هندسة الإشهار بالمرأة
بين التعري والإغواء
يعلن المنتجون في العالم كله عن سلعهم وخدماتهم، مستخدمين في الغالب صورة المرأة لتمرير رسالتهم. ووسط العدد الهائل من اللوحات الإعلانية في الشوارع، والوصلات التجارية عبر التلفزيونات، والإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي التي لا يخلو بعضها –بل كثير منها- من إثارة الجدل؛ بسبب المشاهد أو الشعارات التي يَرى فيها العديدُ تجسيدا للصور النمطية، أو حطّا من مكانة المرأة، سواء في البلدان الغربية أو العربية، وهنا نطرح السؤال التالي: أين المشكلة إذا استعملتْ المرأة جمالها؟
/تنميط صور المرأة في الإعلان
تساعد الإعلانات في بناء مُثُل الرجولة والأنوثة بين أوساط المتابعين، ولهذا السبب يعد تصوير المرأة في الإعلان موضوعًا ذا محتويات غنيّة، وأهم مكوناته التي لا تخفى على أحد: تصوير النساء بأنماط معينة، ومظاهر مختلفة، مثل: الخاضعة، أو التي تقوم بدورها الأسري، أو بإظهارها تمتلك وظائف جسدية واجتماعية أدنى من الرجل، إلى إظهارها كأداة للإغراء، وغير ذلك.
في نفس السياق، وفي دراسة حديثة أٌجريت، بعنوان (A Study of Factors Influencing the Choices of the Consumers for the Portrayal of Women in Advertising, 2017) ذكر الباحث أنه في الإعلانات تُصوّر شخصيات النساء بإحدى الأشكال التالية:
-النوع الأول من الإعلانات: يعرض جسد الأنثى ويصورها كسلعة.
-النوع الثاني: يعرض ربة البيت التي ترعى وتهتم وتنشّئ أفراد الأسرة، إذْ تقوم بالتنظيف والطهي ورعاية الأطفال.
-النوع الثالث والأخير: يعرض الأنثى الشابة، والجذابة التي تكون قادرة ومسيطرة، وهذا النوع هو الأقل تكرارًا بالإعلانات المعروضة في بلاد الحريات!، والذي يمكن للمرأة، ويضعها على قدم المساواة مع الرجل.
//استباحة جسد المرأة وسحق شخصيتها
على الرغم من أن هذه الأنماط في طور التغير على أرض الواقع؟، لكن بعضها لم يتغير في الإعلانات بشكل ملحوظ!، فما زالت النساء تُشيّأ في الإعلانات المعروضة -المراد جعلها شيئا مستخدما لغرض ما- وغالبًا ما تستخدم الصورة الجنسية للمرأة (المرأة الجسد) في الإعلانات الموجهة للرجال من جهة؛ (للإشارة إلى وجود علاقة جنسية بين الرجل الذي يستخدم المنتج وبين المرأة المعروضة في الإعلان)، وكذلك في الإعلانات الموجهة للنساء من جهة أخرى؛ (للإشارة إلى أن المنتج سيزيد من جاذبية المرأة المستخدمة للمنتج تجاه الرجال).
يفسر البعض ذلك بأن أنوثة المرأة جزء من كيانها، لكن الملاحظ هو التركيز على هذا الجانب تحديدا في الإعلانات، وحصر صورتها في إطار الغواية والإيحاء الجنسي أحيانا كثيرة؛ إذْ يقول أحد أصحاب وكالات عارضات الأزياء في إحدى البلدان في عالمنا العربي (Nidal’s Agency): “أن عين المشاهد هي التي ترى، وهو بحاجة ليرى صورة جميلة”؛ لأن الجمال شيء أساسي بهذه المهنة”.
في كتابه (إعلانات النوع الاجتماعي عام 1976م) أشار (Erving Goffman) إلى كيفية عرض الأنوثة والذكورة في وسائل الإعلام الغربية، وذلك من خلال النظر إلى أكثر من (500) إعلان مصور، وتحليل محتوياتها المختلفة من موضع الجسم والملابس إلى غير ذلك، ويجد تناقضات صارخة بين كيفية تصوير الذكور والإناث؛ إذْ يظهر كيف تُصوَّر المرأة بطرق متنوعة، منها: المرأة الناعمة، والضعيفة، والهشة، والعاجزة، والحالمة، والشبيهة بالطفل، والخاضعة. كما تختلف الوضعيات التي تعرض بها النساء؛ إذْ تصور بالطرق التالية: الاستلقاء على الأرض، أو الجلوس على سرير، أو كرسي، أو العيون المغلقة، وفي وضعيات أخرى يصعب علينا حتى التفكير بذكرها، (IOSR Journal Of Humanities And Social Science,2017).
لتوضيح ردود الفعل ووجهات النظر، يمكن الاستعانة بدراسة نشرت في مجلة (Sex Roles, 2005) يذكر الباحث فيها أنه تُظهر النساء في وسائل الإعلام التي تستهدف جمهور النساء بطريقة تعكس الواقع، وتمثل حالة المرأة في المجتمع بنسبة أكبر من وسائل الإعلام التي تستهدف جمهور الرجال والنساء معاً، أو جمهور الرجال فقط، وعليه ما زالت النساء يظهرن فيها في كثير من الأحيان كأدوات لممارسة الجنس!، مما يعني أن القائمين على وسائل الإعلام يدركون أن النساء (في العالم المادي) لديهن قبول لهذا الواقع ويفترضون امتلاكهن نظرة موضوعية لأنفسهن غالبا ما تكون سلبية.
