كما هو معروف، الهوائي أداة تُحوِّل التيار الكهربائي إلى موجة كهرومغناطيسة تُبَث في الهواء وذلك في حالة الإرسال، أو أداة تُحوِّل الموجة الكهرومغناطيسية إلى تيار كهربائي في حال عمله مستقْبِلًا. تتعدد الهوائيات في أنواعها وأشكالها وأحجامها وتطبيقات استخدامها. معظم أنواع الهوائيات تبث الموجات الكهرومغناطيسية حولها في أغلب الاتجاهات، أي إنها قليلة الاتجاهية. بمعنى أن المساحة السطحية التي يغطيها الشعاع الراديوي واسعة جدًّا، وكما هو معروف، فإن قوة الإشارة الراديوية عند نقطة ما تنخفض مع اتساع مساحة انتشار الشعاع وترتفع مع ضيقها. فالشعاع الراديوي في الصورة الأولى يشغل مساحة واسعة؛ ما يعني أن قوة الشعاع على نقطة ما في هذه المساحة ضعيفة مقارنة مع الصورة الثانية، حيث يشغل الشعاع مساحة ضيقة، ما يعني أن قوة الشعاع على نقطة ما في هذه المساحة أقوى مما هي عليه في الرسمة الأولى. إذًا، استنتاجًا نقول: كلما قلت الاتجاهية زادت المساحة التي يغطيها الشعاع، وبالمقابل انخفضت قوة الشعاع عند أي نقطة يغطيها هذا الشعاع.
ومن الأمثلة على الهوائيات قليلة الاتجاهية: الهوائي أحادي القطب monopole والهوائي ثنائي القطب dipole وهوائي الطبق dish. في المقابل، فإن هوائي الرقعة patch antenna هو أحد الأمثلة على الهوائيات ذات الاتجاهية العالية، كما بينا في مقالة هوائي الرقعة من هذه السلسلة. إضافة إلى علوّ اتجاهيته، هذا الهوائي يتمتع بحجم صغير ما يجعل استعماله سلسًا.
ثمّة تطبيقات تتطلب أن يبث الهوائيُّ الموجاتِ في جميع الاتجاهات، كأبراج محطات الإرسال التلفزيونية والإذاعية مثلًا؛ ولذلك يفضل في هذه الحالات استخدام هوائيات أحادية أو ثنائية القطب. ولكن بالمقابل، ثمّة تطبيقات تتطلب أن يكون البث باتجاه معين، واستخدام الهوائيات قليلة الاتجاهية في هذه التطبيقات يؤدي إلى ضياع جزء من القوة الكهربائية في الاتجاهات التي لا نريد البث فيها. في هذه التطبيقات يحبذ استخدام هوائيات عالية الاتجاهية، كهوائي الرقعة مثلًا.
ورغم ارتفاع اتجاهيته، ثمّة تطبيقات تتطلب أن يكون الشعاع أضيق بكثير مما يمكن أن يوفره هوائي الرقعة، ومن ثَمَّ علينا البحث عن سبل لرفع الاتجاهية إلى مستويات أعلى. من هنا تأتي أهمية مصفوفة الهوائيات.
مصفوفة الهوائيات تمكننا من تحقيق أمرين ضرورين:
الأول هو رفع الاتجاهية عما هي عليه في هوائي الرقعة.
والثاني هو التحكم باتجاه الشعاع والقدرة على توجيهه ليصيب بدقة نقطة جغرافية ما نسعى لإيصال البث إليها كما يحدث مع شعاع الليزر مثلًا (مثال للتقريب فقط).
