معالجة المياه – الجزء الأول
لا يخفى على أحد مدى أهمية المياه في حياتنا اليومية وفي كافة المجالات على تنوعها واختلافها، إلا أنه يبقى الاستخدام الأكثر أهمية، والأشد حاجة، هو استخدامها في الشرب، كيف لا وقد سلّم العقل بذلك وأقره الشارع الحكيم كما جاء في سورة الأنبياء: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، لكن مهلاً، فليست كل مياه صالحة للشرب، فأثناء دورة المياه قد تختلط بما يسلبها نقاءها الأصلي، مما يدفعنا إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجتها وجعلها مناسبة للاستعمال.
تختلف أحوال الأمم والبلدان مع المياه، فمنهم من ينهل من معينها كما نزلت، وقد نجد ذلك في بعض المناطق النائية، ومنهم من يستخدمها بعد مراحل قليلة من المعالجة، وآخرون لا يستطيعون الاستفادة منها إلا بعد مراحل كثيرة من المعالجة، ويترتب على ذلك تكاليف باهظة، كل دولة بحسب حالها ومياهها، كما تتنوع غايات معالجة المياه، فمنها ما هو زراعي، ومنها ما هو صناعي، وآخر للاستخدام البشري، وبحسب ذلك تختلف مراحل المعالجة.
تتلخص قائمة بنك أهداف عملية المعالجة في المواد التالية:
– المخلّفات بأنواعها.
– المواد الصلبة.
– الجسيمات الغروية.
– العوامل الممرضة.
– المعادن الثقيلة (العناصر الكيميائية المعدنية ذات الكثافة العالية).
تبدأ المياه رحلتها بسحبها إلى أماكن المعالجة من قبل أنظمة مخصصة لضخ تلك المياه، بهدف إيصالها إلى المرحلة الأولى :
مرحلة التصفية (Screening of water) :
تُزال في هذه المرحلة العوالق الكبيرة نسبيًا بتمرير المياه من حاجز أو غربال (Screen) ، وتتابع حواجز التصفية عملها تدريجيًا على ثلاث مراحل: تصفية خشنة، ثم متوسطة، ثم دقيقة، تختلف الحواجز باختلاف التباعد بين قضبانها؛ فالخشنة ذات تباعد 40 ملم، والمتوسطة بين 10-40 ملم، والدقيقة أو الناعمة أقل من 10 ملم. وقبل الانتقال إلى المرحلة التالية تمر المياه بحجرات خاصة تدعى (Grit Chambers) لإزالة ما تبقى من الرواسب عبر عملية الطرد المركزي، ولمنع إتلاف المضخات وبقية الآلات في المراحل التالية الأكثر دقة.
ثم تنتقل إلى المرحلة التالية:
التخثر (Coagulation) :
في هذه المرحلة تضاف مواد كيميائية إلى المياه، فتسبب تجمع العوالق الأدق والتي لم يُتخلّص منها في المرحلة السابقة، تدعى تلك المواد باسم (Coagulants)، ومن أكثرها شيوعًا:
– كبريتات الألمنيوم المائية (Alum)
– كلوريد الحديديك (Ferric Chloride)
– كبريتات الحديديك (Ferric Sulphate)
– ألومينات الصوديوم (Sodium aluminate)
كما تعمل هذه المواد على إنتاج شحنات موجبة للمساعدة في تخثر العوالق أكثر فأكثر نظرًا إلى أن شحنتها تكون سالبة أصلًا مما يعيق تجمعها، ويتناسب تأثير المواد المضافة في إتمام العملية تناسبًا طرديًا مع كل من الشحنة الكهربائية وحجم الجزيئات لتلك المواد المضافة.
وتتأثر هذه العمليات بعدة عوامل:
– مقدار المواد الكيميائية المضافة.
– الأس الهيدروجيني أو درجة الحموضة (PH).
– مقدار العوالق أو الشوائب في المياه.
وقبل الانتقال إلى المرحلة التالية؛ تُجرى عمليةٌ بسيطة تعرف باسم التلبّد (Flocculation)، حيث تستخدم بوليمرات ذات وزن جزيئي مرتفع تسمى (Polyelectrolytes)، الهدف منها دفع الجسيمات المتخثرة إلى الالتحام مع بعضها لتكوين جسيمات أكبر، مما يسهّل ترسّبها في المرحلة التالية.
عادةً ما يستخدم (Coagulation) و (Flocculation) كمرادفين لبعضهما البعض، إلا أن هنالك فرقًا بسيطاً بينهما، وهو أن الأول تقلل فيه قوى الفصل بين الجسيمات فتتشكل منها تكتلات، ثم في عملية (Flocculation) تجتمع تلك التكتلات مكونةُ جسيمات أكبر حجمًا وبسرعة أقل من الأولى.
المرحلة الثالثة: الترسيب (Sedimentation) :
هي عملية ترسب المواد التي تخثرت أو تجمعت مع بعضها في المرحلة السابقة أسفل الخزانات تحت تأثير جاذبيتها نظرًا لارتفاع كثافتها النوعية (Specific Gravity)، وفي هذه المرحلة يقلّل تركيز المواد الصلبة بهدف جعل المرحلة التالية (Filtration) أكثر فاعلية.
ويوجد نوعان من خزانات أو أحواض الترسيب:
أحواض مستطيلة: يتدفق فيها الماء باتجاه واحد موازٍ لطول الحوض، وهي الأفضل من الناحية العملية حيث أنها أكثر استقرارًا من الناحية الهيدروليكية (أي الخواص الميكانيكية للمياه)، كما أن التحكم بها أسهل عند وجود كميات كبيرة، ولذلك تُبنى بشكل طابقي أحيانًا (أي عدة خزانات فوق بعضها البعض).
أحواض دائرية: وهي اقتصادية أكثر من الأحواض المستطيلة، إلا أنها أقل كفاءة من المستطيلة، ويكون اتجاه المياه فيها من المحيط باتجاه المركز.
ثم تنتقل المياه إلى المرحلة التالية، والتي سنكملها في المقال القادم –إن شاء الله-.
إعداد: خالد سرور
تدقيق: أسامة الدبس
تصميم: خالد ابداوا