يُرجى الضغط على الرابط التالي للاستماع للمقال صوتيا:
قال رب العزة تبارك وتعالى: ” خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ(6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) ”
خاتمة المقال مهمة جدًا.
تردنا أسئلة كثيرة حول هذه الآية، فكيف يقول الله {{يخرج من بين الصلب والترائب}}، بينما أظهر العلم أن نشأة الإنسان من تلقيح النطفة للبويضة، والنطفة تنشأ من الخصية والبويضة تنشأ من المبيض، فما علاقة الصلب والترائب؟
تردنا أسئلة من هذا النوع، رغم أنَّ الآية صحيحة من وجوهٍ عدة وليس من وجهٍ واحد، وسنوضح هذا في المقال، ونستغل الفرصة للحديث عن أمرٍ جديد في الطب، فتابعوا معنا:
أولًا: قبل البدء:
دائمًا ما يثبت القرآن تفوقه على زمانه، سواءً لغويًا عندما بدع الناس في الأدب، أو سياسيًا عند بناء الدول، أو اجتماعيًا عند تنظيم العلاقات بين البشر، وكذلك في الناحية العلمية، فكثير من الآيات لم تكن مفهومة من قبل، وما كان يمكن لأهل الأزمنة الغابرة أن يعرفوا معانيها مهما فكروا وتأملوا، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى {{وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين}} [الحجر: 22]، فكان من المستحيل في القرون السابقة معرفة ما علاقة الرياح بالتلقيح بإنزال المطر! ذلك أنهم لم يكونوا على اطلاع على وجود شيء يدعى الشوارد أساسًا، والتي تلقح الغيوم، ولا يمكن أن يخطر ببالهم، لكن آمن الناس بها لإيمانهم أن هذا كلام الله من أدلة أخرى جاءتهم تثبت لهم يقينًا ذلك، وتركوا الأمور غير الواضحة، والتي لا يتقبلها عقلهم بعد لقلة علمهم، فمثلًا في تلك الآية (تلقيح الغيوم) لم يكونوا ممن قال فيهم الله {{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله}} [يونس: 39]. إلى أن وصل الإنسان بتقدم العلم في القرن العشرين إلى معرفة الأمر بفضلٍ من الله {{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}} [فصلت:53].
—————————
—————————
ثانيًا: المفردات:
الماء الدافق هو مني الرجل
أما الصلب والترائب فاختلف فيها المفسرون، وبعضهم فسرها على أنَّها جميع عظام الجسم.
وأغلبهم يقول أنَّ الصلب هو الظهر أو عظام العمود الفقري.
أما الترائب فهنالك اختلافٌ فيها، فهي الضلوع، أو موضع القلادة أي ما يوازي أسفل الضلوع.
فبعض المفسرين ذكر أنه يخرج من المكان بين الأضلاع والعمود الفقري، وبعض المفسرين ذكر أنه يخرج منها نفسها (من الأضلاع والعمود الفقري)، فهنالك اختلافٌ في هذا، عمومًا:
ثالثًا: لننتقل إلى الجانب العلمي:
كما ذكرنا لكم، الآية صحيحة من وجوهٍ عدة، لكن المراد الذي أراده الله بها لا نستطيع أن نعلمه على وجه الدقة، لذلك سنستغل اليوم الفرصة لإيضاح بعض العلوم لكم لزيادة معرفتكم العلمية.
1- الأمر المعروف في الأوساط الطبية، ولا يعرفه الناس:
بالعودة إلى نشأة الغدد التناسلية عند الجنسين فإنها في المرحلة الجنينية تكون متموضعة على جانبي العمود الفقري أسفل الظهر.
وبين الشهر الثالث من الحمل ونهايته تنتقل الخصيتان من منطقة أسفل الظهر إلى كيس الصفن عبر القناة الإربية أسفل جدار البطن الأمامي، ويرجع هذا النقل إلى مزيج من عمليات النمو والتأثيرات الهرمونية.
يتم أيضًا تحريك المبيضين بشكل طفيف من مكان نشأتهما في منتصف البطن إلى الحوض.
ينتج هذا الانتقال جزئيًا عن النمو الهائل في منطقة البطن العليا بالمقارنة مع منطقة الحوض.
يقول الدكتور محمد دودح:
” والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية، ثم تخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم، وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل، وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية”.
معلومة صادمة لغير الأطباء، صحيح؟
إذا كان هذا يزيل اللبس فما النقاط الأخرى؟
كما ذكرنا، نحن لا نجزم بالمقصد من الآية في شيء، إنما نوضح حقائق علمية تجعلنا متعجبين من الآية من وجوهٍ عدة.
