أبو الوفاء البوزجاني
شخصية الأسبوع : أبو الوفاء البوزجاني
مولده و نشأته :
أبو الوفاء البوزجاني هو أحد علماء الرياضيات والفلك المسلمين، يمتلك مساهمات عديدة في علم الفلك الرصدي. إنجازاته في علم المثلثات مهدت لحسابات فلكية أكثر دقة.
ولد أبو الوفاء في بوزجان في منطقة نيسابور في خراسان (إيران حالياً)، وذلك في العاشر من حزيران من عام ٩٤٠ للميلاد، من عائلة علمية أصيلة.
ازدهر علم أبي الوفاء في عهد الاضطرابات البويهية 945-1055م ، وذلك حينما تمددت الأسرة البويهية القادمة من مرتفعات الديلم إلى العراق، وقوضت الحكم العباسي إلى مجرد حكم شكلي. ومع تمددهم هذا حدث تغيير في الجانب الثقافي كما العلمي في تلك المناطق، كما حدث أيضًا نشاط أدبي في المناطق الشرقية من الحكم الإسلامي.
عندما بلغ أبو الوفاء العشرين، انتقل إلى بغداد وبرز كفلكي وعالم رياضيات، وقام بأعمال الرصد وتدوين الملاحظات في مرصد باب التبن. أما العقد التالي حوالي العام ٩٧٥ فيبدو أنه العقد الأكثر نشاطًا له في علم الفلك، حيث دون معظم ملاحظاته في تلك السنوات.
تواصل بعدها مع الوصي على العرش شرف الدولة الحمداني والذي كان كان فلكيًا بدوره، وعملا معًا على بناء مرصد جديد في بغداد، كما كان لهم شريك آخر وهو القوهي، وكان عالمًا شهيرًا في الفلك والرياضيات والفيزياء، وصانع أدوت رصدية ماهر. هذا الجهد الذي قدمه أبو الوفاء وزملاؤه يمثل إعادة إحياء لـ “مدرسة بغداد”، وهو تقليد من قرن منصرم تقام فيه بعض الفعاليات العلمية والثقافية.
كما يخبرنا أبو الريحان البيروني _عالم الفلك والأحياء المشهور في زمانه والمقيم في وسط آسيا مدينة قاث_ باتصاله مع مجموعة أبي الوفاء في بغداد عام ٩٩٧، وذلك بغية رصد خسوف القمر كل من مكانه لتحديد الفارق الزمني لبدأ وانتهاء الخسوف في كل منطقة على حدة، ولتحديد الفارق في التوقيت المحلي لكل منطقة. وأظهرت النتائج وجود فارق حوالي الساعة بين المكانين المرصود منهما وفقاً لخطي الطول الواقعين عليه وهذه نتيجة جيدة مقارنة مع حسابات اليوم. كما قام البيروني باعتبار قياسات أبي الوفاء مرجعًا له في العديد من أعماله.
مؤلفاته – أعماله و إسهاماته :
لقد دون أبو الوفاء أعماله في كتاب يعد الوحيد من كتبه الباقية حتى اليوم، وهو كتاب “المجسطي”، والذي ترجمه وعدله علي موسى في العام ٢٠١٠ تحت عنوان “مجسطي أبو الوفاء البوزجاني”، ويتكون الكتاب من ثلاثة فصول، ويتحدث عن علم المثلثات والتطبيق الكروي لعلم المثلثات في علم الفلك، كما يحتوي حديثًا نظريًا عن الكواكب، بالإضافة إلى سجلات بيان الرصد التي دونها والتي استخدمها العديد من العلماء في وقت لاحق بعده، لكن بشكل عام لم يقدم الكتاب أطروحات ونظريات جديدة فيه.
قسم المثلثات في الكتاب كان شاملًا وقدم براهين تطبيقية بطريقة رائعة لإسقاطه على علم الفلك والمثلثات الكروية. وكان لبعض مقاطع أبي الوفاء أجزاء تشبه العروض المتبعة اليوم في تقديم البراهين. وقد قدم فيه لأول مرة الظل Tangent وأعطاه وظيفته، والذي سهل تعامله مع قضايا المثلث القائم، خصوصًا في تطبيقاته في علم الفلك، كما كانت له طريقته الخاصة في إنشاء جداوله مما سمح له بإعطاء قيمة أكثر دقة من أسلافه لجيب الزاوية ٣٠، وكان هذا من أهم إنجازاته لأن الحسابات الفلكية تعتمد بدقتها على دقة جداول المثلثات والجيب. ووضع في كتابه أيضًا ظروف الجيب والتجب والظل، كما وضع المماس عند كل زاوية والعلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض.
وكان لأبي الوفاء مساهمات غطت علم الهندسة بجوانبه النظرية والعملية، كما كان له كتاب تطبيقي في علم الهندسة، والذي يعد كتابًا ضروريًا في علم الإنشاءات الهندسية ”فيما يحتاج إليه الساني من علم الهندسة“،هذا الكتاب لامثيل له في علم الهندسة في التراث العربي الإسلامي. كما كتب أيضًا كتابًا تطبيقيًا في علم الحساب يحتاجه كل من الكتبة والتجار، وهو كتابه ” فيما يحتاج إليه العمال والكتاب من علم الحساب” .
ويقال أن أبا الوفاء البوزجاني كان غزير العلم وينسب إليه حوالي ٢٢٢ كتابًا ومخطوطة تتضمن أعماله في الفلك والهندسة والحساب، إضافة إلى مترجمات وتعليقات على من سبقه مثل الخوارزمي وديوفانتوس، وتعليقات أيضًا حول موضوعات إقليدس. ومن كل هذا الأعمال لم ينج إلا ثمانية أعمال، كما يشار إلى كتاب “زيج الوضيح” وهو من الكتب الضائعة والعائدة له.
من الكتب التي بين أيدينا ومن أعماله الباقية نعلم أنه كان أحد أعظم علماء الفلك في زمانه كما نعلم ذلك من الأجيال اللاحقة من العلماء الذين أتوا بعده وكان معظمهم يستشهد ويستخدم البيانات الصادرة عنه وذلك لقرون تلته، كما أن علم المثلثات مدين له بالعديد من الأشياء حتى يومنا هذا.
#الباحثون_المسلمون
المصدر