هل ارتفاعُ حرارةِ الجسمِ أمرٌ سيء؟ وكيف تحدُث الحُمّى؟
#شائعات_صحية #معلومات_متقدمة
تُعتبر الحُمّى علامةً طبيةً شائعة؛ والشائعُ عنها أنَها أمرٌ سيء، ومع ذلك هي رَدِّ فعلٍ طبيعيٍّ للجسم أثناء أمراضٍ عديدة، ولأسبابٍ عديدة؛ كالإنتاناتِ الجرثوميةِ أو كردِّ فعلٍ التهابيّ؛ فترتفعُ درجةُ حرارةِ الجسمِ عن المعتاد (36.5-37.5 درجة سيليزية)، فهي إنذارٌ من الجسم بأن هناك أمرٌ ما ليس على مايرام، كما أنها آلية دفاعية ضد الأجسام الغريبة كما أسلفنا!
فكيف يحدث ذلك يا تُرى؟
بعدَ أنْ تُحطِّمَ الخلايا المناعية الكائناتِ الغريبةَ لأجزاءٍ أو تَقتبس أجزاء كانت قد صنعتها، تُؤدّي هذه الأجزاءُ إلى تكوُّن ما يُسمَّى بـالبايروجيناتِ (أو مُولِّداتِ الحَرارَة) وهي عبارة عن موادَّ تُحفِّز إنتاجَ الحرارة في الجسم.
يُمكِن أنْ تتكوّنَ البايروجينات نتيجةَ محفزاتٍ داخليّةٍ (من داخل الجسم) أو خارجيّة، لكن ما نتكلّم عنه هنا هو “الخارجية” الناتجة عن الجراثيم، ولِنأخذ المثال الأقوى؛ مادّةٌ محفِّزة موجودة في جدارِ كثيرٍ من الجراثيم سلبيّة الغرام تُدعى (عديداتُ السّكريدِ الشّحميّة LPS).
فبعدَ أنْ يُحطِّمَ الجهازُ المناعيُّ هذه الجراثيمَ وتَتَحرَّرَLPS منها، يُنتِجُ الجهازُ المناعيُّ بروتينًا خاصًّا (LBP)؛ ليَرتبِط معها مُنتِجًا مركبًا يُسمَّى (LBP-LPS) الذي يرتبط بدوره بمُستقبِلات الخلايا المناعيّة البالعة.
يُؤدِّي هذا الارتباطُ إلى تَحرُّر عوامل تدعى (سيتوكينات داخليّة) منها الإنترلوكين 1 والإنترلوكين 6 وغيرها، وتُحفِّز هذه العواملُ الدّاخليّة بدورها سلسلةَ من التفاعلات الحيوية داخل الجسم تدعى (طريق حمضِ الأراشيدونيك)، ويُنتِج بعد ذلك مادة البروستاغلاندين E2 .
يَعمل هذا البروستاغلاندين على ما يُعرَف بنقطة التضبيط (set-point) في الدماغ وتقع تحديدًا تحت المهاد أو الوطاء (Hypothalamus)، وهي النقطةُ المسئولةُ عن تنظيمِ حرارةِ الجسم.
عندما يُؤثِّر البروستاغلاندين على الوِطاء ترتفع نقطة التضبيط، فتُرسِل إشاراتٍ للجسم تُؤدِّي لارتفاع الحَرارَة عن طريق آليّاتٍ مُختلِفةٍ (مثل ارتجافِ العَضَلات وتقبُّض بعض الأوعية وغيرها).
والآن، قد تتساءل: * ما دورُ الدواءِ في التعاملِ مع الحُمّى؟
تعمل مُضادَّات الالتهاب غير الستيروئيدية (NSAIDs) على إيقاف تصنيع البروستاغلاندينات، في حينٍ تعمل الستيروئيدية منها على كثيرٍ مِن الخطوات المناعيّة البحتة واصطناع البروستاغلاندينات، فكلاهما يُخفِّف الحُمّى بطريقته!
وأخيرًا، -كنصيحة- لا تستخدمْ مُضادّات الالتهاب الستيروئيدية إلا بـ (وصفة طبيب)؛ لتأثيرها على مناعة الجسم ضدَّ العامل المُمرِض، ولا تستخدمْ غيرَ الستيروئيدية منها إلا بـ (استشارة طبيبٍ أو صيدليٍّ)، فقد تكون بذلك تخفي أعراضَ مرضٍ يَتَفاقمُ عندما تخفي الشعورَ بالحرارة *_* !
ودُمتُم بِصحّة وعافية.