لأي حوار مفاتيح تنظم نجاحه – وتقود صاحبه في أفضل طريق لبلوغ المطلوب – وسوف نستعرض معكم الآن أهم وأشهر هذه المفاتيح للإفادة … وقبل استعراض نقاط ضعف الإلحاد وصوره المختلفة غدا بإذن الله
لا شك أنه ليس كل مخالف في الدين يقع في دائرة واحدة – وإنما هناك دوائر وتصنيفات مختلفة – وعلى أساسها سينبني الحوار وطريقته ومستواه – فمثلا .. هناك مخالف متشكك في الدين ولكنه يطلب الحق – فهذا يمثله بعض الشباب المسلم أو غير المسلم (كبعض النصارى مثلا) الذين لديهم شبهات أو أفكار مغلوطة عن الإسلام ويريدون بيان الحق فيها – وهؤلاء في مرحلة الشك هذه لا يفرق كثيرا تصنيفهم لأنفسهم في خانة الإلحاد أو اللادينية أو اللا أدرية أو غيرها – فحوار كل فئة منهم يكون له طريقته ونقاط ضعفه كما سنعرضها فيما بعد – لكن المقصود هنا أن ذلك النوع يتطلب رأفة وحلم وصبر على أذاه أو ألفاظه طمعا في أن يستمع لأكبر قدر ممكن من الحق الغائب عنده – ويفضل أن يكون الحوار خاصا بعيدا عن الناس حتى لا تحرجه أو تحرج جهله أو تدفعه نفسه للعناد – فمثله مثل المريض في أيدي الطبيب – فقد يتلوى بل وقد يضرب الطبيب نفسه أو يصيبه بالأذى – لكن الطبيب الصادق يصبر ويحتسب
وفي المقابل :
هناك نوع آخر يكون غارقا في الغرور النفسي والعلمي – لو تسمع كلامه أو تقرأه تشعر أنه عالم من العلماء وخبير من الخبراء – وفي الحقيقة هو ليس بشيء – وخصوصا إذا كنت أنت كمحاور له : على الاطلاع الشرعي والعلمي الكافي – فالحق أبلج واضح تعرفه العقول والقلوب مهما حاولوا إخفاءه والباطل لجلج مضطرب مهتريء مهما حاول صاحبه تلميعه أو ترهيب الناس منه – ومثل هذه الحالة تتطلب حوارا قويا ييركز في أوله على أكبر نقاط الضعف عند المخالف ليبين له مدى تهافت فكره ومذهبه وأقواله – والغرض من هذه القوة في البداية والصلابة هي كسر حدة الغرور في نفسه – وخاصة إذا كان أمام متابعين مغرورين به ومخدوعين ببهرجه الزائف – ولكن هذا النوع من الحوارات الذي يتطلب قوة : ينبغي له محاور متمكن – وسواء كان أمام الناس أو بينك وبينه على الخاص أو في حوار شخصي : فعليك التحلي بالأدب الشديد وأنت تحرجه وتقصم باطله أمامه – وذلك لسببين – الأول : أن الحق ليس في حاجة إلى التطاول أو السب والشتم إلخ – والثاني : حتى لا تعطيه فرصة للتهرب من الحوار متحججا بأسلوبك أملا في أن يوهم المتابعين أنه ترك الحوار لفظاظة أسلوبك وليس لأنه لا يستطيع الرد !!
