كانت الأشهر القليلة الماضية استثنائية للغاية، إذ حُجِر الناس لمنع انتشار COVID-19.
ساد الصمت في المدارس والشوارع والملاعب، وأصبحت المناطق السياحية الساخنة مدن أشباح، واقتصرت حركة المرور على الأرصفة إلى حد كبير على البقالة وتوصيل الطعام.
في مقال نُشر هذا الأسبوع في «Cities & Health»، حلل خبيرا التخطيط في جامعة كولومبيا البريطانية Jordi Honey-Rosés وErick Villagomez آثار هذه التغييرات على تخطيط المدن وتصميم المساحات.
وإلى جانب علماء آخرين من تشيلي والصين والمكسيك والهند وإسبانيا، نظروا في التدابير التي اتخذتها المدن الكبرى للتعامل مع الجائحة، وكيف بدّلت هذه الجهود -وظلّت تبدّل- الحياة الحضرية.
يقول الباحثون إن الجائحة تغير بناء المدينة وتصميمها، وتدفقات الطاقة وأنماط التنقل وتفضيلات الإسكان والمساحات الخضراء وأنظمة النقل. قد تكون تغييرات كثيرة منها مؤقتة، بينما قد تكون التغييرات الأخرى دائمة.
في بعض الحالات، تُسرِع المدن في تنفيذ التغييرات التي أجرتها بالفعل في الأعمال، مثل طرح البنية التحتية للدراجات المخطط لها، أو مشاريع تهدئة الشوارع أو إعادة تصميم الأرصفة.
«وفي حالات أخرى، يختلق المخططون والجيران أمورًا في أثناء تقدمهم في التدخلات منخفضة التكلفة وتجريبها واختبارها والاعتماد عليها»، كما قال هاني روزيس (أستاذ مشارك في كلية المجتمع والتخطيط الإقليمي في جامعة كولومبيا البريطانية).
لاحظ إريك فيلاغوميز (محاضر غير متفرغ في المدرسة) انخفاض حركة المشاة المرتبط بالنشاط التجاري خلال COVID-19.
ووفقًا لتقرير Google Mobility الأخير، لا يزال معدل التنقل المرتبط بالبيع بالتجزئة والترفيه في جميع أنحاء كندا أقل من متوسط مستويات يناير وفبراير بنحو 17 في المائة .
«على الرغم من استمرار هذا المعدل في الارتفاع ببطء، فإن انخفاض حركة المشاة حتى الآن كان له بالفعل تأثيرات قوية على العديد من الأنشطة التجارية المحلية، والتي اضطر العديد منها إلى إغلاق أبوابها إلى أجل غير مسمى. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه إلى حين إيجاد علاج ناجع للوباء» كما قال فيلاغوميز.
على المدى الطويل، يرى الباحثون إمكانية حدوث المزيد من التغييرات، إذ يبدو أن المدن تتطلع إلى تنفيذ مشاريع مؤقتة لتهدئة الشوارع والمشاة. قال هاني روزيس: «قد تحتاج الشوارع إلى إعادة تصميم. مع انطلاق عمليات التسوق عبر الإنترنت وتوصيل الطعام إلى المنزل، ثمّة طلب كبير على مواقف السيارات في الشوارع على جانب الطريق، ليس فقط لتلبية احتياجات التوصيل الجديدة، ولكن أيضًا لتوفير مساحة للمشاة».
ويضيفون أن شكل المدن التي تعتمد على السياحة ومظهرها سيتغيران، سلبًا وإيجابًا. قد تبقى الشركات تعاني، ولكن ثمة اهتمام متزايد ببناء بيئة صديقة للمشاة أقوى. في تورنتو، على سبيل المثال، سرعت المدينة خططها لتثبيت البنية التحتية لركوب الدراجات على طول شارع دانفورث الشهير، جزءًا من خطط الإغاثة الخاصة بفيروس كوفيد -19.
بالإضافة إلى ذلك، الآن ثمة تقدير أكبر لأهمية توفير فرص سهلة المنال للتمتع بالطبيعة ومجموعة متنوعة من الأنشطة الترفيهية.
قد تعيد المدن النظر في إمكانات المساحات غير المستخدمة مثل المواقع المهجورة وأسطح المباني، مستشهدة بالكم الهائل من أسطح المنازل التي لا تُستخدَم كفاية في العديد من المدن ويمكن تحويلها إلى حدائق على الأسطح.
مع مرور الوقت، يقول الباحثون إن إحساسنا بالمكان والفضاء قد يتغير بشكل دائم. قالت هوني روزيس: «قد تظل المساحة العامة مكانًا للتفاعل الاجتماعي، لكنها قد تكون أصعب للعفوية وعدم الرسمية. قد يحد الوباء من قدرتنا على تطوير علاقات جديدة، خاصة بين الغرباء».
وأضاف أنه على الجانب الإيجابي منحتنا الجائحة فرصة غير مسبوقة لفحص الروابط بين التخطيط الحضري والأماكن العامة والرفاهية. «مدينتنا المستقبلية ليست مُسبقة التحديد، ولكنها ستكون نتيجة قرارات محددة بشأن الفضاء العام. نأمل أن يتحدث المواطنون مع قادتهم وأن يجتمعوا مع خبراء التخطيط والسياسات لبناء مدن أكثر صحة خلال هذه الأزمة وما بعدها».
ولاحظ فيلاغوميز -الذي كتب على نطاق واسع عن الآثار المترتبة على تحويل المدن لتلبية بروتوكولات التباعد الاجتماعي القياسية بمسافة ستة أقدام- أن المساحات اليومية التي نعيش فيها قد تشكلت على مدى آلاف السنين بناءً على أبعاد أصغر بكثير: من ثلاثة إلى أربعة أقدام (في الأشيع).
«في الوقت الحالي، يحاول الأشخاص تكييف الأنظمة والسلوكيات والمساحات المبنية على أساس مسافات من ثلاثة إلى أربعة أقدام إلى أبعاد التباعد الاجتماعي الأكبر. لقد كانت النتائج مثيرة للغاية، إذ أظهرت الكثير من الإبداع والابتكار. من الواضح بالفعل أن المدن لا يمكن أن تتغير ولن تتغير بالكامل من جميع النواحي للسماح بمسافة ستة أقدام. وسيستمر هذا في التطور مع تغير القيود».
ترجمة : شهد مطر.
مراجعة: عبيد الله الصالحاني.
تدقيق: الطاهر الحاج زين.