هل الغيرة فطرية أم مكتسبة ؟؟!!هل للغيرة إيجابيات ؟؟!!
الغيرة سلوك فطري عند الانسان عموماً وعند الطفل في سنواته الأولى خصوصاً..
وقد نراها عند البنات أكثر من البنين ..
الشعور بالغيرة أمر خطير يؤثر على حياة الطفل ويسبب له صراعات نفسية متعددة، وهي القاسم المشترك اذا تجاوزت الحد المعقول لكثير من المشكلات التربوية، فهي أهم العوامل التي تؤدي بالطفل إلى الكذب أو العناد أو العدوان أو الانطوائية أو التبول اللاإرادي أو مص الأصابع وقضم الأظافر أو الرغبة الشديدة في شد انتباه الآخرين وجلب عطفهم بشتى الطرق أو التظاهر بالمرض ..
وتظهر غيرة الأخوة بعضهم من بعض في عدة صور مثل :
– غيرة الطفل على أخيه المولود حديثاً أو :
– غيرته من إخوته الذين يكبرونه أو :
– غيرة البنت من الولد إذا كانت الاسرة تفضل الولد على البنت لأي سبب من الأسباب
ومشاعر الغيرة الشديدة التي تحدث بين أطفالك تخزّن غالباً في ذاكرتهم وتنمو معهم وتبقى ثابتة لا تمحى .. أما إذا كانت الغيرة معتدلة : فيكون لها في الغالب ايجابيات .. فهي تدفعه نحو المنافسة الشريفة مع إخوته مما يجعله يتعلم كيف يحصل على حقوقه ويؤكد ذاته وسط الآخرين وتجعله ينسلخ من النمط الطفولي الذي يتسم بالتبعية للأم والالتصاق بها لتحقيق الحماية في كنفها إلى آفاق أرحب وأوسع
نصيحة : ” افهم انفعال الغيرة… تفهم كيفية التعامل معها. حيث قد تستطيع تحويلها الى سلوك إيجابي وهذا ما سوف نتعلمه مع مواضيعنا القادمة”
————————–
قبل البدء في أسباب الغيرة وطرق علاجها .. هناك بعض المفاهيم يبنغي ذكرها
– المفهوم الأول : لا تعاقب !!
لا تعاقب طفلك على غيرته. قد يتصرف تصرفا غير لائق… يضرب… يشتم… او يفعل اي امر آخر.
لذلك، تذكر ان جميع هذه التصرفات هي ردود أفعال لا اكثر !! فالأصل ان تساعد الطفل على التعامل مع غيرته بدل عقابه
نصيحة : ” الغيرة هي ردة فعل دفاعي من قبل الطفل ليثبت وجوده… علمه… فهمه… فقم بتثقيفه كيف يعبر عن غيرته بشكل ترضاه ويرضاه من حوله ”
– المفهوم الثاني : حفز !!
كما ذكرنا سابقا، ليست الغيرة كلها مذمومة. قم بتدعم ما تراه مناسبا من سلوكيات الطفل. قد تكون هذه السلوكيات (مثل الدراسة) أساسها غيرة الطفل من أخيه.
– المفهوم الثالث: لا تخبر أحداً !!
لا تخبر اي احد عن تفضيلك لاحد أبنائك. وعندما نقول اي احد… نقصد بالفعل اي احد !! لا يعلم الواحد متى يزل لسان غيره فيقع الفأس بالرأس.
نصيحة : ” الاطفال… ان لم تشغلهم شغلوك . اشغل كل واحد منهم بنفسه وسوف تجد ان غيرته تقل وتتلاشى
– المفهوم الرابع: افهم العدل تفهم توابعه !!
يفهم البعض (العدل) على أنه (المساواة) في كل شيء وهذا خطأ !! فأولادك وبناتك مختلفين – فاعط كل منهم ما يستحق – قد يتعدى مفهوم العدل التوزيع بالتساوي بين الاطفال. قد يكون من العدل ان تلعب مع احمد لعبة كرة القدم بينما ترسم مع نوره رسمة ما في مقابل مساعدة جاسم على تعلم السباحة !!
