آلام الرضع تكاد تفطر قلوب آبائهم، وغالبًا ما يكون العلاج صعبًا لمثل هذا العمر.
يولد كل عام حوالي الـ15 مليون خديج، يخضع بعضهم لإجراءات لإنقاذ حياته، كوخز الكعب (أخذ عينة من الدم من كعب الرضيع، ويعتبر هذا الإجراء مزعجًا ويسبب بكاء الطفل)، أو إدخال أنبوب دقيق يعرف بالقُنية لإيصال السوائل والأدوية.
يتعرض المواليد الخُدَّج في وحدة العناية المركزة إلى “وخز الجلد” حوالي 11 مرة في اليوم الواحد، وتُعطى المسكنات في ثلث هذه الحالات فقط.
ما #سبب تجاهل الألم لدى الأطفال؟
يبدو أنَّ للأمر عدة أسباب وليس سببًا واحدًا، وهي:
1- يُعتبَر نقص أدلة التوجيه القياسية في وصف الأدوية أحد الأسباب، فبعض الأدوية المناسبة للبالغين تكون غير مناسبة للأطفال، حتى أنها ذات تأثير مختلف على البالغين عنه على الأطفال، ما يجعل تحديد جرعة الدواء مشكلة بحد ذاتها.
2- عدم القدرة على معرفة ما يشعر به حديثو الولادة، ما يجعل تحديد مدى فاعلية المسكنات أمرًا مستحيلًا.
3- الانطباع بعدم شعور الأطفال الحديثي الولادة بالألم.
كان الانطباع السائد حتى عام 1980؛ بعدم شعور الأطفال الحديثي الولادة بالألم، وأنَّ إعطاءهم المسكنات سيكون مؤذيًا أكثر من كونه نافعًا. وعلى الرغم من تصحيح الكثير من هذه المفاهيم الخاطئة، إلا أننا لازلنا نجهل الكثير عن الألم لدى الأطفال، لهذا يشكل علاجه تحد كبيرًا للمتخصصين.
ما #الحل؟
توصل باحثون من جامعة أوكسفورد إلى ابتكار نُشر في مجلة ” Science Translational Medicine” في شهر أيار الفائت، يعتمد على تحديد إشارات الموجات الدماغية المرتبطة بالألم المستجيب للمسكنات، والتي من الممكن استخدامها لقياس فعالية الدواء.
نشرت أخصائية الأمراض العصبية لدى الأطفال “ريبيكا سلاتر” مع زملائها سنة 2015؛ دراسة علمية رائدة مدعمة بصور الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) ؛ تُظهِر أنَّ استجابة الأطفال لمحفزات الألم مشابهة جدًا لاستجابة البالغين، بل إن الأطفال أكثر تحسسًا تجاه الألم، كما ألقت النتائج الضوء على الحاجة لإيجاد طرق أكثر فاعلية لتخفيف الألم عند الأطفال.
#الدراسة
استخدم الباحثون في هذه الدراسة جهاز تخطيط كهربائيّة الدماغ (EEG) ؛ لتسجيل نماذج عن الأمواج الدماغية لدى 18 طفلًا لا يعانون من أية مشاكل صحية، وقام العلماء بتعريض الرضع إلى محفزات بعضها مؤلم وبعضها غير مؤلم؛ حيث طبق العلماء وخز الكعب بالحقن المستخدمة عادة للحصول على عينات من الدم، إضافةً إلى تطبيق قوة خفيفة على أقدام الرضع، كما قاموا بإجراء تجريبي مؤلم إلى حد ما كالوخز برأس حاد لقلم. عرَّض العلماء أيضًا عيون الأطفال الى الضوء بالإضافة إلى إسماعهم موسيقى بنغمة واحدة وتدليك أقدامهم برفق.
لاحظ الفريق أن الإجراءات المؤلمة وغير المؤلمة أعطت نماذج مختلفة من الموجات الدماغية، إلا أن المحفزات المؤلمة أعطت إشارة كبيرة أمكن رصدها عبر قطب كهربائي مثبت على الرأس بعد حوالي نصف ثانية من التحفيز.
نُفِّذت الاختبارات ذاتها على 14 رضيعًا معافىً آخر مترافقةً مع قياس معدل ضربات القلب، أوضحت كون هذه الإشارات خاصة بالمحفزات المؤلمة، ولم تحدث نتيجة اختلاف في وظائف الأعضاء (النشاط الفيزيولوجي).
كما لاحظت سلاتر وزملاؤها نفس النشاط المرتبط بالألم لدى 12 خديج أثناء تعرضهم لوخز الكعب حتى عند غياب تجهمات الوجه التي تعتبر إحدى الوسائل السلوكية التقليدية لقياس الألم لدى الرضع لكنهم لم يتمكنوا من رصده بعد تخدير قدم الرضيع.
#الفوائد
تقول سلاتر: “يمكننا الآن قياس نشاط الدماغ المرتبط بالألم بموضوعية، كما صار بإمكاننا تحديد مدى فعالية مسكنات الألم خلال تلقي العلاج”، تضيف سلاتر أنه أصبح بالإمكان معرفة كيف تغير التداخلات الأخرى كتمسيد الطفل برفق النشاط الدماغي المرتبط بالألم، إضافةً لرصد تغير حساسية الألم لدى الأطفال حديثي الولادة نتيجة تجارب مختلفة كالولادة الطبيعية و الولادة القيصرية.
#معوقات الدراسة
علقت بوني ستيفنز العالمة في مشفى الأطفال في جامعة تورنتو بعد قراءة الدراسة؛ بأن النتائج الأولية واعدة رغم إضافتها عدة ملاحظات؛ صغر حجم عينة الدراسة، وقصر مدة تخطيط كهربية الدماغ بحيث من الممكن ألا تعطي نتائج دقيقة تماشيًا مع السلوك، لكن على الرغم من ذلك؛ هناك دلالة جيدة على نوعية وحساسية الاستجابات. كما أشارت ستيفنز إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنَّ الكلفة والخبرة المتطلبتين لتطبيقات جهاز كهربائية الدماغ لقياس الألم للأبحاث أو للفحص السريري قد تكون باهظة. أضافت ستيفنز: “نحن بحاجة لصقل خبرتنا دائمًا لقياس الألم، ولذا علينا القيام بعدة تدابير للوصول لنتائج دقيقة”.
وتؤكد سلاتر أن الفريق لم يطور قياسات النشاط الكهربائي للدماغ لأجل تقييم حالات فردية للرضع؛ لكنها تأمل أن تكون الدراسة ذات فائدة للآخرين، الذين يعملون بمجال حديثي الولادة في التجارب السريرية واستقصاءات الأبحاث.
“نحن الآن نستخدم هذه القياسات في الآلام الإجرائية عند الأطفال الخدج (الآلام الإجرائية: الآلام التي تحدث لدى الأطفال والناتجة عن الفحوص الطبية والمعالجة و..الخ، أي الناتجة عن الإجراءات لذا تدعى بالآلام الإجرائية) من أجل اختبار فيما إذا كانت الأدوية فعالة في تسكين الألم لديهم، خلال الإجراءات الطبية يُعطى المورفين مثلًا للبالغين لتسكين الآلام الشديدة لكننا لسنا متأكدين إن كان يعطي المفعول ذاته لدى الرضع.”
وتضيف سلاتر “سنختبر إذا ما كان سيشعر الأطفال بألم أقل بعد إعطائهم المورفين، وفيما إذا كان تقليل الألم أثناء فحص العيون المؤلم سيحسن ثبات ضربات القلب والتنفس بعد هذا الإجراء”.