مصادر تمويل القنوات التلفزيونية
هل تساءلت يومًا عن مصدرِ تمويل القنوات التلفزيونية؟
تتنافس القنوات التلفزيونية فيما بينها مستخدمةً أساليبَ وطرقٍ مختلفة في “برمجتها التلفزيونية”؛ لاستقطاب أكبرَ قدرٍ ممكنٍ من الجماهير، أو على الأقلِ المحافظة على جمهورِهَا الخاص؛ لذا تلجأ هذه القنوات إلى الدراسات الميدانيَّة المسحِيَّة –غالبًا-؛ لتحاول من خلالها معرفة الخصائص الاجتماعية والثقافية والاستهلاكية للجمهور المستهدف. “البرمَجَةُ التِّلفِزيُونِيَّة” لا ترتبط بزمنٍ فحسب، بل ترتبطُ بشكلٍ أساسِي بطبيعةِ الجماهيرِ المستهدفةِ (خصائِصَهَا النَّفْسِيَّة، والسوسيوثقافيَّة، مستواها العلمي، وتصوراتِهَا الجمالية والفنِيَّة)؛ لتصل الموادُ التلفزيونيَّةُ إلى المتلقي في صورتها، وتوقيتها المدروسَينِ الملائمين، ممَّا يضمن نجاحَ المؤسسةِ التلفزيونية. تلجأ القنوات التلفزيونية العربية للاستثمار –غالبًا-، خاصةً في الميادين التي تحققُ ربحًا ماديًا في جذبِ المعلِنينَ: في مجالي السينما والموسيقى عن طريق:
برامج المسابقات الاستعراضية، وبرامج تلفزيون الواقع، والتعارف، والزواج، والشعوذة. القنوات التلفزيونية تزيد المعارفَ الإنسانِيَّةَ، كما تحملُ جانبًا من التنوع في المضمون، إضافةً إلى تقديم أهمِ الاخبار وأحدثها وما يجري في العالم للمشاهد، وتسهيلِ تبادل المعلومات والثقافات، أيضًا تعملُ على إقصاء الثقافَات المحليَّة، وإحلال الثقافات الأجنَبيَّةِ مَحَلها، وإبراز هيمنتِها بسبب قوة التأثير، فيؤدِّي ذلك إلى التأثير بشكلٍ سَلبي على التنشِئَةِ الاجتماعيَّة وتغيير القِيَم وتبديلِ السلوكِ المجتَمَعِي، وتساعد في نشر الانحلال، والترويج للسلوك العدواني والعنف، والأكثر أهميةً القيام بالترويج لأهداف ومضامين تتفق و”أيديولوجية” وميول أصحابها، وتَعمَدُ إلى تضليلِ وعِي الأفرادِ تجاه بعض القضَايا المستهدَفَة، وتشوِّه بعض المعلوماتِ والصُّورِ، وَتقلب الحقائقَ لتتناسب مع “أيديولوجية” الأنظمة المسيطرة عليها. إنَّ وضعَ تمويل القنوات الفضائية العربية هو نفسه وضع المِلْكِيَّةِ (فيكون توجه القناة وفقًا لفكر واتجاه مَن يتملكها)، بيد أنَّ مصادر تمويلها يكتنفها الغموضُ أيضًا؛ لأنَّ التمويل والملكية مرتبطان، فالملكية تعني: التمويل في جزء منها، والتمويل يدلُّ على المِلكية في أحدِ جَوانِبِه.
تتولى الحكومات تمويل القنوات العامة إلى جانب ما تحصل عليه من أموال الرسومِ الضريبيةِ المُخصصة للإذاعة والتلفزيون، ومن مصادر التمويل الذاتي: (الإعلانات الجارية، ورعاية البرامج، والمشاركات الهاتفية، والبرامج المُباعَة، وشراء المعدات … الخ).
أمَّا القنوات الخاصة فتملِكُهَا وتديرُها رءوسُ أموالٍ عربيةٍ، ولئن كان بوسعنا الاطلاع على بعض مكونات ميزانية القنوات العامة ومصادر تمويلها الحكومي والذاتي، فإن هذه المعلومات تكاد تكونُ معدومةً عندما يتعلق الأمر بقنوات القطاع الخاص مفتوحةً كانت أم مُشفَّرَة، كذلك يجب أن نميز بين القنوات المشفَّرة القائم تمويلها على أجهزة “فك الشفرة” وبين القنوات الخاصة المفتوحة التي تخوضُ غمارَ منافسةٍ شديدةٍ للفوز بالمشاهد، والقنوات التلفزيونية الخاصة تختلف عن العامة بأنها:
1- تقدِّمُ برامجَ أجنبيةً، أو نسخًا جديدةً لألعابٍ تلفزيونية أصلها غربي.
2- تقَدِّمُ عبرَ برامجه رموزًا للثقافةِ الغربِيَّة، ويبعد عن خصوصيات الوطن، خلاف القنوات التلفزيونية العامة، التي تراعي قيم ومبادئ مجتمعاتها.
3- تستقطاب الجماهير باعتبارها وسيلةً لإذاعة الصيت والشهرة، وبالنسبة لها فالمجتمعات ليست سوى سوقٍ تِجارية.
4- تعتبر المادة التلفزيونية أو البرنامج التلفزيوني سلعةً أو منتج، ولا تهتم بالقيم ولا بالثقافة ولا بالتربية، بل يهمها السعرُ، والترفيه، والتسلية، والذوق العام. عمومًا يمكننا تحديدَ عددٍ من المصادرِ التي تُمَوِّلُ القنوات العربية الفضائية، وهي كالتالي:
أولًا: دعم مالكي الفضائيات العربية: أُطلِقَت الكثيرُ من الفضائيات العربية في سماء الوطن العربي، بعضها له عدة مصادر تمويل، وبعضُها الآخر أكبر مصدر تمويل بالنسبة له هو: تمويل الجهة التي كانت وراء وجودها.
