على عكس ما يظن الكثيرون أن اكتشاف التوثيق باستخدام بصمة الأصبع Fingerprint هو شيء حديث : فهذه الفكرة خاطئة تماما – إذ كانت الأمم القديمة تقوم بتوثيق الكثير من أعمالها القانونية والاتفاقات والتعريف ببعض الأشخاص عن طريق أخذ بصمة الأصابع على ألواح من الطين حتى تجف او غيرها (تم ذلك مع بعض المعتقلين وفي بعض التجارات والاتفاقيات بدلا من الأختام أو معها وكذلك مع بعض طلبات الطلاق من الأميين الذين لا يعرفون الكتابة وأيضا في التعرف على آثار بعض اللصوص ومحاكمتهم) – وقد تم العثور على آثار وكتابات تؤرخ كل ذلك في الصين القديمة واليابان وفارس وبابل ومصر وغيرهم
وكان من أشهر من لاحظوا تفرد البصمات بين الأشخاص مما يؤهلها للتوثيق والتفرقة بينهم : المؤرخ الصيني كيا كونغ ين Kia Kung-Yen – وقد ذكر ذلك عن الصينيين وأكده الطبيب المسلم الفارسي رشيد الدين حمداني Rashid-al-Din Hamadani حيث قال في كتابه (جامع التواريخ) 1305م :
” أثبتت التجارب أنه لا يوجد شخصان لهما أصابع متماثلة ”
المصدر :
Cole, Simon (2001). Suspect Identities: A history of fingerprinting and criminal identification. Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press. pp. 60–61
وهكذا وصل الإرث إلى العصر الحديث – لتبدأ الإضافات والتحليلات المتخصصة والهامة عليه لاستغلال كل هذه المعلومات بالصورة التي صرنا نراها اليوم
ففي عام 1665 ذكر الطبيب الإيطالي مارسيلو مالبيغي Marcello Malpighi وجود تشكيلات محددة من البروزات والغدد العرقية على أطراف الأصابع – وفي عام 1684 نشر الطبيب الإنجليزي وعالم النبات نحميا غريو Nehemiah Grew أول ورقة علمية لوصف تشكيلات بروزات الجلد الذي يغطي الأصابع وراحة اليد – أما في عام 1685 فقد نشر الطبيب الهولندي غوفار بيدلو Govard Bidloo كتابا عن التشريح الذي يوضح أيضا تشكيلات بروزات الأصابع – ولعل من أشهر التأكيدات الحديثة على نفس ما قاله القدماء كان إقرار عالم التشريح الألماني يوهان كريستوف أندرياس ماير Johann Christoph Andreas Mayer عام 1788 بأن بصمات الأصابع هي فريدة لكل فرد
وفي عام 1823 وجد عالم التشريح التشيكي بركنجي Purkinje أن الخطوط الدقيقة الموجودة في رؤوس الأصابع (البنان) لها انواع فريدة عند كل شخص مكونة من تشكيلات أقواس – أو دوائر – أو عقد – أو على شكل رابع يدعى المركبات لأنها تتركب من أشكال متعددة
وبالفعل في عام 1877 اخترع الدكتور هنري فولدز Henry Faulds طريقة حديثة لوضع البصمة على الورق باستخدام حبر المطابع – وفي عام 1892م أثبت الدكتور فرانسيس غالتون Francis Galton عمليا وبالتعميم العلمي هذه المرة أن صورة البصمة لأي أصبع تعيش مع صاحبها طوال حياته فلا تتغير رغم كل الطوارئ التي قد تصيبه – حتى أن العلماء وجدوا أن إحدى المومياء المصرية المحنّطة احتفظت ببصماتها واضحة جلية.- كما أثبت الدكتور فرانسيس غالتون أيضا أنه لا يوجد شخصان في العالم كله لهما نفس التعرجات الدقيقة وأنها تظهر على أصابع الجنين وهو في بطن أمه عندما يكون عمره بين 100 و120 يوماً
وأما في عام 1893 فقد أسس مفوض اسكتلنديارد : إدوارد هنري Edward Henry نظاماً سهلاً لتصنيف وتجميع البصمات رسميا – حيث اعتبر أن بصمة أي إصبع يمكن تصنيفها إلى واحدة من ثمانية أنواع رئيسية – وكذلك اعتبر أن أصابع اليدين العشرة هي وحدة كاملة في تصنيف هوية الشخص – وتم بالفعل إدخال نظام هوية البصمات في نفس العام كدليل قوي في دوائر الشرطة في اسكتلنديارد
ثم أخذ العلماء منذ اكتشاف البصمات بإجراء دراسات على أعداد كبيرة من الناس من مختلف الأجناس فلم يعثر على مجموعتين متطابقتين أبداً – وقد حسب الدكتور غالتون الاحتمالية الرياضية لتشابه بصمتين من تواليف التشكيلات : فوجدها تصل إلى 1 من 64 مليار !! (معلوم أن سكان الأرض كلهم اليوم لا يتجاوزون 8 أو 9 مليار) !!
ولكن نريد أن نعرف بعض الإجابات الهامة على أسئلة قد تجول في تفكيرنا (وبالفعل طرحناها عليكم مسبقا في فقرة #سؤال_الليلة) مثل :
الإجابة : لا .. فبصمة الإنسان تبقى كما هي منذ الصغر وإلى مماته – وممن أقر بذلك هو العالم الألماني الذي ذكرناه منذ لحظات يوهان كريستوف أندرياس ماير – ولم يكتف بمجرد الكلام بل أخذ بصمة اصبع من يده اليمنى – ثم قارنها بنفس البصمة بعد 40 عاما – وكذلك فعل الحاكم الإنجليزي هرتشل في مقاطعة البنغال عندما قارن بين بصمتين له واحدة وعمره 27 سنة والأخرى وعمره 82 سنة فلم يلحظ أي تغيير يذكر
الإجابة :نعم .. فمعلومات التشكيل الخاصة بالبصمات ثابتة – وطالما سينمو الجلد من جديد فسينمو إلى نفس التشكيل – إلا لو كان الضرر الذي وقع على الجلد عميقا ومشوها فتفقد الخلايا الخاصة هذه المعلومات
الإجابة : نعم .. ففي الرجل يكون قطر الخطوط أكبر منه عند المرأة – بينما تتميز بصمة المرأة بالدقة وعدم وجود تشوهات تقاطعية في الخطوط
الإجابة : نعم .. وهذا عكس ما يظنه بعض الناس أن الأصابع (متماثلة بالانعكاس) بين اليمين واليسار – ولكن العجيب أن الأمر ليس كذلك
فسبحان الله العظيم
جدير بالذكر أن التعرجات والتشكيلات الجلدية ليست مختلفة في البشر في الأصابع فقط – فهي موجودة في مناطق أخرى من جلد الإنسان : وكلها مختلفة كذلك وإن لم تعط تفاصيل كثيرة ومحددة مثل أصابع اليدين !! بل وهناك بصمات الآن بالعين – وغير ذلك الكثير الذي ربما تكلمنا عنه فيما بعد
كل هذا : يبدعه الله عز وجل في كل إنسان (بل وفي الحيوانات أيضا بصمات) !! فسبحان من يجمع كل تلك التفاصيل التي لا زال تشكيلها يحير العلماء إلى اليوم – فيقول لكل منكر للبعث بعد الموت وبعد ذهاب الأجساد :
” أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه ” القيامة 3- 4