يدرس الفيزيائيون احتمالية أن ينتج اضمحلال النيترونات جسيمات غير معروفة والتي ربما تكون جسيمات المادة المظلمة
ترى كم تعيش النيترونات
جنبًا إلى جنب مع البروتون والإلكترون، يُشكل النيترون معظم الكون المرئي، فلا وجود لنوى الذرات المعقدة بدون وجود النيترونات.
لكن خارج نواة الذرة، يمكن للنيترون وبعد مدة زمنية متوسطها 15 دقيقة أن يتحلل إلى بروتون وإلكترون و نيترون، ولا يزال متوسط بقاء هذا الجسيم والذي اكتشف منذ أكثر من 80 عامًا لغزًا مفتوحًا.
ويدور النقاش بين العلماء حاليًا حول العمر الدقيق للنيترونات، حيث تقترح أبحاث جديدة بأنّ هذا اللغز ربما سيتم حلّه إذا قامت النيترونات في وقت ما بالاضمحلال لتُشكل جزيئات المادة المظلمة، والتي يُعتقد بأنها هذه المادة غير المرئية تُشكل أربع أخماس المادة الموجودة في الكون، وتجري حاليًا عدّة أبحاث مُحاولة حلّ هذا اللغز.
حاليًا توجد طريقتان مختلفتان لتحديد عمر النيترون وهما:
– الطريقة الأولى: يضع العلماء كمية من النيترونات داخل عبوة شديدة البرودة ويراقبوا كمية النيترونات التي تبقى بعد مرور فترة معينة من الزمن.
– الطريقة الثانية: يُحلل العلماء في هذه الطريقة شعاع من النيترونات ليراقبوا كيف يضمحل هذا الشعاع إلى بروتون بمرور الوقت والمكان.
تقترح طريقة تحليل شعاع النيترون (وبشكل مستغرب) أنّ معدل بقاء النيترونات حوالي (888)، أي ما يزيد بحوالي (9) ثواني من طريقة عبوة النيترونات، وقد قال كبير مؤلفي الدراسة (بنجامين غرينشتاين)، رئيس قسم الفيزياء في جامعة كاليفورنيا-سان دييغو: ( يطرح اختلاف نتائج قياسات مدة حياة النيترون بين طريقتين مختلفتين سؤال مزعج للعلماء مفاده: هل فهمهم الأساسي لقوانين الفيزياء خاطئ؟).
اقترب الفيزيائيون بعد عقود من ضبط هاتين التجربتين من استنتاج أنه لا يوجد سبب لنشوء هذا التناقض من القياسات السيئة لتلك التجربتين، وقال(غرينشتاين) مُعلقًا على ذلك : ( لقد بقي لدينا خيار واضح بأننا بحاجة إلى التركيز حول كيفية تغيير قوانين الفيزياء وذلك بشكل جوهري).
المادة المظلمة ومصير النيترون:
يقترح الباحثون الآن أنه تقريبًا خلال 1% من الوقت اللازم يضمحل النيترون مُنتجًا بضع جسيمات معروفة ومُنتجًا أيضًا جسيمات المادة المظلمة، مما يُقدم تفسيرًا لواحد من أعظم الألغاز العلمية.
تم اقتراح وجود المادة المظلمة لتفسير عدة ألغاز كونية على سبيل المثال لماذا تدور المجرات بسرعاتها الحالية دون أن تتمزق، لقد استبعد العلماء جميع أنواع جسيمات المادة العادية لتكون هي المادة المظلمة (وذلك في حال وُجدت هذه المادة)، وقد أجمعوا أنّ المادة المظلمة تتكون من جسيمات خاصة جديدة تتميز بالتفاعل الضعيف مع المادة العادية.
لقد كانت التجارب العلمية تُركز على اضمحلال النيترونات إلى بروتونات فإنها لم ترتقِ إلى احتمالية اضمحلال النيترونات لانتاج جسيمات المادة المظلمة، وبالتالي قدمت التجارب معدلات لبقاء النيترونات أعلى من تجربة العبوة.
