استعراض كتاب الصنع المتقن
استعراض كتاب الصنع المتقن
دلالات الفيزياء علي وجود الخالق
للأستاذ: مصطفى نصر قديح (عضو مبادرة الباحثون المسلمون)
في المقدمة: يستعرض الكاتب دواعي تأليف الكتاب :
إنّ العلم الشعبوي ذو أهمية بالغة لعالم اليوم الذي يتصف بعصر العلم ، و تزداد أهميته لعالمنا العربي؛ نظراً لما أصابه من ضعف ووهن في أحد أهم سُبُل الحياة الكريمة = العلم ، فالعلم الشعبوي يزيد العوام ثقافة و اطلاعاً بكل ما هو جديد من اكتشافات العلم و تطبيقاته التكنولوجية، كماهو يرفع من حماس طالب العلم، و يزيد من شغفهم، و ليطّلعوا على كل ما هو جديد في العلم، بل إنّه يرفع من عزم قادة الأُمم وقيمة البحث العلمي. فللعلم رونق و مذاق يزداد حلاوة كلّما ازداد المرء منه.
و على الرغم من الأهمية البالغة للعلم الشعبوي، إلا أنه محاطٌ بمصائب جمّة من بعض المتدينين و الملحدين على سواء، فنجد أحد مدّعي الإعجاز العلمي يربط بين فكرة الأكوان المتعددة و بين قوله تعالى:
– بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1). الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الفاتحة.
مدّعيا بذلك صحتها و ثبوتها كنظرية، و لو اطلع على مفهومها العلمي و متطلباتها الفلسفية لوجد تعارضاً بين ما يحاول إثباته و حقيقة الواقع؟ و على الصعيد الآخر:
نجد أحد مدّعي العلم و الثقافة يحاول تبسيط العلوم للعوام، فيخلط بين النظريات العلمية الثابتة بالدليل التجريبي و المشاهدة الرصدية و بين ما يُدلّس عليهم، فيُلبس الفرضية غير الثابتة لباس النظرية الثابنة و العكس، نظراً لما يتماشى مع هواه و ما يريد أن يصل إليه حسب رؤيته المادية، فنجد أحدهم يقلل من شأن الاكتشافات العلمية التجريبية على صحة بداية الكون و سقوط أزليته، و يرفع من شأن فرضياتٍ أو نماذج رياضيةً ما زالت تفتقد الدليل، و لا أدري: لماذا لا يلتزم هؤلاء بالأمانة العلمية مع العوام ؟! و هل يريدون تثقيفهم أو توجيههم ؟!!
أهمية الكتاب:
هذا الكتاب لا ترجع أهميته فقط في الرد العلمي على أبرز أطروحات الإلحاد في مجال الفيزياء الذرية والفلكية (الكونيات) فقط ، بل تبيان ماهية القوانين وآلية عملها وأنها ليست [ فاعلة ] بل أنها مجرد تفسيرات رياضية للظواهر الطبيعية المرصودة التي تتكرر تحت ظروف معينة ، وأنها تحتاج في عملها لمحرك (متحكم ) وضامن لاستمرار تلك القوانين في عملها .
وكيف أن الفيزياء – على وجه الخصوص – قادة علماء كبار للإيمان بوجود الخالق وكذلك هيمنته على الكون ، كإنشتاين نيوتن و ماكس بورن.. إلخ وكثيرا من علماء الفيزياء .
كما يشمل نقضاً لدعاوى الملحدين وأبرزها الادعاء بأنه طبقاً لقوانين الفيزياء كقانون الجاذبيَّة فإن الكون يمكِنُه وسيُمكنه خلقُ نفسه من العدم !
العلم يخبرنا كيف تعمل الأشياء وآلية عملها ، وليس لماذا تعمل ومن الذي عَمِلها أو اخترعها أو صممها ؟
لأن ذلك خارج إطار العلم ويدخل ضمن اطار الدين والفلسفة (الأدلة العقلية )
وعليه أن إدراك كيفية عمل الشيء لا يَنفي وجود مسبِّب للشيء ،وليس معنى معرفة بعض الآليات التي يعمل بها الكون، أن ذلك يُغني عن البحث عن موجدٍ للكون !
الكاتب لم يقف عند حد إظهار عظمة تصميم وهندسة بناء هذا الكون المتقن فحسب ، بل يوثق علميا أن الكون لا يقوم بنفسه ،وأنه مفتقر لغيره ، وأن الكون يحتاج لمحرك ومتحكم وقيوم للسموات والأرض في كل لحظة او اقل من ذلك أو أكبر منها لأستمرار وجوده واستمرار تمدده وتضخمه والا إنهار الكون على نفسه .
في الباب الأول: الأزلية ينقض الكاتب دعاوى الملحدين وأبرز أدعياءهم بخصوص الأزلية يتناول الكتاب الرد على العلم الزائف كنظرية أزلية الكون والفرق بين اللاشئ (العدم ) كمفهوم فلسفي والفراغ الكمومي كمفهوم فيزيائي .. وكيف أن فيزياء ميكانيكا الكم التي أطلق عليها إينشتاين ” السحر الأسود ” تظهر عظمة الخالق ولطفه بمخلوقاته ، اذ لا يلزم أن تكون إدارة الخالق للكون بقوانين حتمية مسيرة – كما هو الحال في فيزياء نيوتن و أينشتاين على مستوى الاجسام الكبيرة – حيث تسقط الحتمية في هذا العالم (عالم الكوانتم ) ؛ وتبقى القوانين تعمل بإختيار حر وتدخل لحظي في أجزاء زمنية متناهية في الصغر ، ولو فقد هذا العالم الذري الإتزان والضبط لإنهار النموذج الذري على نفسه ولأنهارت بدورها كافة الموجودات من أحياء وجمادات وكون عظيم على نفسها ولأنتهى هذا الكون وعاد لنفس حالته كما بدأ ” إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ” ..