كما أشرنا منذ قليل : بعض أنواع الحوار تتطلب خبرة خاصة وتمكن (مثل الحوار مع مغرور متعالم أو مثل المناظرات) – ولكننا نعمم أكثر من ذلك فنقول : أنه ليس من الحكمة أبدا أن يخوض الحوار في الدين أو مع المخالفين : من ليس لديه أدنى مؤهلات في العلم الشرعي أو الطبيعي !! وذلك لأكثر من سبب – منها : أنه قد يضر الإسلام إذا ظهر بصورة الجاهل الذي يتلاعب به الملاحدة ولا يستطيع الرد !! سواء كان ذلك في حوار مع متشكك على الخاص فيزيد حالته سوءا بعد أن يظن أن الإسلام (عاجز) عن الرد في صورتك !! أو سواء كان على العام حيث ينطبع لدى المتابعين نفس الصورة للأسف عن الإسلام ومدى ضعفه والمتمثلة فيك !! وهناك سبب آخر وهو أنك قد تضر نفسك أيضا !! فكم من مراهق مسلم أو شاب كان بداية إلحاده هو دخوله معتركات حوارية مع ملحدين وغيرهم : رغبة في الدفاع عن دينه ومقدساته التي يسبونها جهارا (وهذا يعطيكم صورة لماذا يتعمدون الاستفزاز وسب المقدسات ؟ لكي يوقعوا بأمثال هؤلاء للأسف) – إذ بعد أن دخل مواقعهم أو صفحاتهم أو حساباتهم : يجد نفسه يتأثر بالمزيد والمزيد من الشبهات التي تؤثر فيه لجهله وعدم تأهله للرد !! فتكون النتيجة في النهاية وقوعه فريسة لهم للأسف – مثله مثل الذي يدخل معركة بالحمية والحماسة ولكن من دون سلاح ولا درع !! فإن لم يصيب نفسه بالضرر فسيشوش على إخوانه ويضرهم – وهناك سبب آخر وهو أنه بجهله قد ينكر أحاديث صحيحة فقط لعدم معرفته الرد على الشبهات حولها !! فيقول لك أنها ضعيفة وهي في أعلى درجات الصحة !! أو يهتم بالرد على شبهات معتمدة على أحاديث أو روايات ضعيفة وهو لا يعرف !! فيتكلف من الردود كل غريب وعجيب في حين كان يكفيه فقط بيان ضعفها أو عدم صحتها !! وهكذا ….
إذن …
لا يخوض مثل هذه الحوارات إلا من ملك على الأقل معرفة شرعية كافية وكذلك بالعلوم الطبيعية – أو قراءة حوارات ناجحة ومناظرات والتعلم منها والبحث فيما تم ذكره فيها – أما من الناحية الشرعية فعلى الأقل يقرأ تفسير القرآن كله ولو مرة واحدة من أحد التفاسير المعتبرة لأهل السنة والجماعة (وسنعرف لماذا أهل السنة فيما بعد دونا عن غيرهم) – مثل تفسير الشيخ أبي بكر الجزائري أو تفسير السعدي – وكذلك قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم للوقوف على حياته وحقيقة شخصيته – لأن ذلك يفيد جدا في معرفة مدى بطلان الشبهات التي يتهمه بها المغرضون ولا علاقة لها بشخصيته لمَن يقرأ كلامه ويقرأ عنه حتى للمستشرقين المنصفين وغير المسلمين – وفي هذا يمكن قراءة كتب قديمة نسبيا أو حديثة مثل (الرحيق المختوم) للشيخ المباركفوري – وكذلك قراءة مجموعة كبيرة من الأحاديث المختارة والآداب الرائعة التي جمعها الإمام النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) – أيضا القراءة الهامة في أصل العقيدة الإسلامية مثل كتاب (العقيدة في الله) للشيخ عمر سليمان الأشقر – وله كذلك كتاب (الواضح في أصول الفقه) ومعه كتاب (منهاج المسلم) للشيخ أبي بكر الجزائري – وفي كتاب الواضح في أصول الفقه الذي أشرنا إليه مقدمة جيدة عن علم الحديث وأنواعه وشروط صحته أو علامات ضعفه وغير ذلك – ولكن يفضل معه قراءة كتاب مثل سلسلة (الأحاديث الضعيفة والموضوعة) للشيخ الألباني
