ما المقصود بنظرية الانفجار الكوني العظيم ؟ وكيف تم الوصول إليها ؟
س-ما المقصود بنظرية الانفجار الكوني العظيم ؟ وكيف تم الوصول إليها ؟.
أولا : تم الوصول إلى نظرية الانفجار الكبير عن طريق التمدد الكوني ، و ترجع بدايات فكرة تمدد الكون إلى العالم الفيزيائي الألماني جوستاف كيرشوف Gustav Kirchhoff الذي تحقق من أن أية جسم مادي (ومنها النجوم) سيصدر منه ضوء أو إشعاع عند تسخينه تماماً مثلما يتوهج الفحم بالتسخين ، وسبب صدور ذلك الضوء هو الحركة الحرارية للذرات التي داخل هذه الأجسام.
قدّم العالم البلجيكي جورج لومتر Georges Lemaître الفرضية التي أصبحت لاحقًا نظرية الانفجار العظيم سنة 1927 م. ومع مرور الوقت، انطلق العلماء من فكرته الأولى حول تمدد الكون لتتبُّع أصل الكون ، وما الذي أدى إلى تكوّن الكون الحالي.
في الربع الأول من القرن العشرين، بدأ العلماء في رصد النجوم خارج مجرتنا (درب التبانة) فاكتشفوا شيئاً غريباً ، وجدوا أن النجوم في المجرات الأخرى تصدر ضوءاً ذا نفس النسق بالنسبة للألوان الغائبة كما في مجرتنا لكنها جميعاً ذات تردد (إزاحة) نحو النهاية الحمراء للطيف بالمقدار النسبي نفسه تقريباً ، وتسمى تلك الإزاحة (إزاحة اللون أو التردد) بظاهرة دوبلر Doppler effect وكلما ابتعدت عنا موجات الضوء فإنها تظهر أقصر وكلما اقتربت عنا تظهر أطول (تماماً مثل إنه عندما يقترب صوت القطار منك تشعر بحدة الصوت أكثر وعندما يبتعد تظهر وكأن الموجات الصوتية تقل حدتها إلى أن تتلاشى تماما) وفي حالة الضوء ، لو ابتعد عنا مصدر الضوء فسيعنى ذلك أن طول الموجة سيزداد وبالتالي فإن طيفه سيزاح تجاه النهاية الحمراء للطيف.
وكان العلماء قبل إدوين هابل Edwin Powell Hubble يظنون أن المجرات تتحرك بشكل عشوائي تماماً ولذلك توقع هابل عند رصده للمجرات الأخرى أن يجد عدداً متساوياً (أو متقارباً) من الإزاحات الحمراء والزرقاء.
وكانت المفاجأة عندما اكتشف أن معظم المجرات لها إزاحات حمراء وهي ما اطلق عليها ظاهر الإزاحة الحمراء Red shift وبالتالي أُستنتج أنها تتحرك بعيداً عنا!!
والمفاجأة الأكبر والتي نشرها إدوين هابل عام 1929 هي أن حتى مقدار الإزاحة لم يكن عشوائياً وإنما كان يتناسب مع بعد المجرة عنا!! فكلما زاد بعد المجرة عنا كان تباعدها أسرع! وذلك ببساطة يعني أنه يستحيل أن يكون العالم ساكنا أولايتغير حجمه كما كان يُعتقد ، لكنه يتمدد ويتسع بالفعل وتتزايد المسافات بين المجرات مع مرور الزمن و أن كل الأجرام تتحرك متباعدة عن بعضها البعض .
العجيب في الأمر أن أينشتين Albert Einstein يعتبر من الأوائل الذين توصلوا إلى أن الكون يتمدد حيث كانت معادلاته تشير إلى التمدد الكوني و أنه ليس ساكنا كما كان سائدا آنذاك ، إلا أنه ليتغلب على ذلك أدخل في معادلاته “ثابتاً” معينا أطلق عليه الثابت الكوني cosmological constant والذي كان يكافئ في نظره قوى الجاذبية التي تريد أن تقلص الكون!!
على الرغم من أن العلماء الآن يذهبون إلى حتمية وجود ذلك الثابت ولكن يبدو أن أينشتين ندم على تسلط فكرة ثبات الكون عليه في ذلك الوقت وسمى هو ذلك الثابت الخطأ الأعظم .
والغريب في الأمر أن معدل تمدد الكون (عجلته) لا تتباطأ بل على العكس هو في تسارع، ووجه الغرابة في ذلك أن تأثير مادة الكون (من نجوم ومجرات وأجرام وحتى مواد داكنة) كان لابد وأن يؤدوا إلى تباطؤ ذلك التمدد.. وهذا التوسع الكوني يعني أننا بالعودة للخلف سنصل إلى نقطة البداية التي منها تكون الكون وهي ما تسمى بالمفردة singularity ، ولقد منحت جائزة نوبل في الفيزياء لثلاثة علماء عن دورهم في فهم تمدد الكون. وأعلن المعهد السويدي المسؤول عن الجائزة فوز كل من «سول بيرلماتر Saul Perlmutter » و«أدم ريز Adam G. Riess » من الولايات المتحدة، و«براين شميت Brian P. Schmidt » من أستراليا بالجائزة. وطور الثلاثي نظرية تدعى 1a supernova والتي اكتشفوا من خلالها أن الكون يتمدد بسرعة أكبر مما كنا نتخيل وبشكل مطرد وسريع.
