أكثر ذنبًا، فأصبحت نصيحتي لغيري تغلفها القسوة ونظرتي لهم يشوبها التعالي حتى وإن لم أقصد، فإن من يرى نفسه بعين الإعجاب يُحجب عنه الإخلاص وتَخفى عليه الحكمة ويحرم التوفيق والسداد.
كثيرًا ما جادلت وأفحمت، وكثيرًا ما كنت أشعر بالغضب لأن هذا أو ذاك يخالفونني الرأي أو يصرون على مواقفهم، كنت أؤمن أن الحق معي لكن لم تكن تلك هي القضية، القضية هي كيف نقول هذا الحق وكيف نقدمه وكيف نراعي ونحن نقوله عقول الناس ومشاعرهم وأحوالهم وأعذارهم.
كم تألم بسبب طريقتي هذه بعض من أقرب الناس إلي، وكم تجنبني من كنت لاأريد لهم إلا الخير وربما هذا ما أيقظني من غفوتي وانتشلني من غفلتي
.
ذات يوم تأملت في حالي كيف كان وكيف أصبح ثم سألت نفسي سؤالًا: مالذي ميزني؟ ومالذي جعل هداية الله لي أقرب؟ مالذي فعلته لأستحق هذا التوفيق؟ ولأرزق هذا العلم؟! سألت نفسي سؤالًا صادقًا وجاءتني الإجابة صادقة كذلك.
لم تتميزي بشيء، ولم تفعلي شيئًا تستحقين عليه نعمة الله عليك بل نعمه السابقة واللاحقة، قد تكونين أبعد الناس عن الله وأنت تظنين أنك أقرب, قد تكونين الأسوأ وأنت تظنين أنك الأفضل ..!! يا الله خفت كثيرًا حينها وأنا أتخيل نهايتي وأنا أتصور أنني قد أكون من المبعدين ومن المطرودين من رحمة الله؛ لأنني قد أكون أتيت بذنب إبليس حينما تكبر وطغى.
شملتني رحمة الله وعفوه ولطفه، وأدركت أني بالفعل لم أفهم ولم أتعلم؛ فإن العلم الذي يحرم الإنسان الرحمة بالغير والشفقة عليهم وإرادة الخيرلهم مهما كان حالهم هو وبالٌ على صاحبه، فلن ينفعني أن أنال علم الأولين والآخرين ثم أخسر قبول الله لي ومغفرته ورضوانه.
أدركت أن الله يحب خلقه كلهم ويرحمهم جميعهم ويرزق كافتهم سواء علموا به أم لم يعلموا، أحسنوا أم أساءوا وهو كفيلٌ بهم وبهدايتهم إليه لا وصي عليهم سواه ولا محاسبًا لهم إلا إياه، وأن من يصطفيهم لسبيله لا يصبحون أفضل من غيرهم بل هم أكثر من غيرهم مساءلة وأعظم مسؤولية، أشد تواضعاً وأقرب مودة.
كنت فاهمة غلط .. ولا بأس أن نخطئ أحيانـًا، فإن للذنب مرارة تظل عالقة بالنفس حتى إذا راودها الذنب وعاودها الحنين للخطأ تذكرت ذل الذنب وتاقت إلى نعيم الطاعة.
———————–
رابط المقال من المجلة :
https://goo.gl/UYNpHo
#الباحثون_المسلمون