ولو تلاحظون :
فكل ما سبق لا يمكن تحصيله بين يوم وليلة – وإنما هو مشوار تعليم المسلم لدينه – والذي تم إبعاده عنه عمدا للأسف سواء بالإعلام أو التعليم وتخاذل الأسرة والمجتمع – وعليه : فيتعهد الذي يريد خوض مثل هذه الحوارات أن يبدأ من الآن ومن اللحظة : في التحول لإنسان جديد – إنسان لا يضيع الساعات تلو الساعات في اللهو غير المفيد – ولا أمام الشاشات والمسلسلات والإنترنت – فوقت الترويح عن النفس له حدود – وغايته هي استعادة النشاط – وبذلك يكون على المسلم والمسلمة التفكير في كيفية استغلال أي وقت فراغ في حياته – وخاصة سن الشباب وقبل الزواج والانشغال – أوقات الانتظار في العيادات وقبل المحاضرات وفي المواصلات – أوقات السفر – وهكذا …
إن الناظر بعد فترة لجدالات الإلحاد ومختلف صوره : ليجد أنها مهما تعددت فهي أوهن من بيت العنكبوت !! بل يكاد كلها أن يكون ذاتي الدحض متناقض مع نفسه بنفسه !! وذلك مهما تشدق بالكلمات العلمية والمصطلحات التي يحاول أن يكسب بها لنفسه هيبة أمام الشباب والصغار وعوام الناس والبسطاء – فإن كل ذلك بعد فترة سيكتشف المسلم أنه لم يخرج في النهاية عن أنه (ضد العقل والبديهة والفطرة) !! يعني في نهاية الأمر يمكن لفلاح بسيط أو بدوي يعيش في الصحراء أن يقيم الحجة على أكبر عالم يزعم الإلحاد !! فقط (الهالة الزائفة) التي يتعمدون بها إحاطة أنفسهم تمسحا بالعلم (والعلم منهم براء) : هي التي توهم الناس أنهم على شيء !! وخذ هذا المثال …………
أشهر ملحد في العالم يزعم أن المخلوقات نشأت باحتمالات الصدفة والعشوائية – ثم يدس بضعة مصطلحات صعبة من هنا وهناك (أغلبها لا علاقة له بالموضوع) !!
فيأتي الفلاح أو البدوي البسيط فيقول :
(آدي الجمل وآدي الجمال) !! اثبت لي ما تقول بتجربة عملية أراها أمامي حتى أصدقك !! إذ كل ما نراه في حياتنا وتستوعبه عقولنا هو أنه لا ينشأ نظام محكم ومركب وله غاية أو وظيفة : من الصدفة !! فقط صانع عليم حكيم خبير .. هذه الخيمة وهذه القربة للماء وهذا السراج للإضاءة : كلها بصنع صانع – فاثبت لي أنت ما تقول ..!!
وبالفعل :
لن يستطيع الملحد إثبات شئ من مزاعمه إلا بالتلاعب (وسنوضح كل ذلك فيما بعد من فلسفة العلم نفسها ومدى قصور العلم المادي) ولكن الشاهد هنا : أنك بعد فترة من الزمن ستدرك أن أقوى الحجج على الملحد : هي الحجج العقلية والبدهية البسيطة جدا بغير تكلف !! فقط الذين يستخدمون نفس الطرق العلمية للرد على الملحد وغيره : هو من باب تمام إقامة الحجة عليهم لا أكثر ولا أقل – وإلا فالحجة عليهم قائمة ظاهرة في كل عقل سليم وكل فطرة لم تتلوث
وعليه :
يجب أن يكون المحاور واثقا في الله – واثقا في أن الحق لا يضيره زخم الباطل – ولن يضيره حتى أن دافع عنه محامون ضعاف في إحدى المرات – فالحق مصيره الظهور عاجلا أو آجلا
وهذه نقطة مهمة جدا ورغم وضوحها إلا أن أكثر المتحمسين لا يعرفونها أو لا ينتبهون إليها للأسف !! في حين أن معرفتها ستوفر على المحاور الكثير من الوقت والجهد – فمثلا :
كلنا يعرف أن أسهل شيء هو إلقاء الشبهات !!
فلا أسهل من نسج الشبهات مع تفشي الجهل بين المسلمين !!