وقال (بارتوز فورنال) وهو فيزيائي نظري في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو:( سيكون من الجيد إذا تحولت النيترونات إلى جسيمات قد تستخدم لسبر مجال المادة المظلمة في الكون).
لقد اكتشف العلماء عدة سيناريوهات “للاضمحلال المظلم” للنيترون، وذلك عندما يتفكك النيترون إلى جسيمات المادة المظلمة وجسيمات المادة العادية مثل أشعة غاما أو إلكترونات، وقد قال (غرينشتاين): (إن جسيماتنا الجديدة المقترحة هي مظلمة، مثل المادة المظلمة والتي تتفاعل بشكل ضعيف مع المادة العادية).
لقد استلهم كل من (غرينشتاين) و (فورنال) أعمالهم مما يقرب من اثنتي عشرة دراسة بحثت في آثار هذا الاضمحلال، على سبيل المثال بحث الفيزيائي النووي (كريستوفر موريس) في مختبر لوس ألاموس الوطني في نيومكسيكو وزملاؤه عن أشعة غاما في عبوات النيترونات الشديدة البرودة لكنهم لم يستطيعوا أن يلتقطوا أي شيء كشفته أجهزتهم.
هل تنتج النجوم النيترونية المادة المظلمة؟!!
لقد ركزت تجارب أخرى على النجوم النيترونية، وهي عبارة عن تجمعات كثيفة من المادة والتي ربما قد تشكلت بموت نجم عملاق.
وأشارت عالمة فيزياء الجسيمات النظرية (جيسي شيلتون) في جامعة إلينوي إلى أنّ النجوم النيترونية لا تنهار لتشكل ثقوب سوداء، ويعود ذلك إلى أنّ جاذبتيها ليست قوية لتحطم النيترونات، وعلى كل حال إذا كانت النيترونات تضمحل لتشكل المادة المظلمة، فإنّ النجوم النيترونية تستطيع ذلك عبر جاذبيتها الخاصة، وربما يعني هذا أنّ النجوم النيترونية بكتلة تعادل 70% من كتلة الشمس تستطيع أن تنهار لتصبح ثقوب سوداء وهذه الكتلة أقل بكثير من التقديرات السابقة لتشكل الثقوب السوداء.
وجاء تفسير محتمل لهذه الإشكالية من إشارة سابقة لـ (شيلتون) عندما شرح بأنه اذا اضمحلت النيترونات لتشكل المادة المظلمة فإنها سوف تُشكل على الأقل نوعين آخرين من الجسيمات وسيمنع التفاعل بين هذه الجسيمات الجديدة انهيار النجوم النيترونية الكبيرة لتصبح ثقوب سوداء، ويقول (شيلتون): ( تقترح مشاهدتنا الحالية للنجوم النيترونية بأنها تضمحل لتشكل جسيمات المادة المظلمة).
ربما ستكون تجارب أخرى عالية الدقة الخاصة بتحليل خصائص النيترونات مثل تجربة بيركيو الثالث في معهد لاو-لانجفين في غرونوبل، بفرنسا قادرة على البت حول احتمالية وجود اضمحلال مظلم للنتيرون.
كما ستختبر تجربة أخرى اضمحلال النيترون ضمن النوى الذرية، حيث قال الفيزيائي النووي ماريك بفوتزنر في جامعة وارسو في بولندا، إنّ التجربة المقرر إجراؤها هذا الصيف في منشأة شعاع النواة المشعة ISOLDE في جنيف ستحاول مراقبة البروتونات المنبعثة في شكل بيريليوم -11.
وقال بفوتزنر:( إذا استطعنا رصد كمية كافية من النيترونات فإننا سنُحدد بدقة الاضمحلال المظلم، ولكن إذا لم نرصدها فإنّ إثارة هذا الموضوع ستنمو).