الباب الثاني: الأكوان المتعددة:
يبين فيه أن هذه الفرضية تدخل في العلم الزائف ويكشف كيف أن كبار منظري الإلحاد في العالم لجأوا لفرضية الأكوان المتعددة أو الموازية للهروب من معضلة الضبط الدقيق والهندسة العظيمة للكون ، لاسيما بعد سقوط نظرية الكون الأزلي التي كانت ابرز حجة لإلحادهم في نفي وجود الخالق – رغم ان نظرية الأكوان المتعددة خارج حدود العلم التجريبي – بعد تراكم الأدلة واستمرار الكشوفات العلمية في إظهار أن هذا الكون لا يمكن ان يكون إلا بوجود خالق موجد له ، عظيم حكيم عليم قادر وقيوم لا تأخذه سنة ولا نوم .. وان القول بأن الكون مجرد صدفة وتطور كوزمولوجي عشوائي ضرباً من السفاهة والحماقة ولا يوجد عليه دليلاً علمياً أو منطقياً واحداً
في الباب الثالث : الصنع المتقن
يهدم فيه الكاتب القول بصدفوية الكون ، مبيناً مدى عظمة تصميم وهندسة بناء هذا الكون و الضبط الدقيق لقوانينه و أنّ بالتأمل في الكون نجد أن من أكبر الأشياء التي تقف عائقاً في وجه القول بصدفوية الكون وعشوائيته هو #تصميم الكون وإنتظامه، وإحكام قوانينه وثوابته التي لو تغيرت ولو بجزء ضئيل لانهارت المنظومة الكونية ولانعدمت الحياة. إن الكون يسير طبق قوانين محكمة ومنتظمة لا تتخلف ولا تتبدل، فالكون لا يُقام على الصدف والعشوائيات كما يعتقد البعض، بل يُقام على الإبداع والتناسق بين مكوناته والقوانين المحكمة التي تدل على فدرة خالقه وتدبير أمره، والقائم عليه في كل آن.
مبينا أن الكثير من علماء الفيزياء، لديهم قناعة في أن وجود نشأة الكون معتمدة بدقة على محافظة قوانين وثوابت الفيزياء على قيمها بالضبط، إن هذه القيم حرجة لدرجة أنك تجد في كتاباتهم واستدلالاتهم ما يدل على أن الكون تم إعداده بدقة متناهية جداً بحيث لا يمكن لأحد هذه الثوابت أن يتخلف.
ضاربا بعض الأمثلة على هذه الثوابت، وليس على سبيل القصر : سرعة الضوء، كتلة الكوارك العلوي، كتلة الإلكترون، الثابت الكوني وثابت الجاذبية، إلخ. وجميع الثوابت المذكورة آنفاً لا يُمكن أن تتغير.. كلُّ رقمٍ منهم فريدٌ من نوعه، ولكنها تتجمع معاً لتشكّل كلَّ شيءٍ حرفياً من خلال القيم التي لا تتغير – فهذه الأرقام هي التي تُمسك الذرات معاً، وتُبقي النجوم مشتعلةً.
فالضبط الدقيق الدقيق المطلوب حتى يوجد الكون شيء معجز بحق، بل هو من أعظم الأدلة على الصنع المتقن ووجود الخالق سبحانه، ولا يكاد يقترب شيء من عظمة هذا. إنه الشيء الذي يشير حتماً في كل وقت إلى أحد فوق الكون …
يقول ليونارد سوسكايند الفيزيائي الشهير في كتابه The Cosmic Landscape : الثابت الكوني 10أس 122 يستحيل أن ينشأ بداهة عن صدفة .
الأعجب أنه لو كانت النسبة بين القوة النووية القوية والقوة الكهرومغنطيسية زائدة أو ناقصة بقدر متناهٍ في الصغر – حتى لو كان ذلك واحد على 100 أس 15 (1على1000000000000000) لما تكونت أي من النجوم على الإطلاق..!
فلا يزال البشر يشعرون بالرهبة حيال التنظيم المعقد الدقيق للكون.
فمسار الأجرام السماوية عبر السماء، وايقاعات الفصول، ونماذج ندف الثلج، وأعداد المخلوقات الحية المتكيفة جدا مع بيئتها، هذه الأشياء جميعا تبدو متراتبة بشكل جيد لدرجة أن من غير الممكن أن تكون قد وُجِدت بمصادفة لا منطق لها. ويُبدِي البشر ميلا طبيعيا إلى عزو هذا الترتيب الدقيق للكون إلى أفعال إله غائية . (
و أن الكون بما يحويه من إعجاز وتصميم وضبط دقيق.. كأنه كان مهيئ مسبقاً لأستضافتنا – وهو بالفعل كذلك .