وصفه آينشتاين بالمستحيل!
استطاع علماء الفلك القيام بما وصفه آينشتاين مستحيلًا؛ وزن قزم أبيض بتأثير الجاذبية!
عندما قام ألبيرت آينشتاين بصياغةِ نظريّته النسبيّة العامة؛ لم يتخيل يومًا أن إحدى توقعاته ستكون متاحة للملاحظةِ المباشرةِ – ضوءُ نجمٍ بعيدٍ يعوَجّ و يتضخّم عبر جاذِبيّة جسمٍ آخرَ في طريقهِ!
فقد تمكّن علماءُ الفلكِ مؤخرًا من ملاحظةِ توقُعات أينشتاين، واستخدموها في حلّ لغز كتلةِ نجمٍ قزمٍ أبيضَ، والذي لم يكنْ ممكنًا حتّى وقتٍ قريبٍ جدًا إلا نظريّا فقطْ.
كشفتِ النتائجُ الجديدةً طريقًا جديدًا في فهمِ نشوء المجرّاتِ بما فيهَا دربُ التبّانةِ.
يقولُ تيري أوزوالت(Terry Oswalt) -عالمُ الفلكِ في جامعةِ إمبري ريدل للطيران، والكاتبُ في مجلة ساينس- :
يضيف البحث أداة جديدة لتعيين وتحديد كتل الأجسام التي لا يمكن قياسها عبر الوسائل المعيارية الأخرى، مُشيرًا إلى أهمية السبق العلمي الجديد.
ما يحدث في نظر آينشتاين في النسبية العامة هو المسمى بـ”تعدّس الجاذبية”، و هو التضخم الناتج عن انحناء ضوء كتلة بعيدة ما؛ عند مروره بمجال جذبي لكتلة ما أقرب، ككتلة نجم مثلًا. و تتوقع النسبية العامة لآينشتاين أن ينحني الضوء ضعفي توقعاته في قوانين نيوتن للجاذبية.
بدأت ملاحظة ظاهرة تعدّس الجاذبية عام 1919 أثناء خسوف كلي للشمس، عندما ظهر ضوء “نجم عنقود القلائص” خلف الشمس، وتمكن العلماء من ملاحظته في الظلام. و من خلال قياس ضوء عنقود القلائص النافذ في مجال جاذبية الشمس ومقارنته مع تقديرات آينشتاين؛ تمكن العلماء من إيجاد الدليل الأول على صحة النسبية العامة. حيث اقترح آينشتاين أن ضوء نجم بعيد يسطع بشكل أكبر عندما يمر بمجال جذبي لجسم ما في طريقه.
التقوس المكاني المحيط بالكتلة الضخمة هذه تتصرف كعدسة تكبير عملاقة. فعندما يمر نجم أمام آخر في مجال الرؤيا، تتشكل “حلقة آينشتاين” وهي ضوء ذو شكل حلقي تام بسبب “التعديس المياكروي الثقالي”، و لأن النجوم موزعة بتباعد عن بعضها البعض؛ ففرص رؤية انتظام نجمي مماثل ضعيفة. تصور آينشتاين استحالة إجراء تجربة كهذه، ووصفها ببعض التشاؤم عندما كتب في عدد ديسمبر/كانون الأول من مجلة “ساينس” العلمية: “لا أمل في ملاحظة ظاهرة كهذه بشكل مباشر”.
آينشتاين كان محقًا بقلة تفاؤله، ففي الـ80 عام الماضية لم تلاحظ حلقات آينشتاين إلا بشكل جزئي وعدة مرات فقط، ولم يستطع أحد أن يراها بشكلها الدائري التام حتى وقت قريب. تكمن صعوبة الملاحظة بسبب ظاهرة “العدسة الفلكية”، فوجود نجمين متتابعين خارجين عن محاذاة بعضهما البعض بشكل طفيف يسبب التوهم بتغير موقع النجم الأبعد في مجال الرؤية، وبالتالي خروجه عن مركزه الأصلي. ظاهرة العدسة الفلكية تسبب ظهور ما يسمى بحلقة آينشتاين اللامتماثلة، المشابهة إلى حد ما للسراب.
تمكن الباحثون في معهد هابل للعلوم أخيرًا من ملاحظة حالة لامتماثلة بالفعل لنجم آخر غير الشمس، وذلك بفضل “دقة زاوية” فائقة في تلسكوب هابل الفضائي. يقول أوزوالت في مقاله لساينس: “الحلقة و ضوؤها صغيران جدًا ليقاسا، لكن لا تماثليتها تسببت بظهور النجم البعيد خارج مركزه الأصلي”.
بحث كايلاش شاندرا ساهو”Kailash Chandra Sahu” -مؤلف رئيسي و عالم فضاء في معهد تيلسكوب الفضاء الأمريكي- هو و فريقه في السماء، في أكثر من 5000 نجم للعثور على محاذاة نجم لامتماثلة،. وقد أجمعوا على نجم القزم الأبيض شتاين 2051 ب Stein 2051 B، والذي وجدوه أنه نجم محاذي لامتماثل يقع خلف نجم بعيد آخر عثروا عليه في مارس 2014. و تمكن الباحثون من استخدام القياسات لتخمين كتلة نجم القزم الأبيض لتكون حوالي 68% من كتلة الشمس.
لم يتمكن العلماء من معرفة كتلة و تركيب النجم شتاين 20511 ب حتى اللحظة. ولأكثر من قرن، كان يعتقد بأن النجم – والذي هو النجم القزم السادس في ترتيب قربه من الشمس- يحتوي على تركيب غير اعتيادي، كتلة صغيرة، و نواة حديدية. لكن النتائج الجديدة تظهر بأن النجم الغامض شتاين 2051 ب، في الواقع يشبه متوسط قزم أبيض مع كتلة كبيرة نسبيًا و نواة من الكاربون والأكسجين.
****نموذج وصفي****
من المعلوم ان 97% من النجوم في المجرة إما تكون أقزامًا بيضًا، أو نجومًا في طريقها لتصبح كذلك. إذ أنهم يشكلون الطور الأخير في رحلة تطور النجوم، و يوفرون لمحات في ماضي ومستقبل الكون، يقول أوزوالت مشيرًا الى أهمية القزم الأبيض: “لأنها أحفورات كل الأطوار السابقة للنجوم، الأقزام البيض هي مفتاح معرفة تاريخ وتطور المجرات كمجرتنا”.
أخيرًا، في المستقبل ومع بعض المسوح الفضائية الضخمة باستخدام أدوات متطورة كمنظار المسح الإجمالي الكبير Large Synoptic Survey Telescope؛ يرجح علماء الفلك العثور على المزيد من هذه الحوادث النادرة والقليلة نسبيًا..
و من الناحية النسبية؛ سيكون آينشتاين فخورًا حقًا.
المصدر.
الورقة العلمية في مجلة ساينس
#فلك
#فيزياء
#الباحثون_المسلمون