كيف تُقاس كتلة النجوم؟
كل شي في الكون تقريبًا له كتلة، بدايةً من الذرات والجسيمات الذرية، وصولًا إلى النجوم والمجرات العملاقة، ومن الأجسام التي نعرفها ولا كتلة لها: الفوتونات والغلونات.
سنتحدث في هذا المقال عن النجوم وكيف استطاع العلماء رصدها، وحساب كتلها.
النجم هو جسم فلكي، كروي، ضخم، ولامع، من البلازما، متماسك؛ بفعل جاذبيته.
يستمد النجم لمعانه من الطاقة النووية المتولدة فيه الناتجة عن تفاعلات الدمج النووي والتي تنتج طاقة (حرارة) كبيرةً جدًا.
أقرب النجوم إلى الارض هي الشمس (ببعد يُقدر بحوالي (93) مليون ميل)، وهي مصدر الطاقة على الأرض وتكون النجوم الأخرى واضحة لنا خلال الليل وتظهر كنقاط مضيئة؛ بسبب بعدها الهائل عن الأرض.
تُعتبر كتلة النجم من أهم خصائصه بالإضافة إلى تركيبه الكيميائي، وكذلك حجمه؛ حيث أنّ كتلة النجم تُحدد قدر ضيائه وحجمه وعمره ومصيره.
ُتعد دراسة النجوم من أقدم العلوم فقد درس المصريون القدماء النجوم، وجُمِع أول فهرس معروف عن النجوم بواسطة البابليين (1150-1530) ق.م.
وبعيدًا عن مفهوم الكتلة فقد أنشأ الإغريق فهارسًا للنجوم أشهرها فهرس بطليموس صاحب كتاب (the magisty) حيث صنَّف بطليموس أكثر من ألف نجمة، ورتبها حسب درجة لمعانها.
كما صنَّف علماء المسلمين في العصور الوسطى النجوم واهتموا بالفلك، واختراع الأدوات الفلكية (الاسطرلاب وغيره)، وبناء المراصد الفلكية.
ويُعد أبو الريحان البيروني إمام أهل الفلك في عصره، وله مؤلفات كثيرة أشهرها القانون المسعودي.
لاحقًا ومع تطور علم الميكانيكا، ومفهوم الكتلة، ودخوله في المعادلات الحركية؛ أخذت دراسة النجوم والأجرام منحىً مغايرًا عن ذي قبل؛ فبدأ الفلكيون دراسة حركة الأجرام، وقياس المسافات وكانوا يقيسون الكتل اعتمادًا على حركة النجوم التي تدور حور مركز مشترك للكتلة بما يسمى النجوم الثنائية (نجمتان تدوران حول مركز ثقل مشترك)،وأنظمة النجوم المتعددة (من3 إلى عشرات النجوم التي تتحرك حول مركز ثقل مشترك).
وكان يتم قياس كتل النجوم بتحديد مداراتها، ورصد سرعاتها، وتحديد المدة التي يستغرقها نجم معين للذهاب الى مدار ما (الفترة المدارية)، وبعد معرفة هذه المعلومات يقوم الفلكيون بالحسابات الرياضية ومقارنة النتائج مع حالات مشابهة ومعرفة الكتل.
هذا ومن دون أن يلمس أحد تلك النجوم، يمكن للفلكيين باستخدام الملاحظة والحسابات الرياضية تحديد كتل بعض النجوم، لكن لايمكنهم فعل هذا لكل نجم؛ فهناك نجوم غير موجودة في أنظمة ثنائية أو متعددة فكان لابد من استخدام قياسات أخرى.
في أواخر القرن التاسع عشر بدأ الفلكيون دراسة الأطياف الضوئية للنجوم، ودراسة لمعانها، ودرجة حرارتها، وكان من أوائل بادئي رصد الأطياف النجمية العالم جوزيف فرانهوفر، والعالم أنجيلو سيكي.
واتضح لاحقًا أنّ النجوم ذات اللمعان و درجات الحرارة المختلفة لديها كتلة مختلفة إلى حد كبير.
كما ساعد التطور في صناعة الأجهزة الضوئية كالفوتوميتر (جهاز يقيس شدة الضوء)، والأنترفيروميتر (جهاز مقياس التداخل الفلكي)، وغيرها على القيام بقياسات دقيقة، حيث أجرى ألبرت مايكلسون أول قياس لقطر نجمي بواسطة الأنترفيروميتر.