في المثال السابق، نجد انه لو طبقنا العدل بمفهوم التساوي… سوف نظلمهم بذلك.
نصيحة : ” كن ذكيا في معرفة وتوزيع العدل بين أبنائك. ليس العدل ان تعطيهم بنفس المقدار، بل بما يحبه كل طفل”
——————-
الغيرة بين الاطفال: أسبابها وعلاجها
السبب الأول وعلاجه : الاهتمام وهو أهم سبب …
الاهتمام الزائد أو الناقص تجاه بعض أطفالك يعزز الغيرة بينهم. إذن ما الحل؟
السؤال المهم لكي نتعامل بفطنة مع هذا الموضوع هو : لماذا يحتاج الطفل إلى لفت انتباه أبويه؟ السبب الرئيسي هو رغبة الطفل بالشعور بالأمان والذي يرتبط بالانتباه. الحل يكمن إذاً في اعطائه الشعور بالأمان.
ويجب علينا أن ندرك أن الاهتمام متغير بمعنى :
قد تتغير رغبة الطفل بالاهتمام من سن إلى آخر. الطفل الصغير (مثلا) يتمنى ان تكون نسبة الاهتمام 100% بينما الطفل بعمر 12 سنوات نجده قد لا يرغب بالاهتمام حتى “يأخذ راحته” ويعمل الذي يريده. كمية الاهتمام تختلف أيضاً حسب المكان (البيت – السوق – مكان الالعاب – زيارة الأهل) والكمية (دقائق – طول اليوم – ساعة النوم).
. اذا كانت الغيرة مصدرها مولود جديد، فتجنب اظهار الاهتمام امام الطفل الكبير حتى لا يشعر أن بساط الاهتمام قد اخذ من تحت قدميه.
حاول قدر الإمكان تجنب إظهار محبتك للطفل الجديد أمام الطفل الذي يكبره سناً
لاتقبل ولا تلاعب ولاتمازح الطفل الصغير الجديد إلا في غياب أو إنشغال الطفل الأكبر منه حتى ولو رأيت الطفل الصغير في موقف مضحك أو قال شيئا مضحكا
قاوم رغبتك في إظهار اهتمامك به عندما يكون الطفل الآخر موجوداً
لا نبالغ عندما نقول ان هذا هو حل 99.9999 % من مشاكل الغيرة.
—————–
السبب الثاني للغيرة : المقارنة بين الاطفال ..
السبب الأساسي الثاني للغيرة بين الاطفال هو المقارنة بينهم بعلمنا ام بغير علمنا. نقارن احيانا بين… درجاتهم… ذكائهم… هواياتهم… تحملهم للصعاب… بل وحتى بين ملابسهم واختيارهم لها احيانا !!
• يجب ان نعرف ان الناس ليسوا كأسنان المشط… فلكل واحد منا قدرات ومواهب ومزايا وعيوب أيضاً. والحلول المقترحة :
١- الحل الاول: ان افضل حل لمشكلة المقارنة هو تعويد انفسنا وتعويد اطفالنا على مقارنة انفسنا…. بأنفسنا – نعم، ان هذا الأسلوب فعال للاطفال لكي يحل مشكلة الغيرة بينهم وفعال لنا أيضاً بحيث يبعدنا عن المقارنة.
عود طفلك (وانت كذلك) ان تقارن عملك الحالي بالسابق… فأداء الطفل بالمدرسة نقارنه بأدائه بالعام الفائت وليس بأداء اخوانه..