2- المعلومات الطبية الحديثة، ومفاجأة على الصعيد العلمي:
أبحاث جديدة غيرت بعض المسلمات:
هل الخلايا الجنسية تنتج بدايةً من الخصيتين والمبيضين أم من العظام؟!
سؤال قد يبدو سخيفًا، بل وغبيًا أيضًا، لكن كثيرًا ما تنقلب الأمور في العلم من أمور في منتهى الغباء إلى حقائق.
فيبدو أنك لا تستطيع الإجابة بالخصيتين والمبيضين بكل ثقةٍ بعد الآن، فالعلماء في اضطراب نتيجة أبحاثٍ جديدة.
(نقي العظام: النسيج داخل العظام، تُصطنع فيه كريات الدم).
نشر العلماء في الدورية العلمية cell ورقة علمية يعرضون فيها أدلة تعارض النظرية التي لا تنسب دورًا لنقي العظام في تشكيل الخلايا الجنسية، وقدموا أدلة تثبت أن لنقي العظم دورًا في إمداد المبيض بالخلايا التناسلية، وأهم ما ورد في الورقة:
أ- تأكيد محايد للنتائج أن الخلايا المنتجة للخلايا الجنسية المتعددة موجودة في نقي عظم الإنسان والفأر.
ب- اكتشاف خلايا مكونة للخلايا الجنسية المتعددة في نقي عظام إناث متبرعات أعمارهن بين 24 و36 عامًا.
وفي عام 2007 م نُشرت ورقة علمية لبحث وجد فيه العلماء دليلًا مباشرًا أن نقي العظام يخرج منه خلايا للخصية لتشكل الحيوانات المنوية في الإنسان، وقال العلماء أنهم أكدوا أن جزءًا صغيرًا من نقي العظام قادر على التمايز لخلايا مشابهة للخلايا الجنسية الذكرية، وأن نقي العظم مصدرٌ كامن للخلايا التناسلية التي يمكن أن تعزز إنتاج الحيوانات المنوية.
ليس هذا وحسب، بل هنالك أدلة أخرى تتضمن أشخاصًا كانوا عقيمين وعادت لهم القدرة الإنجابية بعد زرع نقي.. ومنها:
1- سجّلت امرأة عقيمة تدمرت لديها خلايا المبيض بعد علاجها بالأشعة، وبعد زرع نقي العظم لها عادت قدرتها الإنجابية، ولُوحظ وجود خلايا تنتقل وتكون البويضات.
2- هناك بويضات تكونت في المبيض بعد عملية زرع النقي.
3- عودة القدرة الإنجابية لشخص بعد زرع نقي العظام.
4- حالة رجل عادت له القدرة الإنجابية بعد زرع النقي، وذلك بعد تدمير الخلايا التناسلية أثناء العلاج الكيماوي.
——————-
فقد تكون هذه الأبحاث الجديدة بابًا لمعرفة المقصد من قوله تعالى: {{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}} [الأعراف: 172]، وقوله: {{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}} [النساء: 23]، فالأبحاث السابقة لم تحدد العظم الذي أتت منه الخلايا التناسلية، وما زالت تحتاج الكثير لبيان التسلسل الوظيفي وصولًا للخلايا العرسية، لذا هي بابٌ لمزيد من الأبحاث لأمر لم يكن متوقعًا من قبل.
ملاحظة: يشكل العمود الفقري والقفص الصدري معظم نقي العظام في الجسم البشري.
—————————
رابعًا: ملاحظة:
ذكر بعضهم مؤخرًا أن لفظ {{يخرج من بين الصلب والترائب}} يعود على الوليد عندما يولد، فكانت الآية بعدها {{إنه على رجعه لقادر}}.
نقول أنه لغويًا ممكن، لكنه غريب عن التفاسير السابقة.
—————————-
فالسؤال الذي يُطرح هنا: هل سيطلعنا الله لاحقًا على جانبٍ جديد لقوله {{يخرج من بين الصلب والترائب}}، ولقوله: {{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}} [الأعراف: 172]؟ هذا ما نحن بانتظاره، وبانتظار مشاركة باحثين مسلمين فيه أيضًا.
وكإعادة لأهم فقرة في المقال:
لا تكن أخي الكريم ممن قال فيهم الله تعالى:
{{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله}} [يونس: 39].
{{وما جعلنا القبلة التي كنتَ عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم}} [البقرة: 143].
{{ومن الناس من يعبد الله على حرف}} [الحج: 11]، وقوله تعالى: {{وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلًا ۘ يضل به كثيرًا ويهدي به كثيرًا وما يضل به إلا الفاسقين}} [البقرة: 26].
فهل أنت محافظ على وردك اليومي من القرآن ومتدبر له؟ إن لم تكن تفعل فأنت من يهلك نفسه، قال تعالى: {{كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلًا}} [الفرقان: 32].
والله تبارك وتعالى أعلم.