إنّ طيف النجم يحمل بصمته، ومن خلال دراسة طيف النجم تُعْرَف درجة حرارة النجم، وتركيب غلافه الجوي، وضيائه، وكتلته، والكثير من صفات النجم الأخرى.
وعلى غرار ذلك كانت تقاس الكتل النجمية استنادا إلى طبيعتها المادية، وأنماط أطيافها، ودرجات حراتها ولمعانها.
وأخذ الفلكيون يُصَنِّفون الأطياف المختلفة للنجوم، ودرجات اللمعان، والحرارة، وفي عام (1913) تم تطوير مخطط هرتزبرونج-راسل (hertezprung-russell diagram)
وهو رسم بياني للنجوم يُبين العلاقة بين القدر المطلق لضياء نجم، ونوع طيفه، وعلاقته بدرجة حرارة النجم الفعلية، وكان المخطط خطوة عظيمة لفهم طبيعة النجوم، ومعرفة كتلها، ومعرفة عمرها، ومصيرها.
بل اعتمد الفلكيون على مخطط هرتزبرونج-راسل وأصبح من أهم المراجع التي تُحدد طبيعة النجوم؛ فبمجرد النظر إلى النجم ومعرفة أين يقع على الرسم البياني، يستطيع الفلكيون أخذ فكرة جيدة عن كتلة النجم.
فإذا كان النجم يقع على منحى التسلسل الرئيسي للمخطط هذا يعني أنّ النجم ليس بالصغير ولا الضخم، أمّا إن كان صغيرًا أو ضخمًا فإنه يقع خارج منحى التسلسل الرئيس بحسب المخطط.
إنّ معرفة كتل النجوم وأحجامها أمر مهم للغاية؛ حيث تُعد كتلة النجم الأولية (الكتلة التي يُولد بها) أكبر متنبئ بحياة النجم ومماته، فعلى سبيل المثال: النجوم ذات الكتل المنخفضة تكون أقل برودة، وأقل لمعان من نظيراتها كبيرة الكتلة.
بالطبع كتلة النجم لا تبقى كما هي بل تتناقص تدريجيًا خلال ملايين السنين بسبب استهلاك النجم للوقود النووي حتى تصل الى مرحلة الانكماش ثم الموت.
فعندما تموت النجوم الصغيرة (بحجم الشمس أو أصغر) فإنها تنفجر بلطف مشكلة سُدم كَوكبية عادة، لكن النجوم الكبيرة (1.4 كتلة شمسية أو أكبر) عند مماتها تنفجر ناثرة موادها في الفضاء وإذا كانت أكبر بكثير من الشمس فإنها تموت بانفجار يُدعي (supernova) أو المستعر الأعظم بوميضٍ شديد اللمعان يمكن أن يُرى بالعين كنجم لم يكن ظاهرًا من قبل.
هناك طرق أخرى لقياس كتلة النجوم فقد استخدم الفلكيون لاحقًا عدسات الجاذبية وهي أجهزة دقيقة تقوم برصد مسار الضوء المار بجانب نجم ما، وحساب الانحناء الذي سببه حقل جاذبية النجم للشعاع الضوئي (مقدار هذا الإنحناء هو أحد تنبؤات النسبية العامة لألبرت آينشتاين).
على الرغم من أنّ كمية الانحناء صغيرة، إلا أنّ القياسات الدقيقة يمكن أن تكشف عن كتلة النجم الذي يقوم بعملية الجذب.
كما أنَّ هذه التقنية تصلح أيضًا لدراسة تجمعات الأجرام المظلمة في المجرات والثقوب السوداء وغيرها.
وهناك الكثير لرصد النجوم بالإضافة لجمع المعلومات والملاحظات.
إنّ المعلومات التي يحصل عليها علماء الفلك مطويةٌ في نماذج دقيقة للغاية تساعدهم على التنبؤ بماهية النجوم في مجرة درب التبانة، وخارجها، وماهية سلوكها، وحياتها، ومماتها، وكل هذا يرجع في المرتبة الأولى لمعرفة كتلها.
المراجع:
https://www.thoughtco.com/how-to-determine-the-mass-of-a-star-4157823
https://science.nasa.gov/astrophysics/focus-areas/how-do-stars-form-and-evolve
https://astronomy.swin.edu.au/cosmos/H/Hertzsprung-Russell+Diagram