فى تقديري أنَّ الباحث فى مجال البحث العلميّ يحتاج إلى إكتساب أنواعٍ مختلفة من المهارات والعلوم التى تجتمع فيما بعد لتشكل شخصية الباحثِ العلميِّ المسلم المتميزة, وتمتدُّ تلك العلوم بدايةً من:
السمات الشخصية المستمدة من ديننا الحنيف ,ومروراً بالعلم بالتخصّصِ العام والدقيق, وإنتهاءً بمهارات البحث العلميّ.
-ولأننا سنركّز على مهاراتِ البحث العلميّ فإنّي أعتقدُ أن المهارة الأولى والتى يجب على كلّ باحثٍ أكتسابها وتنميتها بإستمرار هي: (القدرةُ على بذلِ الجهدِ المتواصل)
و كما يقول ونستون تشرشل : (إنّ الجهد المتواصل -وليس الذكاء أو القوة- هو مفتاحُ إطلاقِ قدراتنا الكامنة)
وأعني به القدرة على بذلِ جهدٍ دائمٍ ومستمرّ لتطوير و إكتسابِ العلم الخاصّ بالأقسامِ الثلاثة للعلوم التي تشكّلُ برأيي شخصيةَ الباحث العلميّ و التي ذكرتها اعلاه .
بمعني أن تكتسب عادةَ أنك تقومُ كلَّ يومٍ و لو بخطوةٍ واحدة مقدارها ملليمتر(مجازاً) في سبيلِ الوصول لهدفك . والإسقاط العمليّ لتلك المهارة أطلقُ عليه قاعدةَ( الدقائق العشرة).
والأمرُ هنا لا علاقة له بمقدارِ الوقت و إنما بالجهدِ المستمرِّ (و إن قلَّ الوقت).
فمثلاً لو أنّك خصّصتَ من وقتك عشر دقائق يومياً فقط للقراءة فى مجال الكتابة العلمية فإن هذا الجهد رغمَ بساطته فإنّه على مدى الأيام سيتحوذلُ لجهدٍ كبير ستجنى ثمرتَه فى عملك وحياتك .
(أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومُها وإن قلّ – حديثٌ صحيح)
-ومن تلك النقطة, أنتقلُ إلى المغالطةِ التى يقع فيها الكثيرُ خاصةً ممّن لا يزالونَ فى بدايةِ الطريق, وهى إعتقادُهم أنهم يحتاجون لوقتٍ كبير ومجهودٍ أكبر لإنجازِ رسالة الماجستير أو الدكتوراه أو لكتابةِ البحثِ المنوطِ بهم كتابتُه , ولذلك غالبا ما يقعون فريسة للتأجيل المستمرّ إنتظاراً لتفريغِ مساحةٍ كافية متصلة من الوقت لإنجازِ هذا العمل, مما يضيعُ عليهم أوقاتاً ثمينةً من أعمارهم في إنجازِ العمل فى فترةٍ أكبر مما يستحقها!
فالعبرة ليست بأن تجلس يوماً لتنهي كتابةَ بحثك ثم تظلُّ شهراً بلا شىء , و الأفضل أن تجلس عشرَ دقائق يومياً لمدة شهرٍ مثلاً لتنتهيَ من كتابةِ البحث أو إنجاز المهمةِ العلمية.
فهذا يؤصّلُ العادةَ فى نفسك, و في نفسِ الوقت سيعمل ذلك على تغيير صورتِك أمام نفسك للأفضل, مما سيعمل على إكسابك الثقة بنفسك أكثر ,والذى سيؤدي فى النهاية لمزيدٍ من الجهدِ والقدرة على زيادةِ فترة أدائك اليوميّة للمهمة.
ولذلك يمكنك بعد شهر من البداية فى هذا النظام أن تزيد ال(عشر دقائق) لتصبح (15 دقيقة) مثلاً ثم تستمر عليها وهكذا حتى تصلَ إلى ما يزيدُ عن الساعة يومياً فى نهاية العام وتكونُ قد اكتسبتَ مهارةً جديدة ستكونُ هي المولّد لكلّ الإنجازات التى ستقوم بها فى المستقبل 🙂 .
ويمكن الإستفادةُ من تلك العادةِ بشكلٍ آخر لإنجاز المهامّ المعقدةِ بأن تقسمها إلى عدة أقسام منفصلة وتعطيَ كلَّ قسمٍ عشر دقائق.
فمثلاً إن كان الهدفُ كتابةَ بحث علميٍّ فيمكنك إعطاء عشرِ دقائق للبحثِ عن المراجع والأبحاث السابقة , وعشر دقائق لقراءة تلك الأبحاث ونقل الأجزاء التى ستحتاجها منها ,
و عشرِ دقائق أخرى للكتابة , و عشر دقائق لتفريغِ البيانات والتحليلِ الإحصائيِّ وهكذا.
وبذلك تتفتت المهمةُ المعقدة إلى مجموعةٍ من المهامّ البسيطةِ المنفصلة والتى تؤديها باستمرار , والتى ستقودُك فى النهايةِ لإنجازِ المهمةِ الكبيرةِ المعقدة! .
وبصورةٍ عامة , يحتاجُ كلُّ واحدٍ منا إلى إستخدامِ تلك العادة وبذلِ الجهدِ اليوميّ المتواصل فى عدة أمورٍ , أهمُّها :
القراءةُ فى مجالِ التخصّص, وتعلّمُ أحدى مهاراتِ البحثِ العلميّ, وكتابةُ الأبحاث وبناءُ شبكةِ العلاقات.
فلنتصوّر مثلاً أنك بدأتَ بالقراءةِ في مجال التخصّص لمدة عشر دقائق يومياً ,فطبقاً للنظامِ المشروح سابقاً فأنك ستكتسبُ عادةَ القراءة فى مجالِك لمدةِ ساعةٍ يومياً على الأقل خلال ستةِ أشهرٍ من بداية خطتنا.
وبالإستمرار على تلك العادة ستقرأ ما يقاربُ عشرة كتبٍ سنوياً فى مجال التخصّص مما سيضعك خلال خمس سنوات من الآن بين الصفوةِ الذين يتقنون ذلك العلمَ في بلدك أو الوسطِ المحيط بك .. وكذلك الحال فى كلِّ المجالاتِ المذكورة.
إنَّ القدرةَ على بذلِ الجهدِ الدائم المتواصل (وإن قلَّ) هي المهارةُ الأساسيّةُ التي يستطيعُ أيُّ باحثٍ من خلالها أن يحفُرَ اسمَه بحروفٍ من نور فى مجالِ بحثِه وتخصُّصه,و لو أنّك بدأتَ من الآن فسترى ثمارَ ذلك قريباً خلال أشهرٍ معدودةٍ بإذن الله.
فضلاً.. لو تودُّ أضافةَ أيِّ معلومةٍ أو أضافة حولَ الموضوع, أو أن تطرحَ سؤالاً خاصاً بموضوعِ المقال فيرجى وضعُه فى التعليقات أسفل المقال وسأقوم بالردِّ عليه بإذن الله.
تمنياتي لكم بكلِّ التوفيق…
إعداد : د. محمد مصطفي فرج
(باحثٌ علميّ وحاصلٌ على الدكتوراه في Vegetable Crops Biotechnology
من Zhejiang University في الصين – وباحثٌ في معهد بحوث البساتين في مصر حاليّاً)
.