2- الحل الثاني: بما أن الأصل هو ان الاطفال مختلفين في الطباع والمواهب والشخصية : فشجع كل واحد منهم نحو مهارة معينة قد يتقنها واجعلها ملتصقة به. فهذه رسامة… وهذا شاعر … وهذا رجل إطفاء… بهذه الطريقة، سوف يصعب على الاطفال ان يقارنوا بين بعضهم البعض ونحن كذلك
نصيحة : ” ان لنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة. فالناظر الى تعامله مع الصحابة الرجال وحتى صغار الصحابة، يجده يشجع كل صحابي بما يراه اهلا له. وهذا احد اسرار نجاح الجيل الرباني الاول ودافعيته نحو إعلاء كلمة الله بما يتقنه “
————————
السبب الثالث للغيرة : التفرقة في المعاملة …
قد تقولون اننا ذكرنا في السابق انه من العدل ان لا نعامل الاطفال بمستوى واحد… وهذا يعني التفريق في المعاملة !!
الجواب: هناك شعرة بين مفهوم العدل والتفرقة في المعاملة. دعونا نقدم لكن مثال وفيه الحل باذن الله.
عندما يحب جميع الاطفال اللعب في لعبة معينة، فمن العدل ان نجعل الوقت بينهم بالتساوي. في مقابل ذلك، من غير العدل ان نجبر الجميع على لعب لعبة يحبها طفل واحد فقط !!
الحل : باختصار شديد، متى ما فهمت الفرق بين مفهوم العدل (ارجع له في بداية موضوع الغيرة) ومفهوم التفرقة في المعاملة، فالموضوع محلول باذن الله.
نصيحة : ” امر يحبه جميع الاطفال = وقت متساوي بين الجميع وهذا عدل. امر او هواية يحبها البعض = تلبية هذه الهواية للبعض في مقابل تلبية هواية اخرى لباقي الاطفال وهو عدل أيضاً ”
————————
السبب الرابع للغيرة : ضعف الثقة بالنفس …
ما ربط الثقة بالغيرة ؟ هذا سؤال في الصميم… عندما تضعف ثقة الاطفال بأنفسهم، فغالبا ما يصاحب ذلك شعور بالإحباط والغضب… في مقابل ذلك، نجد ان الإحباط والغضب هما من اكثر ما يوقد حس الغيرة بين الاطفال. فبدل ان يجابه الطفل نفسه ويقويها، نجده يتجه الى رؤية غيره ومقارنة نفسه بهم وهذه هي احد الحيل النفسية اللاشعورية والتي جبل الانسان عليها.
نصيحة : ” ان كان سبب غيرة طفلك من قلة ثقته بنفسه، فالأمر يحتاج الى وقت. ان سبب ضعف الثقة يعتبر من اكثر الأسباب التي تطول وبالمقابل تطول فترة علاجها. فالله الله بالتصبر”
———————–
السبب الخامس للغيرة : عدم إظهار مشاعر الغيرة !!
قد تكون مشكلة البعض انهم لا يسمحون للاطفال بالتعبير عن مشاعر الغيرة لديهم. فنراهم يركزون على الخطأ في سلوك الطفل الغيران مثل الصراخ ولا يركزون على أسبابه ..
ان عدم السماح للطفل بإبداء مشاعر الغيرة يؤدي الى الكبت. كثرة الكبت تؤدي الى الشعور بالعزلة والشعور بان الأبوين لا يحبون الطفل اضافة الى الإحباط.
الحل : هناك عدة حلول تجاه إظهار مشاعر الغيرة لدى اطفالنا
١- لا تتعامل مع سلوكه الخاطىء بالحزم الشديد. فكر في سبب سلوكه اكثر من تبعات سلوكه.
٢- المشكلة تكمن في السلوك المصاحب لغيرة الطفل وليس في غيرته. فالحل في توجيه سلوكه بدل نقده. قل له: انا اشعر بشعورك. اذا حسيت انك غيران قول اشعر بالغيرة بدل الصراخ….
نصيحة : ” يمكن لأطفالنا أن يحولوا أي انفعال الى اداة للتواصل الفعال اذا أحسنا توجيههم”
———————–
السبب السادس للغيرة : تحميل الطفل مسؤوليات اكبر من مسؤولياته !!
