ماذا تعرف عن ما يسميه العلماء بـ : قنديل البحر الخالد Immortal jellyfish ؟ وهل هو خالد بالفعل ؟؟
حديثنا اليوم عن قنديل بحر Jellyfish اسمه العلمي تيريوبسيس دورني Turritopsis dohrnii يمتاز بحجمه الصعير جدا (نصف سم تقريبا) وبشكل جرسي شفاف معروف – وتستطيع تمييز لون معدته الحمراء من خارجه – ولكن قبل الحديث عنه : نريد أن نتحدث عن الأطوار التي يمر بها في حياته كمراحل نمو منذ البيضة إلى البلوغ – وهي مراحل مشتركة بينه وبين أكثر قناديل البحر عموما وتكاد تنحصر في الأطوار المميزة التالية :
1- طور القنديل البالغ أو الناضج جنسيا
ويسمى بالميدوزا البالغ Adult Medusa – وهو الذي يكتمل فيه الجهاز التناسلي الذكري أو الأنثوي – وينتج عنه بالتخصيب الخارجي بويضات مخصبة ينثرها في الماء – ويمكننا من هنا ان نتتبع بقية أطوار النمو
2- طور البيضة الملقحة
وهي الـ Egg حيث تواصل سباحتها في الماء نحو القاع – وفي هذه الأثناء تأخذ في النمو والانقسام حتى تصير :
3- طور اليرقة السابحة
وتسمى البلانولا Planula – وتواصل الانقسام وتتوجه بأهدابها إلى قاع البحر أو المحيط
4- طور اليرقة المستقرة
وهي نفس اليرقة Planula ولكن بعد أن تنغرس في قاع البحر أو المحيط
5- طور السليلة أو المديخ
وتسمى البوليب Polyp – وتمتاز بشكلها الاسطواني الثابت في القاع والمنتهي في أعلاه بأذرع هائمة كما في الصورة المرفقة – وعادة ما يتجمع هذا الطور في شكل مستعمرة بجانب بعضه البعض ويكون في طور عدم النضوج الجنسي بعد – وهذا الطور هام جدا لأننا سنرجع إليه بعد قليل فتذكروه
6- طور السليلة أو المديخ ببراعم متخرطة
ويسمى Polyp with buds وهي أشبه بالطبقات المفتوحة فوق بعضها البعض :
كل طبقة منها ستصير قنديل بحر منفصل متماثلين جينيا ..
7- طور القنديل غير الناضج
ويسمى Immature Medusa – وينتج عن الطبقات التي انفصلت في الطور السابق كما قلنا – حيث تترك القاع وتبدأ سباحتها وغذائها في الماء ولكنها لا زالت غير ناضجة جنسيا
ثم أخيرا تصير طور القنديل البالغ أو الناضج جنسيا أو : الميدوزا البالغ Adult Medusa لتعيد تكرار أطوار حياتها من جديد
هذا فيديو بسيط بالجرافيك لدورة حياة قناديل البحر عموما :
jellyfish animatic
https://www.youtube.com/watch?v=oHiVA9J_YIM
والآن …
ما الاختلاف الذي في قنديل البحر (الخالد) كما يصفونه ؟؟
———————
الإجابة :
الاختلاف في قنديل البحر تيريوبسيس دورني Turritopsis dohrnii أنه عندما يكبر في السن أو يشعر بالخطر أو اقتراب الموت فإنه يبدأ في (عكس) دورة حياته !! أي يتحول من الطور رقم 1 (الميدوزا البالغ) إلى الذي قبله رقم 7 (قنديل البحر غير الناضج) إلى الذي قبله رقم 6 (طور السليلة أو المديخ ببراعم متخرطة) إلى الذي قبله رقم 5 (طور السليلة أو المديخ أو البوليب) !!
وهكذا يعود طفلا من جديد إن صح التعبير !! لقد تحول من الطور البالغ أو الناضج جنسيا إلى الطور غير البالغ أو الناضج جنسيا – وهذا هو الفارق الكبير بينه وبين تحولات أخرى عجيبة في باقي الكائنات الحية – حيث تحولت خلايا جسمه المكتملة : إلى خلايا أولية عندما كان غير ناضج
وهذه العملية (أي تحول خلايا جسدية في الكائن إلى خلايا جسدية أخرى دون المرور على المرحلة الصفر مثل الخلايا قبل التمايز مثل الخلايا الجذعية مثلا عندنا كبشر) هذه العملية تسمى (تمايز تحولي) أو Transdifferentiation وهي من المصطلحات التي بدأ استخدامها منذ 1974م
وهذه العملية قد يوجد قريب منها في تحول بعض الخلايا إلى آخر عند الحاجة وذلك في عدد من الكائنات – فمثلا إذا استبعدت العدسة العينية من دجاجة : فإن الخلايا القزحية ستتحول إلى خلايا عدسية – أيضا هذه العملية (التمايز التحولي) تعد قريبة الشبه كذلك مما يحدث في بعض الكائنات الحية الأخرى عندما تفقد عضوا من جسمها (مثل الذيل في السلمندر) ثم تقوم بتعويضه ونموه من جديد بعد فترة
هذا فيديو مترجم بالعربية يشرح دورة حياة هذا القنديل وهذه العملية
How to Live Forever? Be a Jellyfish
https://www.youtube.com/watch?v=2kLSiE-eNjw
وهذا فيديو آخر بصور حقيقية ولكنه غير مترجم :
The Strange But Incredible Immortal Jellyfish
https://www.youtube.com/watch?v=Z7d5P0pDVUo
جدير بالذكر أن ظاهرة عودة قنديل البحر البالغ إلى طور المستعمرات غير الناضجة أو ما يمكن وصفه بعكس النمو Reverse development هي ليست حكرا على هذا القنديل البحر (الخالد) كما يسمونه – بل توجد كذلك في قناديل بحر أخرى مثل الأوريليا Aurelia
المصدر البحثي من 2015 :
Life Cycle Reversal in Aurelia sp.1 (Cnidaria, Scyphozoa)
الرابط من دورية بلوز وان :
https://journals.plos.org/plosone/article…
ومثل التيريوبسيس دورني Turritopsis dohrnii
المصدر البحثي من 2005 :
Evidence of reverse development in Leptomedusae (Cnidaria, Hydrozoa): the case of Laodicea undulata (Forbes and Goodsir 1851)
الرابط من دورية سبرينجر :
https://link.springer.com/article/10.1007/s00227-005-0182-3
لكنها اشتهرت وظهرت أكثر مع هذا القنديل (الخالد) كما يصفونه
ولكن ….
