ماذا سيحدث لو برُدَ لُبُّ الأَرض؟
عميقًا تحت سطح القشرة الأرضية، تندثر كرة مُلْتَهِبَةٌ من الحديد، مُغَلَّفة بمحيط من سائل معدني شديد الغليان يشكّلان معًا لُبّ الأَرض. يمتاز اللُبّ بسطحٍ مُتَأَجِّج شبيه بسطح الشمس، مع حرارة تكفي لغلي أكثر من تريليون كوب من القهوة لكل ساعة، أي ما يعادل أكثر من مئة كوب لكل إنسان على سطح الكوكب.
يفقد لُبّ الأرض -منذ أنْ تشكّل إلى اليوم- جزءًا من حرارته بشكل مستمر، إذ تنخفض درجة حرارته بمقدار 100 °C (180 ⁰F) كل مليار سنة، لكن لا تزال هذه الحرارة مرتفعة نسبيًا، حيث تصل لـِ 6000 ⁰C (10,800°F).
إذًا ماذا سيحدث لو برُدَ هذا اللُبّ؟ هل ستبقى وظيفة كوكبنا على حالها مع لُبٍّ متجمد؟ أم سنصبح مجرد كرة صخريّة ضخمة غير مأهولة تدور حول الشمس؟
يعتبر لبّ الأرض الجزءَ المسؤول عن توليد المجال المغناطيسي، وكما يدور كوكبنا من الخارج.. فإنّ جزئي لُبّيه الأساسيين -اللُبّ الداخلي الصلب والخارجي السائل- يدوران بسرعات مختلفة، فيتولد عن هذا الدوران تيارات كهربائية ينشأ عنها المجال المغناطيسي للكرة الأرضية.
يعتبر المجال المغناطيسي للأرض أحد الأشياء التي تجعل الحياة على سطح هذا الكوكب ممكنة، حيث يحمينا من جميع أنواع الإشعاعات الفضائية، بما في ذلك الجسيمات المشحونة بشكل عالٍ والانفجارات الشمسية المستمرة.
كما يعمل المجال المغناطيسي على هيئة درع يحرف الإشعاعات الفضائية ويجبرها على تغيير مسارها لتنتشر حول الكوكب بدلًا من أن تصدمه بشكل مباشر؛ وهذا يفسر سبب عدم قدرة الرياح الشمسية على انتزاع غلافنا الجوي والذي يمثل أحد العناصر الضرورية للحياة.
أما إنْ برد لُبّ الأرض.. فلن تتولد أي تيارات كهربائية؛ وهذا يعني أنّ الأرض ستفقد مجالها المغناطيسي، وإن حدث شيء كهذا.. فيجب الاستعداد لجميع أنواع المفاجآت السيئة؛ لأنّ عدم وجود المجال المغناطيسي يعني عدم وجود الغلاف الجوي، وسنفقد الغازات اللازمة للتنفس، عندها لن يكون بإمكاننا التنفس من غير ارتداء بدلة الضغط وقناع التنفس. باختصار، ستبدو الأرض شبيهة بالمريخ تمامًا.
كما أنّ اللُبّ المجمد لن يتمكن من تسخين الصخور والماء والغازات والمواد الجيولوجية؛ لأن الأرض ستصبح أبرد شيئًا فشيئًا، كما سيقل معدل رمي البراكين للحمم، وسيتوقف ابتعاد القارات عن بعضها البعض، وستختفي الزلازل بالكامل (ويختفي مع هذه الأشياء دورها المؤثر في إعادة تدوير مادّة القشرة الأرضية)؛ وفي الحقيقة لا يمكن البقاء على قيد الحياة في كوكب كهذا لفترة طويلة.
على أية حال، فحتى إنْ تجمد الكوكب كليًا، وقرر أحد ما حفر ثقب عميق يصل إلى لُبّ الأرض.. فإنّ هذا اللُبّ -رغم فقده للحرارة بالكامل- إلا أنّ ضغطه لا يزال أعلى بمقدار (3.5) مليون مرة من الضغط على سطح الأرض، وهو كبير بما يكفي لضغط هذا الشخص -سيء الحظ- دامجًا إياه في مكونات لُبّ الأرض حرفيًا.