بدأت القصة عام 1790م حين اكتشف الطبيب لويجي جلفاني (Luigi Galvani) أن أرجل الضفدع تتحرك نتيجةً للصعق الكهربي ويُعد جالفاني مُكتشف ظاهرة وجود كهرباء في العضلات والجهاز العصبي، ثم اكتشف العالمان كوليكر ومولر (Kollicker & Muller) أنه عند وضع عصب حركي لساق ضفدع فوق قلبه المعزول كانت الساق تنتفض مع كل ضربة قلب فاستنتجوا أن القلب يمكنه إنتاج سيالات عصبية كهربية.
وفي الثمانينات من القرن التاسع عشر اكتشف لودويغ وولر (Ludwig & Waller) أن مراقبة كهرباء القلب ممكنة من خلال الجلد (لانتشارها حتى سطحه) فاخترعا جهازًا يسمى جهاز قياس الكهرباء الشعيري (capillary electrometer) يتكون من مسار كهربي يوضع على الجلد موصَّلاً بشعيرة توضع داخل حقل كهربي يعمل على تضخيم أي نشاط كهربي ضعيف إلى أن تطوَّرَ الجهاز عام1901م على يد آينثوفن ليقوم برسم هذه الموجات الناتجة عن اهتزاز الشعيرة، تمامًا كفكرة رسم الموجات التي يرسمها مقياس ريختر للزلزال (لا بد أنك الآن تذكرت شكل الجهاز الذي شاهدته في التلفاز على الأقل).
ومن هنا بدأت فكرة جهاز يقوم برصد الموجات الطبيعية الناتجة. فإذا كان بإمكاننا رصد الموجات الطبيعية فيمكننا مقارنتها بالموجات غير الطبيعية، وبالتالي استخدامها في تشخيص الأمراض القلبية وسُمِّي هذا الجهاز بجهاز تخطيط كهربية القلب (Electrocardiograph) أو ما يسمى اختصاراً (ECG) ولا زالَ الجهاز قيد التطوير حتى وصل إلى شكله الحالي، ذاك الجهاز الذي اعتدنا سماع طنينه في وحدات العناية المركزة وغرف العمليات ويعمل الجهاز على تسجيل النشاط الكهربي للقلب ويقدِّم معلومات قيِّمة خاصة بسرعة القلب ونُظُمه.(1)
فما هي كهرباء القلب وكيف ينتجها؟
ما هو القلب؟
القلبُ تلك العضلة الصغيرة الجبارة التي تعمل ليل نهار ساعةً تلو الساعة ودقيقةً تلو الدقيقة بلا كلل أو ملل، لتحريك الدم باستمرار وإيصال التغذية والأوكسجين لخلايا جسدك، وأمور أخرى.
للقلب بنية مميزة، وليس مجرد عضلة عادية:
يتكون القلب من خلايا عضلية خاصة تسمى الخلايا العضلية القلبية (Cardiac cells) والتي تتكون من خيوط انقباضية اسمها ألياف تقلصية (contractile filament) ويمكن تحفيزها كهربيًا وتنقبض معًا بشكل إيقاعي ومتناغم وبين طبقات هذه الخلايا العضلية توجد خلايا عضلية معدَّلة من هذه الخلايا العضلية وموزعة في أماكن محددة تسمى الخلايا الموصلة (conducting cells) وتعمل كمولدات وموصلات لكهرباء القلب مكوِّنةً نظام التوصيل الكهربي للقلب (conducting system)
وبهذه الخلايا يتميز القلب بقدرته على إنتاج الكهرباء الخاصة به، من دون الاعتماد على أي مصدر خارجي وتسمى هذه الخاصية التلقائية (automaticity) ويتميز بقدرته على توصيل هذه الكهرباء من خلية عضلية إلى أخرى وتسمى هذه الخاصية الموصلية conductivity). (2))
مكونات نظام التوصيل الكهربي القلبي:
– العقدة الجيبية (sinus node) وهي المولد الرئيسي المسؤول عن بدء الاستثارة القلبية للقلب الطبيعي وتتميز بأنها الأسرع في إنتاج كهرباء القلب.
– العقدة الأذينية البطينية.
– الحزمة الأذينية البطينية.
– ألياف بُورْكِينِيي.
