أعطينا في بداية الجزء الأول مقدمة عن السرطان
وسنكمل في هذه التكملة الكلام حول العلاقة بين الجينات والسرطان.
الجينوم البشري دقيق التصميم، والخطأ فيه قد يسبب كوارث. فرغم وجود مليارات الأحرف (النكليوتيدات) المكونة له، إلا أنّ -في بعض الحالات- الخطأ بحرف واحد (نكليوتيد واحد) قد يسبب السرطان؛ فما أنواع الطفرات التي قد تسبب السرطان؟
المادة الوراثية الأساسية في جسم الإنسان محجوزة في (23) صبغيًا؛ فتخيلها (23) خزانة، في كل خزانة عدد كبير من الملفات، فيها المعلومات اللازمة للإنسان.
توجد أنواع كثيرة من التطفير، ولكن ما يخصنا في السرطان: أربعة أنواع من الطفرات (مع صور توضيحية في التعليقات)، وهي:
1- الإزفاء المتوازن (balanced translocation): وفيها تنفصل قطعتان، كل واحدة منهما تعود لصبغي معين (ملف في خزانة، يُنقل لخزانة أخرى) وتحلّ محل الأخرى؛ كأن تنقسم قطعتان أحدهما من صبغي (14) مثلًا والأخرى من (8) وتحل إحداهما مكان الأخرى.
وهذا النوع من الطفرات قد يسبب تعبيرًا زائدًا عن الحد لجين معين يُفترض أن يُعبر عنه بصورة محدودة؛ إذ إنّ كل جين يُسبق بما يسمى: (محفّزًا) (promoter)، والذي يقوم بتحفيز عملية التعبير عن الجين حتى تبدأ؛ فيُنقل الجين مِن مكانٍ محفزه بطيء لمكان آخر محفزه سريع؛ فيؤدي لتعبير زائد. (فيديو في التعليقات)
2- طفرة الحذف (deletion): وفيها يُحذف جزء معين قد يقود لفقدان جين مهم، ومثاله: الجينات الكابحة للأورام التي أشرنا لها في مقالنا السابق. (لفرط التنظيم، هنالك معلومات تمنع تحوّل الخلية لسرطانية، لكن في حال أصابها اختلال تحصل مشكلة).
3- طفرة التضخيم (amplification): وفيها تزداد نسخ جين معين في الصبغي؛ مما يؤدي لزيادة تعبيره (يُنسخ ملف في خزانة عدة نُسخ زائدة).
4- طفرات نقطية (point mutation): وفيها يحصل تغيّر بحرف واحد فقط في صفحة في ملف في خزانة -تخيّل بساطة هذا الخلل-؛ فيحصل تغير في نكليوتيد، كأن يكون التسلسل مثلًا: (abc) فيتحول إلى (aab) أو (ab) وما إلى ذلك.
#لكن
تلك هي أنواع الطفرات المسببة للسرطان. لكن وبعيدًا عن الطفرات، قد تتحول الخلية لخلية سرطانية نتيجة:
1- اختلال الصيغة الصبغية (aneuploidy): حيث يكون فيها عدد الصبغيات غير طبيعي (زيادة خزانة بكاملها، أو نقص خزانة)؛ كأن يزداد أو ينقص عن العدد الطبيعي (كما في متلازمة داون مثلًا).
2- وكذلك من الناحية فوق الجينية، فإنّ معظم أجزاء الحمض النووي معطّلة عن العمل في الخلايا الاعتيادية عن طريق العملية التي تسمى: مثيلة الحمض النووي وتعديل الهستونات (DNA methylation and histone modifications)، والتي كما قلنا: تحصل بإضافة جزيء مثيل على الجين والتعديل على الهستون الذي يلتفّ عليه الحمض النووي.
أما في الخلية السرطانية فقد لوحظ أن هناك تفعيلًا عامًا لهذه الجينات المُعطّلة؛ مما يقود لعدم استقرار جينات الخلية، وكذلك تعطيل لجينات معينة، مثل: الجينات الكابحة للأورام، حيث وُجد أن بعض الجينات الكابحة للأورام تُعطل بالطريقة فوق الجينية وليس عن طريق الطفرات.
وكذلك قد لوحظ في بعض السرطانات طفرات في الجينات المسيطرة على العمليات فوق الجينية.
وهكذا نكون قد أنهينا نبذة (مختصرة) عن تعريف السرطان وكيفية حصوله.
انتظرونا في الجزء القادم للكلام عن خصائص الخلية السرطانية وكيف اكتسبتها.
دمتم بصحة وبعيدين عن الطفرات.
أعدّه: مصطفى حسن
راجعته علميًا: ألمى تمّور
قوّمه لغويًا: طارق القضماني
تصميم: عبد الرحمن مجدي