في نفس السياق ووفقًا لدراسة أخرى بعنوان (Media usage and self-objectification in young women, 2015) يرى الباحث أنه غالبًا ما يكون تصوير وسائل الإعلام للمرأة أمرًا مثيرًا للجدل؛ لأنه يركز على مظهر المرأة، وليس على شخصيتها أو قدراتها، ويضيف الباحث أن ذلك يؤدي إلى الاعتراض وعدم الرضى عن الذات من قبل النساء عند مقارنة جمالهم بفتيات الإعلانات.
////إسقاط قيم المساواة أمام المكاسب المادية
قد أشير إلى أن تشيئ النساء -أي إظهارهن في وسائل الإعلام بصورة الإغراء أو أنهن كيان خاضع- يعزز وبدرجة كبيرة التسلسل الهرمي بين الجنسين، ويساهم إلى حد كبير في عدم المساواة بين الذكور والإناث، ولكن تصوّرْ أنْ يمتد الأمر إلى التفرقة بين النساء على حسب الأعراق من قبل المعلنين أنفسهم، كيف ذلك؟!
يُعمَل على تعزيز فكرة أن الجاذبية مرتبطة بالعرق الأبيض، إذْ تُستبعد النساء من الأعراق الأخرى من وسائل الإعلام الرئيسية، وعندما يُشركنَ، يُصوّرن وفقًا للقوالب النمطية الجنسية النوعية، أو تُصوّر النساء من العرق الأسود في الغالب بميزات الجمال الأوروبية. وتعرضت العديد من وسائل الإعلام في أمريكا للانتقاد بسبب ميلها لتصوير النساء الأميركيات حتى من الأصول الأفريقية بخصائص جسدية تتفق مع المعايير الأوروبية أكثر من المعايير الأوروبية للجمال بحد ذاتها. إنها بالعادة تكون امرأة أمريكية من أصل أفريقي لها بشرة صافية، وميزات شبيهة بالنساء الأوربيات، مثل الأنف الدقيق، والشفتين الرفيعتين، والشكل الأنيق، والشعر الطويل المستقيم، والتي تتوافق مع المثالية الأمريكية السائدة للجمال. إنها تلبي شرط تشيئ المرأة، رغم تصويرها على أنها أقل إغراء وإغواء من ناحية الشكل.
مما يؤكد الطرح السابق أنه بعد تحليل (962) إعلانًا في مجلات الموضة، وجد أن (23) إعلانًا فقط كانت تحتوي على نساء سوداوات، وقد عُرضنَ من بعيد، ووجد (Coltrane and Messineo, 2000)، في تحليلهما للإعلانات التلفزيونية، أنه نادرٌ ما تُعرض الأقليات العرقية في الإعلانات التجارية، وغالبًا ما تُصوّر النساء من العرق الأبيض كأدوات للإغراء الجنسي، وغالبًا ما تُعرض النساء من العرق الأسود بأدوار ثانوية. ووجدوا أيضًا أنه “بغض النظر عن العرق أو الإثنية (مذهب يرمي إلى تصنيف الجماعات الإنسانية على أساس انتمائها إلى عرق أو أصل معيَّن، وتعرَف بالتمييز العنصري)، فإن النساء تظهرن كأدوات للإغراء الجنسي، لكن النساء البيض هن الوحيدات اللائي يُميّزْنَ رموزا للجمال”.
تضيف الدراسة السابقة أيضا أن عدد الأقليات العرقية في وسائل الإعلام ازداد في العقود الأخيرة بعدد قليل ومحدود، لتجنب النقد من الجمهور، وإظهار أن وسائل الإعلام مراعية للأقليات العرقية، ومع ذلك، لا يزال تمثيل العرق الأسود في وسائل الإعلام الرئيسية لا يذكر، وعندما تظهر شخصيات سوداء على شاشة التلفاز؛ فإنهن يظهرن بمفردهن، بل عادة ما يكون لديهم شركاء من البيض.
أخيرا، وفي توضيح حول تغير توجهات أفراد المجتمعات، ساهم (Birla Institute of Technology and Science, 2016) في دراسة نوهت بأن ثقافة الاستهلاك والمادية أصبحت أكثر وضوحا، وأشار إلى تغير دور المرأة بوصفها داعمة للزوج، إذْ كانت تضحي بنفسها في سبيل إسعاد زوجها وأسرتها إلى نمط خاضع للقيم الغربية، مع الاحتفاظ ببعض القيم التقليدية، مما يوجب الحذر مما تقوم به وسائل الإعلام في تكريس صور معينة للمرأة في عقول المتابعين، في سياق نشر صور هابطة المستوى لا تمثل رقي ورفعة المرأة، وكذلك الانحدار بسلوكها إلى الهاوية؛ لتبديل قيم واعتقادات أفراد المجتمع لسبب أو آخر لا يخفى على أحد، وفي مجتمعاتنا العربية، وعلى شفا العولمة لا يزال من المحتمل أن تظهر النساء في الإعلانات بطريقة نمطية،إذْ إن التغييرات التي حدثت في وضع المرأة تُوجِد معضلة للمعلنين في تصوير الرجال والنساء في أدوارهم التقليدية، أو تصويرهم في صورتهم الجديدة “المتحررة”.
وأنت عزيزي القارئ، ندعوك إلى أن تشاركنا برأيك حول الموضوع!