ثانيًا: الإعلانات التجارية ورعاية البرامج: أصبح الإعلان التجاري يمثل مصدرًا هامًا من مصادر تمويل القنوات الفضائية العربية، وقد تطور الإعلان التجاري حتى أصبح راعيًا رئيسًا لجميع البرامج الناجحة والرياضات التي تجذب عددًا كبيرًا من المشاهدين، وتنشأ الرعايةُ للبرامج عن طريق اختيار برنامجًا له نوعٌ مستهدفٌ من الجمهور، وبعض المعلنين لا يهمهم إلا العدد الأكبر من المشاهدين، وكلما ازداد عدد المشاهدين كان محتويًا على نسبة أكبر من الجمهور المستهدف.
ثالثًا: الهبات والتبرعات:
تستقبل بعض القنوات العربية المساعدات المالية في صورة هباتٍ وتبرعات من مؤسسات وشركات تجارية أو اجتماعية، ومما لا شك فيه أنَّ هذا الدعم له أهداف قد تكون معلنةُ، وفي أحيانٍ كثيرة يسودها التكتم والسرية.
رابعًا: عائدات تأجير الأجهزة والمُعِدَّات: نظرًا لتكاليف العمل الباهظة، تتجه بعض القنوات الفضائية العربية إلى البحث عن مواردَ وعائداتٍ جديدة؛ كَي تُؤَمِّنَ لها الاستمرار في العمل الإعلامي، والبقاء وسط الفضائيات العربية؛ لذا لجأت بعض الفضائيات لتأجير معداتها وأجهزتها الخاصة بالعمل الإعلامي لشركات ومؤسسات إعلامية أخرى، مثل: الكاميرات، وأجهزة المونتاج، وأجهزة الإرسال التلفازي عبر الأقمار الصناعية.
خامسًا: الاشتراك في نظام الكيبل (التلفزيون المدفوع): في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي تزامنًا مع انطلاقة عددٍ من القنوات الفضائية العربية إلى حّيِّزِ الفضاءِ العربي، أحجمت بعضُ الدول العربيَّة عن الانضمام إلى قائمة (الدول المُستَخدِمَة للبث الفضائي المباشر)؛ فمنعت مواطنيها من اقتناء الصحون اللاقطة (Dish) التي تستقبل البث التلفزيوني المباشر من الأقمار الصناعية دون هوائيات وسيطة تابعة للدولة -كما كان الحال سابقًا-، لكنها في ذات الوقت وفَّرَت عددًا من القنوات الفضائية العربية والأجنبية لمَن يرغب في استقبالها عن طريق خط اتصالي “كيبل” (Cable)، أو ما يسمى بنظام “التلفزيون المدفوع” ، فتنقل الشركة الموَفِّرَة لهذه القنوات عددًا من القنواتِ التي يرغب المشاهدُ في استقبالها عبر خط الاتصال مقابل اشتراكٍ شَهرِي أو سَنَوِي يدفعُهُ المشاهدُ للشركةِ المُوَفِّرَة للخدمة.
سادسًا: عائد الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة (sms): تعمَدُ كثيرٌ من القنوات الفضائية العربية إلى إنتاج برامجَ ومسابقاتٍ لا تخاطب -في معظم الأحيان- عقل وفكر المشاهد العربي، بل تسعى للسيطرة على مشاعره، وتحفيز رغبة الثراء السريع لديه، عن طريق إشراكه في هذا “البرنامج” أو في هذه “المسابقة” بزعم ربح الآلاف من الدولارات أو الريالات أو الدنانير أو تدعوه لربح بيت الاحلام أو السيارة الفاخرة إلى غير ذلك من الإغراءات التي تدفع بالكثير من المشاهدين العرب ” المخدوعين” إلى التهافت على الاتصال بالأرقام التي توفرها الفضائيات عبر شركات الاتصال المتواطئة -غالبًا- معها أو بإرسال رسائل قصيرة عبر هذه الشركات نفسها أوغيرها.
سابعًا: بيع منتوجاتٍ إعلامِيَّة: في إطار سعيها لتأمين مصادرها المتعددة للتمويل، تقوم بعض الفضائيات العربية ببيع المنتوجات إعلاميًا بطرق كثيرة منها: (مقابلات تلفزيونية مشهورة أجريت في ظروف صعبة، أو برامج وثائقية من إنتاجها، أو كتب تم إعداد محتواها في استوديوهاتها، أو صورًا وتقاريرَ خاصة من انتاجها … إلخ).
ثامنًا: تلقي الدعم من مؤسسات دينية وأحزاب سياسية: تتلقى بعض القنوات الفضائيَّة العربية دعمًا ماليًا من المؤسسات الدينية العربية والأجنبية، وتحصل قنوات فضائية عربية أخرى على مساعدات من بعض الأحزاب السياسية العربية في بلدها الذي تبث منه هذه الفضائيات -كما هو الحال في العراق مثلًا-. نشير إلى أنَّ كثيرًا من الفضائيات العربيَّة تعتمدُ على أكثرِ من مصدرٍ من مصادرَ التمويلِ التي ذكرناها سابقاً، كما تسهم العديد من الشخصيات العامة والمؤسسات التجارية وأصحاب المال والأعمال والجماعات السياسية في تمويل القنوات العربية الخّاصَّة، وفي المقابل تتيح هذه القنوات لهم الإعلان عن أنفسهم والدفاع عن مواقفهم ودعم أعمالهم.