قبل أن نتناول فكرة #اللقاحات الصالحة للأكل لنلقي نظرةً على فكرة اللقاحات عمومًا، فبغض النظر عن طريقة إعطاء اللقاحات فهي تهدف إلى تحفيز الجسم على قتل ميكروبٍ معينٍ قبل أن يبدأ تكاثره ويسبب الأعراض المرضية الخاصة به، وذلك بتدريب الجهاز المناعي للجسم والذي يمثل جيشه الخاص على مواجهة البكتيريا والفيروسات… حسنًا، كيف يحدث هذا التدريب؟
بدايةً دَعُونا نطلعكم على جزءٍ من عمل الجهاز المناعي: إحدى الوسائل المساعدة للجهاز المناعي في التخلص من الميكروبات هي إنتاج أضدادٍ نوعيةٍ، أي إنَّها ترتبط بشيءٍ محددٍ، ويصممها الجهاز المناعي بحيث ترتبط بجزءٍ محددٍ من الميكروب (يسمى حينها مستضدًا) مما يساعد في القضاء عليه.
1- يحدث ذلك بمواجهته ببكتريا أو فيروساتٍ ضعيفةٍ أو ميتةٍ أو أجزاءٍ منها (وهذا هو محتوى اللقاح)، فبمجرد أن يكتشف الجهاز المناعي هذه الأجسام الغريبة يتعامل معها كأنه في حالة دفاعٍ ضد غزو خارجي فيحرك قواته لتدمير هذا الغازي، ويصنع أضدادًا خاصةً (سلاحٌ نوعيٌّ، لكن يستغرق صنعه عدة أيامٍ).
2- تستهدف هذه الأضداد بروتيناتٍ معينةً في تركيب هذا الجسم الغريب تسمى مستضداتٍ antigens فتدمر هذا الغازي.
3- عندما يتراجع الجيش يترك خلفه مجموعةً من الحراس معروفين بذاكرتهم القوية (T&B cells ) (يتذكرون شكل المستضد الذي صُنع له ذلك الضد المناسب) ويكون هؤلاء الحراس مستعدين وجاهزين لاستدعاء باقي الجيش عند حدوث غزوٍ حقيقي من هذا الميكروب حالما يستشعرون وجود مستضداتٍ مشابهةٍ.
إلا أنَّ بعض اللقاحات لا بُدّ من إعطائه دوريًا، وهنا تكمن المشكلة…
عمل العلماء على اكتشاف الجينات المسؤولة عن تكوين البروتينات (المستضدات التي تهاجمها الأضداد التي يصنعها الجهاز المناعي) في ميكروبٍ معينٍ وقاموا بدمجها مع المادة الوراثية لنباتٍ ما مثل البطاطا فكانت النتيجة أن النبات قام بإنتاج هذه البروتينات في خلاياه وبتناول هذا النبات يتعرف الجسم على هذا البروتين (المستضد) ويكوِّن أضدادًا له؛ فيكون الجسم قد كوَّن مناعةً ضد الميكروب الذي كان هذا البروتين جزءًا منه في الأصل.
1- للقاحات القابلة للأكل مستقبلٌ واعدٌ حيث إنها اقتصاديةٌ بخلاف اللقاحات التقليدية التي تحتاج لمعداتٍ وتقنيةٍ حديثةٍ غالية الثمن في كل دورة إنتاجٍ لها؛ فبمجرد إنتاج النباتات المعدلة وراثيًا فإن البذور الناتجة عنها تكفي لإنتاج اللقاحات مجددًا محليًا دون الحاجة إلى مشاكل وتكاليف النقل والتخزين العالية.
2- تمتاز بسهولة التناول، وإنَّ إعطاءها مقبولٌ اجتماعيًا وثقافيًا.
3- سهلة التخزين وبالتالي يسهل إيصالها للبلدان الفقيرة.
4- أثبتت اللقاحات القابلة للأكل بالإضافة إلى قدرتها على تنشيط المناعة المجموعية Systemic Immunity قدرتها على تنشيط مناعة الأغشية المخاطية والتي تعتبر خط الدفاع الأول للجسم ضد الميكروبات التي تدخل عن طريق الفم والأنف والأعضاء التناسلية، بخلاف اللقاحات التقليدية التي تُعطى عن طريق الحقن فإنها لا تمتلك هذه الخاصية.
أثبتت الدراسات التي تمت على اللقاحات القابلة للأكل صحة الفكرة من حيث المبدأ لكن لايزال هناك بعض التحديات التي يعمل العلماء على حلها، مثل قلة كمية اللقاحات الموجودة في الجزء القابل للأكل من النبات، وكذلك وضع طريقةٍ لحساب الجرعة التي يجب أن يتناولها الشخص حتى تتشكل لديه المناعة المطلوبة ضد العامل الممرض.
لم تُبدِ هذه اللقاحات حتى الآن في الدراسات أي آثار جانبيةٍ ملحوظةٍ، كما أشارت الأبحاث إلى أنّ احتمالية نشوء تفاعلاتٍ تحسسيةٍ ناتجةٍ عن استعمالها أقل من اللقاحات التقليدية (أما التفاعلات التحسسية المتأخرة فلم تدرس بعد).