حتى وقت قريب، كانت فكرة انشاء [هولوغرام] ( صورة مجسمة للفوتون ) تعدُّ من الأمور المستحيلة؛ بسبب قوانين الفيزياء الأساسية، ولكنَّ هذا لم يكن رأي علماء قسم الفيزياء في [جامعة وارسو ] الذين نجحوا في تطبيق مفهوم [ الهولوغرام ] الكلاسيكي على عالم الظواهر الكمومية، فقد تمكنوا ولأول مرة من تسجيل صورة [هولوغرام للفوتون ] وذلك باستخدام تقنية قياس جديدة، وهم بذلك قد سلّطوا الضوء بشكل جديد على أُسس ميكانيكا الكمّ. هذا وقد قاموا بنشر نتائج بحثهم وتجاربهم في مجلة [ Nature Photonics] الشهيرة.
يقول الدكتور [ Radoslaw Chrapkiewicz ] : « تمكنا من إجراء تجربة بسيطة نسبياً لقياس وعرض شيء صعب جداً مراقبته ألا وهو شكل صدر الموجة للفوتون ».
ففي الصور العادية, فإنَّ كلَّ نقطة منفردة تمثل تسجيلاً للشدَّة الضوئية فقظ، أمَّا في الصورة[الهولوغرامية] الكلاسيكية فظاهرة التداخل تمثل تسجيلاً لطور الموجة الضوئية، عندما يتم انشاء صورة [هولوغرامية] فإنَّ موجة الضوء المرجعية تتداخل مع موجة أخرى من نفس الطول الموجي منعكسة عن مجسم ثلاثي الأبعاد، يؤدي التداخل والاختلاف بالطُّور بين الموجتين إلى انشاء نمط معقد من الخطوط يمثل [ الهولوغرام] ، وهذا [ الهولوغرام ] يتم إضاءته فيما بعدُ بموجة ضوئية مماثلة للموجة المرجعية لإعادة إنشاء البنية المكانية لصدر الموجة المنعكسة عن المجسم وبالتالي نحصل على صورته ثلاثية الأبعاد.
قد يعتقد المرء أنَّ آلية مماثِلة سوف تُلاحظ عندما يتمّ تقليل عدد [الفوتونات ] المُشكلِة للموجتين السابقتين إلى أصغر قيمة ممكنة, أي : في حالة أن يكون[ فوتون] واحد مرجعياً و[ فوتون ] آخر منعكساً عن المجسم، ولكنَّ هذا ما لا يحدث؛ فالطّور [للفوتونات] المنفردة يستمر بالتذبذب؛ الأمر الذي يجعل التداخل الكلاسيكي مع [الفوتونات ] الأخرى مستحيلاً، لكنَّ علماء الفيزياء في [جامعة وارسو ] حاولوا معالجة هذه القضية بطريقة مختلفة، عوضاً عن استخدام التداخل الكلاسيكي للموجة الكهرطيسية ,حاولوا تسجيل التداخل الكُمومي بحيث تتفاعل الدالات الموجية [للفوتونات] .
فالدَّالة الموجية تعدَّ احدى المفاهيم الأساسية في ميكانيك الكَمّ وتعدّ جوهر أهمّ المبادئ فيه ؛ ألا وهي معادلة [ شرودينغر ]، ويمكن استخدام هذه الدّالة لتشكيل نموذج لنظام الجسيمات الكموميّة، ودائماً ما يسعى علماء الفيزياء للتّعرف على الدّالة الموجية لجسيم ما في نظام معين, حيث يُمثل مربع معاملها توزع احتمال العثور على الجسيم في حالة معينة والذي يعدُّ أمراً مفيداً للغاية.
يقول طالب الدكتوراه [ Jachura ]: « يبدو الأمر معقداً ولكنْ في الحقيقة, انَّ التجربة التي قمنا بها بسيطة، فبدلاً من أن نراقب تغيير شدة الضوء, فنحن نراقب تغيير احتمال تسجيل زوجين من الفوتونات بعد التداخل الكمومي » .
لكن, لماذا زوجان من [ الفوتونات ]؟ قبل عام من الآن، استخدم كل من[ Chrapkiewicz و Jachura ] كاميرا مبتكرة بُنيًتْ في [جامعة وارسو] لتصوير سلوك زوجين من [ الفوتونات ] يمكن تمييزهما وآخرين لا يمكن تمييزهما عند دخولهما مُجزِئ حزمة، ووجدوا أنَّ سلوك [الفوتونات] التي يمكن تمييزها عند مجزئ الحزمة يكون عشوائياً، فأحد [الفوتونات] يمكن أن يمرَّ أو ينعكس عن مُجزِئ الحزمة بمفرده، بينما وجدوا أنَّ[ الفوتونات] التي تكون غير مميزة تتداخل كمومياً؛ الأمر الذي يؤدي إلى تغيير في سلوكها، فهي تنتقل كأزواج فتنعكس معاً أو تجتاز المجزئ معاً، وهذا يُعرف بالتداخل ثنائي [الفوتون] أو تأثير[ Hong-Ou-Mandel].