هل هي فعلا خالدة ؟؟ يعني تعيشدوما ولا تموت ؟؟
———————
الإجابة :
هذا الكلام لا يمكن تأكيده (أي قدرتها على تكرار عملية عكس النو هذه إلى مالانهاية) إلا إذا تمت دراسة أفراد معينين منها بالفعل إلى مئات السنين على الأقل : وهو ما لم يحدث إلى الآن .. بمعنى : أنه قد يكون لها قدرة (أو حدود) لتكرار هذه العملية للحماية من الأخطاء ولكنها تضعف وتقل مع الزمن – يمكننا تشبيهها مثلا بأطراف كروموسومات البشر التي فيها معلوماتنا الوراثية – فإن تلك الأطراف (وتسمى التيلوميرات) تتآكل مع الوقت وتقل كلما تم انقسام الخلايا على طول عمرنا – بمعنى : أنه يمكنك من النظر إلى أطراف الكروموسومات في خلية إنسان أن تعرف إذا كان هذا الإنسان طفلا (منطقة التيلوميرات طويلة) أم كهلا عجوزا (منطقة التيلوميرات قصيرة من كثرة الانقسام) – وعليه تجري أبحاث العلماء لمحاولة إطالة عمر البشر بحفظ التيلوميرات دون نقصان لأوطول فترة ممكنة – لكن حتى هذه العملية تظل نظرية لأننا لا زلنا إلى الآن نجهل ماذا يتم بالفعل في كل مظاهر الكبر في السن (قد تكون التيلوميرات هي واحدة فقط من تلك المظاهر وليست كلها)
إذن :
قنديل البحر الخالد قد يكون لديه هو الآخر قدرة معينة تتناقص مع الوقت – لذلك تجد المواقع العلمية المحترمة والدقيقة في تعبيراتها تقول أنه خالد (نظريا) أو أنه يمكنه تكرار هذه العملية على الدوام نظريا …
لكن هناك سبب آخر عملي لا يجعل هذه القناديل خالدة حرفيا ألا وهو :
أنه حتى بتسليمنا أن هذه القدرة مستمرة دوما : فإن قنديل البحر يموت مثل غيره بالأسباب الخارجية من الافتراس أو الأمراض في طوره البالغ قبل أن يعكس نموه
المصدر من 2009 :
“Immortal” Jellyfish Swarm World’s Oceans
الرابط من دورية ناشيونال جيوغرافيك :
https://news.nationalgeographic.com/…/090130-immortal-jellyf…
وبالفعل : لو كانت هذه القناديل (خالدة) حقا بمعنى أنها لا تموت : لكانت المحيطات والبحار التي تعيش فيها (مثل مياه البحر الأبيض المتوسط ومياه اليابان) قد امتلأت بها على الأقل اليوم !! لكن هذا لم ولا يحدث
وأخيرا ….
ماذا يمكن أن يستفيد العلماء من دراسة مثل هذه الكائنات ؟؟
————————
الإجابة :
لقد حبا الله تعالى الطبيعة والكائنات الحية بما يفيد الإنسان إذا تدبره ونظر فيه وتعلم منه – وهو بالفعل ما تسبب في نهضات وقفزات علمية كبيرة طوال التاريخ البشري
واليوم يبحث العلماء في ظواهر مثل عملية تبديل السلمندر لذيله المقطوع بنمو آخر جديد – أو ظاهرة مثل عكس النمو في قناديل البحر : ليحاولوا استخراج فوائد طبية وبيولوجية منها تساعدهم في التحكم في (تحول) خلايا جسدية معينة بدلا من تالفة – أو زيادة التحكم في الخلايا الجذعية وتحولها إلى خلايا جسدية نوعية عند الحاجة – أو كتكرار معين لزيادة عمر الإنسان – وخصوصا أن الآلية التي تقوم بها قناديل البحر هذه بـ (عكس النمو) هي غير معروفة إلى الآن على وجه الدقة
لذلك تستمر الأبحاث …
ونستمر معها نحن أيضا في المتابعة والاستفادة