مادّة جديدة يمكنها اكتساب الكهرباء من الجسم البشري!
من المألوف أن نشعر بالإجهاد أحيانا، لكن من غير المألوف أن ينتج عن إجهادنا هذا كهرباء. قد يصعب تصديق ذلك، لكن هذا بالفعل ما تقدمه لنا مادّة مرنة جديدة طورها فريق من الباحثين من (إمبا Empa)، وهو معهد أبحاث في دوبيندورف، سويسرا.
قام الفريق بتصنيع مادّة مطاطية مرنة ورقيقة تقوم بتوليد الكهرباء عند مطها وكبسها فقط، وهو أمر جعل مجالات استخدام هذه المادّة واسعة جدًا، في تطبيقات تمتد من منظم دقات القلب إلى الملابس.
ما الذي جعل تقنية كهذه أمرا ممكنا؟
لقد أصبحت هذه التقنية ممكنة بفضل تأثير ما يعرف بالكهرباء الضغطية (piezoelectric effect)، وهو تأثير مشهور عند عازفي التسجيل التناظري (analog record)، إذ يعزفون الموسيقى من خلال قراءة أخاديد الأقراص بإبرة تهتز ميكانيكيا. ومن خلال تأثير الكهرباء الضغطية تتحول هذه الاهتزازات إلى النبضات الكهربائية التي تولد الموجات الصوتية. وهو ما حدث مع هذه المادّة الرقيقة التي تقوم بتحويل الحركة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية.
في الحقيقة، إن انجاز (دورينا أوبريس Dorina Opris) وزملاؤها لا يتوقف عند تصنيع هذه المادّة المذهلة فقط، بل لقد وسع حدود ما نعرفه عن تأثير الكهرباء الضغطية كثيرا، فقبل ذلك اقتصرت ملاحظة هذه الظاهرة على البلورات، لكن ومع هذا الإنجاز ثبَت أن هذه الخصائص يمكن أن تكون أيضا في المواد البلاستيكية.
تعتبر هذه المواد الجديدة صعبة الإنتاج لسوء الحظ، فالجسيمات النانوية القطبية والسيليكون يجب أن تتشكل بعملية شاقة جدا قبل أن يتم اتصالها، ثم يُدخَل حقل كهربائي قوي إلى الغشاء البلاستيكي الرقيق لتوليد تأثير الكهرباء الضغطية، حيث يُنجَز من خلال تعريض المواد لدرجة حرارة عالية جدا ثم تبريدها.
إن الخصائص التي تتصف بها هذه المادّة من طبيعة عضوية مرنة ورقيقة جعلت عملها مع جسم الانسان أكثر انسيابية من الأجهزة الكبيرة، لذا يجري النظر في استعمالها في أجهزة استشعار الضغط وأجهزة تنظيم ضربات القلب وغيرها من الأجهزة الطبية، كما يمكن استخدام هذه الرقاقة في الملابس أيضا، وفي أزرار التحكم، بل وحتى في أجهزة الرصد الطبية التي تولد الكهرباء من حركة مرتديها.
وقد ذكرت (أوبريس) في مقابلة صحفية في حديثها عن التطبيقات المحتملة للمادة: “يمكن استخدام هذه المادة للحصول على الطاقة، حتى من الجسم البشري، حيث يمكنك زرعه بالقرب من القلب للحصول على الكهرباء، من ضربات القلب على سبيل المثال”.
ربما ستثبت هذه المادّة في أحد الأيام أنها منقذة لحياة البشر، وبما أننا مستمرون في التقدم التقني أكثر من أي وقت مضى – فقد أصبحنا أكثر اعتمادا على الأجهزة الإلكترونية، حتى إن بعضهم يجادل في أننا سوف نصبح في النهاية سايبورغ – سيكون من الضروري تطوير هذه الإلكترونيات لتكون أكثر تناغما معنا نحن البشر.
وعلى هذا النحو فإن هذه المادّة المطاطية العضوية التي تولد الكهرباء من الإجهاد الميكانيكي والحركة يمكن أن تكون ثورية، فهي تجمع بين خصائص فريدة من حيث تأثير الكهرباء الضغطية، والوقت المناسب للراحة، وإلكترونيات يمكن ارتداؤها.
إعداد: مريم جمال.
تدقيق: محمد قدسي.