وبالفعل يوجد رصيد هائل من الشبهات والأكاذيب لتشويه الإسلام والطعن فيه وفي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء وتاريخه وحضارته – شبهات من نصارى ويهود ومشركين وزنادقة وملاحدة وفرق إسلامية ضالة وعلمانيين وليبراليين وغيرهم
ورغم أنه بفض الله تعالى لا يوجد شبهة إلا ولها رد يفحمها لمَن يبحث – إلا أن المسلم لا يقاد بهذه السذاجة لاستزاف وقته وجهده !!
بل المسلم واعي ومنظم .. ولنتحدث بصورة أكثر وضوحا …
الملحد :
ما علاقة الملحد بطرح أسئلة وشبهات (داخل الإسلام) أو (داخل أي دين) حتى ؟!! (هذا على فرض أنه ليس نصراني متخفي أو منكر للسنة وسنعرف ذلك لاحقا) – وعليه : لا يجب إعطاء الملحد الفرصة لنقل عشرات الشبهات نسخ ولصق من عشرات المواقع الضالة – وإنما يجب (حصره) في خلاف وجود خالق من عدمه (دون حتى تسمية هذا الخالق وهل هو الله في الإسلام أم لا) – فقط : هل يوجد خالق أم لا ؟ إذ من غير المعقول النقاش في فروع الدين وأنت لا تقبل أساسه أصلا !!
اللاأدري :
وهذا الشخص إذا تركت نفسه معه سيدخل بك ويخرج في عشرات المواضيع والمسائل التي لا فيها حق ولا باطل !! والصواب أن تحصره في لاأدريته : هل هي موقف صحيح عقلا ومنطقا بالفعل أم لا ؟ هل العقل قاصر عن الوصول لوجود خالق أم لا ؟ وهكذا تركز حديثك معه في نقض وهدم لاأدريته ومنهج الشك الملتوي والمتناقض له كما سنوضحه في منشور قادم بإذن الله
اللاديني :
وهذا هو الوحيد الذي يحق له طرح شبهات وأسئلة في الدين – لأنه سيقول لك : أنا أؤمن بوجود خالق : لكني لا أؤمن بصحة الأديان أو الإسلام – ولدي شبهات في الإسلام – وبغض النظر عن أن أكثر الملحدين يتقمصون دور اللاديني ليتسنى لهم فعل الجزء السهل وهو إلقاء الشبهات – إلا أن هذا النوع أيضا يمكن حصاره في عدد معين من الشبهات كأن تقول له مثلا : حدد أقوى 3 أو 5 شبهات (أو حتى 10 إذا لزم الأمر) : بحيث إذا تم الرد عليها تعرف أن ما دونها سيكون الرد عليه أكيد – وبذلك تختصر على نفسك الوقت والجهد وتثبت له ولغيره أنك (لا تتهرب) وإنما لن تترك الباب مفتوحا للشبهات – وبالطبع هذا الأمر يسير بالتوازي مع إقامة الحجة عليه في إرسال الخالق للرسل وحتى لا يكون كل لاديني هو إله نفسه بصناعة إله على هواه والتحدث باسمه !!
وكل ذلك سنعرفه فيما بعد بإذن الله بالتفصيل
ولكن هذه مفاتيح هامة جدا .. كلما زاد العلم بها والإلمام بمفرداتها يكون المحاور أقدر على الحوار – مع الوضع في الاعتبار أن سبب الإلحاد وكل صوره التي استعرضناها بالأمس : في الحقيقة يكون سبب نفسي أو عاطفي مهما حاول التستر بستار العلم ليوهم الناس أن إلحاده عن عقل واقتناع وبحث – وهذا ما سنوضحه فيما بعد – وسنوضح كيفية التعامل مع أنماط الملاحدة النفسية والمتأثرة بشبهات عاطفية مثل مشكلة الشر ومشكلة ضعف المسلمين أو حروب المسلمين بعضهم البعض أو بعض أخطاء الملتزمين أو الدعاة أو عدم النجاح في الدنيا أو تأخر استجابة الدعاء أو المرض والابتلاء وغيرها