ورغم انقسام المجتمع العلمي يومًا بين نظريتي تمدد الكون بين مؤيد لنظرية الانفجار العظيم، ومؤيد لنظرية الحالة الثابتة، إلا أن التأكيد بالملاحظة والرصد على صحة سيناريو الانفجار العظيم جاء مع اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون cosmic microwave background radiation سنة 1964 م، واكتشاف أن طيف تلك الخلفية الإشعاعية يتطابق مع الإشعاع الحراري للأجسام السوداء Black body radiation . منذ ذلك الحين، أضاف علماء الفيزياء الفلكية إضافات رصدية ونظرية إلى نموذج الانفجار العظيم، وتمثيلها الوسيطي كنموذج لامبدا-سي دي إم Lambda-CDM model الذي هو بمثابة إطار للأبحاث الحالية في علم الكونيات النظري.
ثانيا :
بعد ما وضحناه بالأعلى أصبحت نظرية الانفجار العظيم Big Bang هي النظرية السائدة في الوسط العلمي اليوم حول نشأة الكون ، و يمكننا تلخيص فكرة النظرية باختصار بأن الكون كان في الماضي عبارة عن جزء واحد يطلق عليه العلماء اسم – مفردة singularity – ذات حجم ضئيل جدا أقل من حجم الذرة ، و ذات ضغط و كثافة عاليين و ذو درجة حرارة عالية جدا تصل إلى مليار درجة مئوية تقريبا ، حيث ينهار عندها كل شيء و تذوب مكونات الكون في هذا الجزء الضئيل نظرا لانضغاطه الشديد و درجة حرارته العالية و كثافته الشديدة ، وعند لحظة معينة انفجر هذا الجزء –المفردة – لكن هذا الانفجار ليس كالانفجار الذي نعهده حيث تتشتت الأجزاء و تتبعثر في مختلف الاتجاهات ، ولكن العجيب أنه انفجار ذو دقة عالية حتى قال العلماء أنه لو اختلفت نسبة التمدد التي عقبت الانفجار بحيث زادت بنسبة جزء من مليون في مليار (0.00000000000000001) أي واحد بعد خمسة عشر صفرا من العلامة العشرية لتبعثرت أجزاء الكون و لما سُمِح له بالوجود ، و لو قلّت نسبة التمدد بنفس المقدار لانهار الكون على نفسه وما تكون ، فنجد هناك توازن دقيق للغاية بين كثافة الكون وبين سرعة تمدده ، و هذا آلان جوث Alan Guth فقد توصل أيضا إلى نتائج مذهلة للغاية . إذ توصل إلى أن الدقة في سرعة تمدد الكون تصل إلى نسبة 1 إلى 10قوة 55 ، و لقد قام الفيزيائي الشهير بول ديفيز Paul Davies بإجراء أبحاث عديدة للتوصل إلى إجابة عن هذا السؤال وانتهى إلى نتيجة مدهشة وهي أنّ أي تغير في سرعة تمدد الكون مهما كان ضئيلا حتى لو كان بنسبة 1 إلى مليار مليار أو 10/1 قوة 18 لما استطاع الكون أن يظهر إلى الوجود. وبناءً على قياسات التمدد مقارنةً بنموذج مستعر أعظم من النوع أ وقياسات التقلبات الحرارية في الخلفية الإشعاعية للكون وقياسات الارتباط بين المجرات، أمكن حساب لحظة الانفجار العظيم بنحو 13.798 ± 0.037 مليار سنة ، تُقدّم نظرية الانفجار الكبير شرحاً وافياً لمجموعة واسعة من الظواهر المرئية، بما في ذلك وفرة من العناصر الخفيفة والخلفية الإشعاعية للكون والبنية الضخمة للكون وقانون هابل ، جدير بالذكر أن نظرية الانفجار العظيم لا تقدم أي شرح للحالة الأولية للكون ، بل تصف وتفسر التطور العام للكون منذ تلك اللحظة. فاللحظات الأولى -أعني أجزاء الثانية الأولى – للانفجار العظيم مبهمة ولا تزال مجالاً للبحث من قبل العلماء .
المراجع
https://map.gsfc.nasa.gov/universe/
التاريخ أكثر إيجازا للزمن – ستيفن هوكينج و ليونار مولندينوف .
www.astro.ucla.edu/~wright/cosmology_faq.html#BBevidence
الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون – ستيفن واينبرج .
https://sdcc3.ucsd.edu/~ir118/GibsonAbstract.pdf
https://www.nobelprize.org/…/physi…/laureates/2011/press.html
Carl H. Gibson (University of California at San Diego)
(Submitted on 1 Oct 2001 (v1), last revised 16 Oct 2001 (this version, v3))