/مفهوم الثورة/
في كِتاب – بين الرشاد والتيه- الذي يضُم عِدة مقالات لِ – مالك بن نبي – نجِد أجوِبة كثيرة عن مفهوم الثورة و مقوِماتها و عناصِر نجاحها و أسباب فشلِها، خاصةً أننا نعيش في زمن الثورات في البلاد العربية و الإسلامية، حيث تُعقد الآمال على هذه الثورات لتكون مُمهدة لعصر حضاري جديد بعيداً عن سطوة الحُكام و تسلُط الإستعمار.
“وهو في كل ما حَدد من ضوابِط في هذه المقالات في الإطار الثوري إنما يُثري الفِكر الإسلامي برؤية جديدة يتعامل من خلالها مع القيم التاريخية و الأصَالة التي أودعها الإسلام ضمير العالم الإسلامي عبر العصور، فهو يدعو إلى بعث هذه القيم في إطار ثورة حقيقية، ترتكز في أساسها على ما إرتَكزت عليه الثورة في عهد النبوة.”
– عمر مسقاوي، مُترجم الكِتاب من الفرنسية إلى العربية-
——————————————————–
إن نجاح ثورة ما أو فشلها، هو بقدر ما تحتفظ بمحتواها أو تُضيعه في الطريق وهذا كله يخضع لقانون؛ فالثورة لا ترتجِل، إنها إِطراد طويل يحتوي ما قبل الثورة و الثورة نفسها و ما بعدها، والمراحل الثلاث هذه لا تجتمع فيه بمجرد اضافة زمنية بل تُمثِل فيه نمواً عُضوياً و تطوراً تاريخياً مستمراً، وإذا حدث خلل في هذا النمو و في هذا التطور قد تكون النتيجة زهيدة تُخيب الآمال.
إن ثورة ما، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم تكن لها قاعدة أخلاقية قوية. إن ثورة تقوم، لا تكون ثورة حقيقية لمجرد ما تجتهِد في نشر العدالة الإجتِماعية بين طبقات الشعب، إذا هي لم تعلمه كيف يستعيد شخصيته و تُلقنه معنى كرامته. و هذه الإعتبارات عن وظيفة الأخلاق، ليست بنت الأمس، فقضِية تكريم الإنسان لم تُهمل و لمْ تُنس في الثورة الإسلامية منذ ١٤ قرناً: { و لَقد كرمنا بني آدم } – الإسراء – هكذا وضع القُرآن الكريم في آية لكرامة الإنسان قاعدة سامية بالنسبة لدنياه و لآخرتِه.
إن كل ثورة مُلزمة أن تحمي نفسها من سائِر المحاولات التخريبية، التي يكون فيها أصحابها سُلطة جانبية في وطن ثوري، يؤثرون فيه حتى لحساب الخارج بما في أيديهم من وسائِل السلطة، فالثورة حين تخشى أخطاءَها ليست بثورة، و إذا هي إكتشفَت خطأ من أخطاءِها ثم التفتت عنه فالأمر أدهى و أمرّ. و ينبغي على الثورة لتفادي الإبهام أن ترسُم خطاً واضحاً حول موضوع التغيير حتى لا يبقى مجال للخلط، أما إذا أسلمت الأمور إلى الغموض و الضباب، فإن أي إنحراف سيكون متوقعاً، و سوف تظل الثورة مُعرضة لأن تترك مكانها دون أن تعلم – لشبه ثورة – تستبدِل بالكيف الكم، و بالتغيير الجذري الضروري شبه التغيير-. على أية حال الثورة لا تستطيع الوصول إلى أهدافِها إذا هي لم تُغير الإنسان بطريقة لا رجعة فيها من حيث سلوكه و أفكَاره و كلمَاته. وإذا نظرنا إلى الأمور في عمقِها، فإن ثورة ما، لا بُد أن تسير طِبقاً القانون الإجتماعي الذي تُشير إليه الآية الكريمة: { إن الله لا يُغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهم} – الرعد-.”
إننا لو اعتبرنا الإسلام من جهة التاريخ المُجردة، لرأيناهُ ثورة كبيرة غيرت كل البناءات السياسية و الثقافية و الإجتماعية و الأخلاقية في المجتمع الجاهلي. إننا نراها في أصعب الظروف قد غيرت كل شيء. إن الثورة الإسلامية تُقدم لنا أولاً درساً عالياً، ربما زهِدنا فيه أو تناسيناه، في ضبط السُلوك. ففي غزوة أُحد، حيث يتعرض جيش المسلمين لضربة قاسية من جيش المشركين بقيادة قُريش نرى النبي صلى الله عليه و سلم يرفض على الرغم من قِلة من معه سند – عبدالله بن أبيّ – و هو على رأس المنافقين و اليهود و يقول: “لا يُقاتل مَعنا إلا من هو على مِلتنا”. ولم يكُن هذا الموقِف مجرد إندِفاع خاص في لحظة مُعينة، فالقرآن يُعطي له كل معناه:
{لو خرجوا فيكُم ما زادوكُم إلا خَبالاً}- التوبة -، مُجدِداً فيها السبب لتجنُب القِتال مع متطوعين غُرباء عن الثورة، أي مُجرد – مُرتزقة – كما نقول اليوم. فالثورة ليست كإحدى الحُروب تدور رِحاها مع العدد و العتاد، بل إنها تعتمد على الروح و العقيدة .