يقول الدكتور [Chrapkiewicz] : « هذه التجربة ألهمتنا أن نتسأل فيما إذا كان من الممكن استخدام التداخل ثنائي الفوتون بطريقة مماثلة لاستخدام التداخل الكلاسيكي في التصوير [الهولوغرامي] ؟ الأمر الذي يمكننا من استخدام [ فوتونات ] معلومة الحالة للحصول على معلومات حول [فوتونات] غير معلومة الحالة، تحليلاتنا قادتنا إلى استنتاجات مفاجئة؛ اتضح أنَّه: عندما يبدي [فوتونان] تداخلاً كمومياً ؛ فإنَّ مسار هذا التداخل يعتمد على شكل صدريِّ موجتيهما ».
يمكن ملاحظة التداخل الكمومي عن طريق رصد أزواج من [الفوتونات] . وتحتاج التجربة لأنْ تتكرر أكثر من مرة، ودائما مع اثنين من [الفوتونات] لهما خصائص متماثلة. لتلبية هذه المتطلبات بدأت كلَّ تجربة بزوج من الفوتونات مع صدر موجة مسطَّحٍ واستقطاب عامودي، وهذا يعني أنَّ الحقل الكهربائي لكل [فوتون] يهتز في مستوي واحد فقط، وهذه المستويات متعامدة من أجل [فوتونين] ، هذا الاستقطاب المختلف يجعل من الممكن فصل [الفوتونين] في بلُّورة وجعل أحدهما غير معروف بواسطة تقويس صدر موجته وذلك استخدام عدسة اسطوانية.
عندما يتم عكس [ الفوتونين] على المرايا يتم توجيههما باتجاه مجزئ الحزمة, والذي هو عبارة عن بلورة من [ الكالسيت ]. هذا المُجزئ لا يُغير اتجاه الاستقطاب العامودي [للفوتون] ولكن يُفرّق بينه وبين اتجاه [الفوتونات ] ذات الاستقطاب الأفقي، ولجعل كل اتجاه استقطابي يأخذ قيمة احتمالية متساوية, وللتأكد أيضاً من أنْ تعمل البلورة كمجزئ حزمة ؛ قام الباحثون بتدوير استقطاب [الفوتونات] بزاوية [45 ] درجة قبل دخولها لمجزئ الحزمة، وباستخدام نفس الكاميرا التي تحدثنا عنها أعلاه قام الباحثون بتسجيل [الفوتونات]. ومن خلال تكرار القياسات لمرات عديدة, حصل العلماء على صورة التداخل الموافقة [ لهولوغرام فوتون ] غير معروف مُشاهدٍ من نقطة واحدة في الفراغ، الصورة التداخلية هذه اسْتخدمت لإعادة إنشاء السَّعة والطوَّر للدّالة المُوجية [ للفوتون] غير المعروف.
هذه التجربة تُعدُّ خطوة كبيرة نحو تحسين فهم المبادئ الأساسية لميكانيك الكم، فحتى الآن لا يوجد تجربة سهلة للحصول على معلومات حول طور الدالة الموجية، وعلى الرغم من أنَّ لميكانيكا الكمّ العديد من التطبيقات؛ فنحن غير قادرين على شرح طبيعة الدَّالة الموجية؛ فهل هي مجرد اداة رياضية أم أنها شيء حقيقي ؟
يقول [Jachura ] : «تعدُّ تجربتنا الأولى من نوعها التي تسمح لنا بمراقبة أحد المعايير الأساسية للدالة الموجية [ للفوتون ] , ألا وهو طَورها. وهذا ما يُقربنا خطوة اضافية لفهم ماهية الدالة الموجية« .
يستخدم علماء الفيزياء في[ جامعة وارسو] الصورة [ الهولوغرامية ] الكمّية لإعادة إنشاء الدّالة الموجية [لفوتون] منفردًا، ويأمل العلماء أن يكونوا قادرين في المستقبل على استخدام نفس الآلية لإنشاء دالات موجية لأجسام موجية أكثر تعقيداً مثل الذرات. ويبقى السؤال التالي قائماً , هل سيجد التصوير [الهولوغرامي ] الكميُّ تطبيقات خارج المختبر كتلك التطبيقات التي يتمتع بها [الهولوغرام ] الكلاسيكي؟
يقول البروفيسور[ Konrad Banaszek ] : « من الصعب الإجابة عن هذا السؤال اليوم، فعلى كلّ واحد منا الآن – وأعني هنا نحن الفيزيائيين – أنْ يحاول استيعاب هذه الأداة الجديدة، فمن المحتمل ألاّ تظهر تطبيقات حقيقية للتصوير[ الهولوغرامي] الكميّ لبضع عقود من الآن، ولكنْ إذا كان هناك شيء نحن متأكدون منه فهذا سيكون أمراً مدهشاً».