عندما نحمل الطفل مسؤوليات اكبر من سنه ونتوقع نتائج في مقابلها، سوف نجد الطفل بين نارين: نار عيش حياة الراشدين او نار إهمال المهام الملقاة عليه وعيش طفولته. إن الجمع بينهما امر صعب !! ان كثرة المسؤوليات على احد الاطفال تؤدي الى غيرته من غيره او تؤدي الى غيرة غيره من الاطفال منه.
نصيحة : ” بعض اطفالنا قد يعاني من قلة المسؤوليات التي تعطى له. البعض منا قد يلقي المسؤولية على الابن الأكبر ويهمل الآخرين…لذلك كن حذر !! ”
————————–
السبب السابع والاخير للغيرة : هو الانانية …
خاصة في عمر ٣ سنوات، يبلغ الطفل ذروة الرغبة بالتملك والتي قد تتسع دائرتها لتصبح سمة أساسية وهي الأنانية.
الحل : لابد ان يتعلم الطفل ان له حقوق وواجبات. اذا كانت هذه الصورة واضحة لديه فنجد ان مفهوم الأنانية يقل مع الايام.اكتب حقوقه وواجباته في لوحة المهام في البيت. سوف يعرف (مع الوقت) ان لكل فرد في العائلة حقوق وواجبات.أضف الى ذلك، شجع شراء الألعاب الجماعية التعاونية وابتعد عن الألعاب الفردية.عند الذهاب للسوق ، عندما يرغب طفلك بشراء امر معين… ذكره وقل له :
“ ليش ما نشتري لإخوانك بعد… ما رايك نشتري هدية لصديقك…”
ان مثل هذا السلوك يعزز حب الآخرين ويقلل روح الأنانية والتملك.
نصيحة : ” ان حب الخير وأهله من الممكن ان يزرع في عمر ٢ فما فوق. حبب له الخير تفلح في الدنيا والآخرة وايضاً شجع السلوك الجماعي بشتى أنواعه مفهوم السلوك الجماعي قد يزعج البعض او قد لا يفضله البعض الاخر. ولكن تذكروا قول النبي ﷺ: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ. رواه بن ماجه ”
———————–
إذن عندما تنشأ الغيرة بين الاخوة بسببك !! فإياك أن تكون أنت السبب في زرع الغيرة في نفوس ابنائك .. راقب تصرفاتك وسلوكك ..وتوقف عن إثارة الغيرة بإقامة المقارنات بين الإخوة او الانبهار بطفل فيه مميزات او ييملك مهارات عن الطفل الآخر او اظهار نواحي ضعفه وعجزه , او تفضيل بعضهم على بعض .. مما يتسبب في تأجيج العداوة بينهم وتدمير الانسجام الأسري ..كما حصل في قصة يوسف عليه السلام .. فعندما شعر إخوته أنه استحوذ على محبة أبيهم دونهم , أضمروا له العداوة وأبدوا كراهيتهم له عليه السلام , حتى وصلت بهم الغيرة الى التفكير في قتله او إلقائه في أرض نائية .. وطبقوا ذلك بالفعل ..
قال تعالى ” إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ “
كذلك إياك ان تزرع الغيرة بسبب عدم العدل بينهم في الأمور الاجتماعية او العاطفية او المادية ..نصيحة حاول تعديل سلوكك ومحاولة اصلاح ما أفسدته .. ويمكنك في سبيل ذلك أن تسأل كل ابن على حدا عما يثير إعجابه او حفيظته على اخيه وعما اذا كان يرى فيه أباً عادلاً او أماً عادلة ..ولا تندهش اذا اتهمك أحد أبنائك انك تتحيز لأخيه وتعامله معاملة خاصة لانك قد لا تنتبه لتصرفاتك على هذا انتبه وابذل جهدك في اجتناب ما يثير غيرة بعضهم من بعض وشجعهم على التعبير عن انفعالاتهم بشكل متزن ..
ولا تستخدم العقاب الجسدي في علاج الغيرة لانك تزيدها بذلك بل استخدم أسلوب الإقناع والترغيب.
المراجع :
مدونة الدكتور عبد الرحمن الفلاح بتصرف
كتاب في بيتنا طفل رائع د. ابراهيم بن عبد الله العريض