بالطبع يمكن أن نستخدم الهوائيات أحادية القطب أو ثنائية القطب في تصميم مصفوفة الهوائيات أو حتى هوائيات الطبق، كما هو الحال في المراصد الفلكية التي تعمد إلى استقبال الإشارات الفضائية بدقة عالية، كما هو موضح في الصورة (3). إلا إن استخدام مثل تلك الهوائيات في تصميم مصفوفة صعب ومتعسر أحيانًا؛ لأن هذه الهوائيات كبيرة الحجم واتجاهية الهوائي المنفرد منها قليلة جدًّا كما ذكرنا، لذلك فإن اختيار نوع هوائي للمصفوفة يمتلك اتجاهية جيدة نوعًا ما منذ البداية يساعد المصفوفة على توجيه الشعاع بشكل أفضل ويسهل تصميم المصفوفة؛ لذا يُستخدَم هوائي الرقعة بكثرة في مصفوفات الهوائيات.
ما هي مصفوفة الهوائيات؟ [3]:
مصفوفة الهوائيات: مجموعة من الهوائيات مرتبطة مع بعضها وتعمل على أنها هوائي واحد لإرسال الموجات الراديوية واستقبالها. كل هوائي من هذه الهوائيات يعتبر عنصرًا في المصفوفة ويرتبط مع جهاز الاستقبال أو جهاز الإرسال بواسطة خط تغذية، يُتَحكَّم بقيمة (magnitude) جهد التغذية (voltage) وطوره (phase) لتوجيه الشعاع الراديوي المنبثق عن هذا الهوائي. يُجَمَّع الشعاع الراديوي المبثوث من كل هوائي بمفرده مع الأشعة المبثوثة من الهوائيات الأخرى فيحدث بذلك تراكب (superposition) راديوي. التراكب الراديوي يقوي إشارة البث في الاتجاه المزمع إيصال الإشارة إليه ويلغيها في الاتجاهات الأخرى كما هو مبين في الفيديو التوضيحي في المرجع [5]. الصورة (4) توضح آلية عمل المصفوفات الراديوية. وكما في حالة الإرسال، فإنه في حالة الاستقبال كذلك تُجمع الموجات الراديوية التي استلمها كل هوائي في المصفوفة داخل جهاز الاستقبال لتحسين جودة الإشارة المستلمة من الاتجاه المرغوب وحذف الإشارات المستلمة من الاتجاهات غير المرغوبة (حذف التداخل).
كلما زاد عدد الهوائيات في المصفوفة، يمكن إنتاج حزم ضيقة أكثر من الموجات الراديوية، إذ إن بعض مصفوفات الهوائيات تتكون من آلاف الهوائيات، مثل بعض الرادارات المستخدمة في تطبيقات عسكرية التي تطلب أشعة راديوية شديدة الاتجاهية.
تحسن مصفوفة الهوائيات فعالية نظام الاتصالات بشكل كبير وتقلل التداخل من الاتجاهات غير المرغوبة. عند التحكم بزاوية طور لخط تغذية كل هوائي، يمكننا التحكم باتجاه الإشعاع الرئيسي وتحريكه إلى الاتجاه الذي نرغب به من دون أن نحتاج إلى تحريك الهوائيات نفسها، بل بمجرد تغيير الأوزان التي تحدد المجهود الكهربائي لكل هوائي. تعتمد المسافة بين الهوائيات في المصفوفة على طول الموجة المستخدم للبث.
مصفوفة هوائيات الرقعة مجموعة من هوائيات الرقعة مرتبة مع بعضها. موقع كل عنصر في المصفوفة وزاوية الطور لكل هوائي تحدد خصائص المصفوفة. يكون أداء مصفوفات هوائيات الرقعة أفضل من أداء هوائي رقعة واحد بمفرده، إذ إن المصفوفة تزيد من مكسب الهوائي وتنتج عرض شعاع أضيق.
المصدر :
[1] A Brief Tutorial on Microstrip Antennas (Part 3)، here
[2] Design and Analysis of Microstrip Patch Antenna Arrays، Ahmed Fatthi Alsager، here
[3] Book: Fundamentals of Applied Electromagnetics.
[4]National radio astronomy observatory. Online here
[5] اليات استخدام نظام MIMO، الباحثون المسلمون : موجود هنا