رحلة السيالة العصبية:
بعد إنتاج الكهرباء في العقدة الجيبية الموجودة في الجزء الأعلى من الأذين الأيمن من القلب تنتقل السيالات الكهربية (ِAction Potential) إلى السبيل بين العقد (intermodal pathway) وهو عبارة عن مُوصِّل خاص يوصِّل بين العقدة الجيبية والعقدة الأذينية البطينية (AV node).
يتميز السبيل بين العقد والعقدة الأذينية البطينية بأنهما أقل سرعة من العقدة الجيبية (SA node) وينتج عن تأخر استثارة العقدة الأذينية البطينية تأخير توصيل الإشارة الكهربائية. والحكمة من ذلك انقباض الأذين قبل البطين، فيفرغ معظم محتواه إلى البطين الأيمن.
ويجدر التنويه هنا إلى أن الأذين الأيسر يصل إليه أيضًا سيلات كهربية ويعمل بالتزامن مع الأذين الأيمن كجزء واحد.
ثم تنتقل السيالات الكهربية إلى الحزمة الأذينية البطينية (AV bundle) وهي الحزمة الوحيدة التي توصل السيالات العصبية من الأذينين الى البطينين ثم تنتشر السيالات الكهربية بعد ذلك في كل أقسام البطينين عبر ألياف بُورْكِينِيي المتميزة بسرعتها على نشر السيالات الكهربية.(3)
يعمل جهاز التوصيل بشكل متناغم وإيقاعي يضمن انقباض القلب وانبساطه ككتلة واحدة بدون اضطراب أو انقطاع وتكمن أهمية هذا الجهاز في وظيفة القلب الرئيسية وهي ضخ الدم في الدورتين الدمويتين الصغرى والكبرى.
تعال معنا لنتعرف بشكل موجز وبسيط على طريقة عمل جهاز التخطيط الكهربي القلبي (ECG)
تبدأ عملية إزالة الاستقطاب في العقدة الجيبية لتنتهي عند ألياف بُورْكِينِيي كما ذكرنا.
ويتكون القلب من أربع حجرات محاطة بالعضلات القلبية وهم الأذين الأيمن والأيسر، ثم البطين الأيمن والأيسر، وكلا الأذينين يعملان معًا وكذلك البطينين ككتلة واحدة أيضًا كما ذكرنا.
يمكنك معرفة تفاصيل الجهاز من منشورنا السابق (https://web.facebook.com/…/1416-%D8…/546405165521342/…)
في الحالة الطبيعية يَرسم الجهاز نمطًا متكررًا من الموجات وكل موجة تشير إلى انقباض جزء معين من القلب وكل موجة يشار إليها بحرف متفق عليه كالتالي:
الموجة الأولى الصاعدة وهي الموجة P تشير هذه الموجة إلى زوال استقطاب الأذينات وهذا يعني أننا سندخل في مرحلة الانقباض الأذيني (8)
المركب QRS تشير إلى زوال استقطاب البطينات اي أننا سندخل في مرحلة الانقباض البطينين وهو عبارة عن موجة أولى صغيرة نازلة Q ثم موجة كبيرة صاعدة R ثم موجة نازلة S (9)
الموجة T وتشير إلى تعافي خلايا البطينين أو إعادة استقطاب (Repolarization) البطينين وهذا يعني أن البطينات ستسترخي(10)
تشير هذه الموجات P QRS T إلى دورة قلبية واحدة وهي بالترتيب الانقباض الأذيني، ثم الانقباض البطيني، ثم ارتخاء القلب بالكامل، وهكذا تتكرر هذه الموجات كل دورة قلبية في كل نبضة (11)
وبناءً على هذه الأساسية البسيطة تُشخَّص شذوذات كهرباء القلب فمثلا في بعض الأمراض قد تختفي إحدى الموجات أو تدخل موجة جديدة في مكان معين أو قد تتقارب المسافات بين الموجات أو تتباعد.
ملاحظة: هذا التعقيد لعضلة القلب والتنظيم فيها ليس إلا غيضًا من فيض، دون مبالغة. فكيفية توليد الكهرباء، وكيفية المحافظة على النظم، والبروتينات والشوارد وتراكيزها الداخلة في ذلك، كل هذا يحتاج لشرح طويل نذكر فيه كل هذا الإبداع والتصميم، لذلك اختصرنا في المقال على فكرةٍ معينة. وهي الكهرباء.
فسبحان من خلق القلوب!
إعداد: مؤمن أبو يوسف
مراجعة: أحمد ناولو
تدقيق لغوي: محمود سلامة