بداية، ما الرأسمالية؟
بعيدًا عن تعريفاتها التجميلية، الرأسمالية هي حكم رأس المال؛ أي أنَّ الشركاتِ الكبيرةَ والبنوكَ هي التي تتحكَّم في سياسات الدول، وتضع استراتيجيات النظام العالمي الرأسمالي الحالي، وبينما تتباهى بعض الدول بفرض ضرائبَ كبيرةٍ على الشركات وبتحديد الحد الأدنى للأجور وتظهر في صورة البراءة ودعم حقوق الإنسان، تتغاضى عن استعباد هذه الشركات الغربية الكبرى للناس بإفريقيا والصين وبعض الدول الفقيرة الأخرى، حيث يعمل الموظف هناك براتب لا يتماشى مع متطلَّبات الحياة؛ مما يؤدي في النهاية إلى حالات انتحار كبيرة، في الوقت الذي يأتي فيه هذا المال إلى هذه الدول التي تدَّعي وقوفَها مع حقوق الإنسان وتتقاسم الأرباح، لتعمل دائرة الاستعباد من جديد.
ولن نخوض في تفاصيل مديونية الدول الكبرى للبنوك الخاصة، التي تسدِّد الدولُ فوائدَها برفع الضرائب على الشعب العامل، ولن نخوض في ارتفاع مستوى المعيشة أيضًا، بحيث لا يتناسب مع ارتفاع الرواتب الضئيل في الدول الغربية.
ولكن هل الاستعباد التي تكلمنا عنه، يحدث في الدول الفقيرة فقط؟
في بحث نُشِر عام 2006 من البروفيسورة (نانسي أدلر)، ناقشتْ فيه هذا التحوُّل الكبير في النظام العالمي، وتوجُّه الشركات الخاصة إلى التحكُّم في سياسات الدول، وذكرتْ فيه أنَّ مسئولية هذه الشركات وأهدافها تخطَّتْ التركيزَ على العوائد المالية فقط؛ لتصبح لديها مسئولية اجتماعية، إذ إنَّ لديهم كلَّ هذه القوة الآن، ويجب أنْ يكونوا قريبينَ من الشعب ويشاركوا في مبادرات اجتماعية عدَّة، وهذا يتطلَّب جلبَ الفن والفنانين إلى المؤسسات، وهي تقصد بالفنانين هنا: أصحابَ العقل الإبداعي، كالمبرمجين والمصممين والأدباء، وأنهم الوحيدون القادرون على التوفيق بين التركيز على العوائد المادية وبين المسئولية الاجتماعية.
إذن حسب رأي البروفيسورة (أدلر): الفن -بهذا المعن- هو الحلُّ لهذا التحوُّل، وهنا أعطتْ مثالًا هو مجموعة (وول مارت) الأمريكية، وهي شركةُ بيعٍ بالتجزئة تمتلك بقالات منتشرة في عدة دول في العالم، إذ كان لديها عام 2006 م -في فترة نشر البحث- أكثر من المليون ونصف المليون من الموظفين، وكان ترتيبُها التاسعة عشرة عالميًّا من حيثُ القوةُ الاقتصادية. وهذا الترتيب ليس للشركات فقط، إنما للحكومات أيضًا، فهم بذلك يسبقون (36) دولةً من حيثُ الإيراداتُ اليومية، فترى الكاتبةُ أنَّ على قوَّةٍ كبرى مثل (وول مارت) أنْ تجلبَ الفنانين لتستطيع التعامل مع استراتيجياتها وعملياتها المستقبلية.
ولكن هل تعلم البروفيسورة (أدلر) أنَّ هذا المثال هو القشَّة التي قصمتْ ظهرَ البعير لأنصاف الحلول المتمثلة في (إصلاح الرأسمالية بالفن)؟
ننتقل الآن من عام 2006 م إلى عام 2015 م، ماذا حدث في (وول مارت) خلال تسع سنين؟
ذُكِر في تقريرٍ نُشِر بصحيفة (الغارديان)، أنَّ موظفي (وول مارت) يتخطَّون استراحة الغداء في أمريكا؛ لأنهم لا يملكون مالًا كافيًا للطعام! أو يسرقون من زملائهم ليبقَوا على قيد الحياة! وكل ذلك بسبب الأجور المتدنية وعدم الرضى بوظائفهم المُجبَرين عليها للعيش! وهذا ما أدَّى إلى عدة وقفات احتجاجية من الموظفين دون جدوى.
وهنا لدينا سؤال وحيد:
مَن لا يستطيع أن يؤمِّن (لقمة العيش) لموظفيه، ولم يستطع أنْ يكون جزءًا من موظفيه، فضلًا عن أنْ يكون جزءًا من المجتمع كما تريد البروفيسورة (أدلر) في دولة وُصِفتْ بأنها دولةٌ عظمى مثل أميركا، هل سيستطيع أنْ يطبِّقَ سياساتٍ ترضي الشعوب وتحقِّق العدالة؟