الإسلام و النِظام العالمي
“لا ينبغي أن ننسى حين تعرضنا لهذا الموضوع، حدَاثة ميلاد القانون الدولي الذي يتمتع على الصعيد العالمي بصلاحيتِه المعهودة في العالم الغربي، فقد كان هذا القانون أول أمره منظِماً للمعايير القانونية بين الدول، إلى أن مهدَ له و طورَهُ الهولندي ( هوجو جروتيوس) بكتابه- القانون الدولي ١٦٠٩- ثم في كتابه – شرعية الحروب و السلام ١٦٢٥-. وفي العصور السابقة قبل ذلك سادت العلاقات بين الدول أفكارٌ من القانون الروماني بل و الإسلامي كذلك، شاعت بمقتضاها تقاليد مشتركة بين الشعوب، كنوع من القانون الدولي.”
(كتاب -الإسلام كبديل- د. مراد هوفمان- ص.٢٣٩)
و بعد انتهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية و العالم كان محكوم من قوتين عُظمتين عن طريق النظام الرأس مالي بقيادة الولايات المتحدة من جهة و النظام الإشتراكي بزعامة الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ١٩٩١، و سقوط جدار برلين ١٩٨٩، أصبحت الولايات المتحدة القوة العُظمى في العالم، وترسُم و تُهندِس النظام العالمي دون مُساءلة أو مُحاسبة.
ولكن عدم الأخذ بالقِوى الأخرى بعين الاعتبار ك الصين و روسيا و بريطانيا و فرنسا، يعبر عن عدم دِراية و إحاطة بحقيقة الصِراع الدولي. خاصة أن هذه الدول الخمسة هي الدول الدائمة العُضوية في مجلس الأمن، ولهم حق اعتراض- اجهاض- اي قرار يُقدم لمجلس الأمن دون حتى ذكر الأسباب- حق الفيتو-.
إذن العالم نظرياً محكوم من هذه الدول الخمسة، وإن كانت الولايات المتحدة هي الطرف الأقوى عملياً على الكثير من الصُعد، مع عدم نِسيان التنافُس الكبير القائم بين هذه الدول على النُفوذ و الهيمنة الإقتصادية و السياسية و حتى الثقافية و الإعلامية.
بناءاً عليه يجد العالم الاسلامي نفسه في الوضع الراهن خارج دائرة صُنع القرار الدولي، وهذا الوضع قائِم منذ سقوط الخلافة العثمانية و ما تلاها من أحداث كان لها دور حاسِم في وصول الوضع إلى ما هو عليه الآن. ك اتفاقية سايكس-بيكو عام ١٩١٦ و تفكيك العالم الاسلامي إلى دُويلات، و وعد بلفور عام ١٩١٧ الذي تدعم به بريطانيا إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وما نتج عنه من هجرة اليهود من كل أسقاع الأرض و تأسيس ما يسمى “إسرائيل” عام ١٩٤٨.
يقول /-د. مصطفى محمود- في كتابه – الإسلام السياسي و المعركة القادمة- ص.١٣/:
” ولكن أهل العِلم يعلمون أن العِدوان مَبيت منذ عشرات السنين، منذ سقوط الخِلافة العثمانية، و منذ وعد بلفور و تهجير مَطاريد اليهود من أقطار العالم و جمعهُم في “إسرائيل” و اقامة الترسانة النووية و الكيميائية و الميكروبية في داخل القلعة الإسرائيلية، و تحطيم كل سِلاح عربي مُنافس. و المعركة مُستمرة، و سوف تستمِر بطول ما بقي من زمان إلى يوم الدين، ولن تكون معركة سهلة، وطوبى لهم من كانو من أبطالِها.”
اليوم يشهد العالمين الإسلامي و العربي تحرُكات لتغيير هذا الوضع- في الحد الأدنى تغيير الوضع في الوطن نفسه- بعض هذه التحرُكات فشلَت و بعضها نجح- والنجاح و الفشل هنا نسبي- ولكن لا بد لهذه التحرُكات أن تستوعِب أن التغيير ليكون ناجحاً على أتم وجه يجب أن يكون ليس لتغيير واقع الأوطان فحسب، بل لتغيير النظام العالمي القائِم ككل.
فالقِوى العُظمى و غيرها تسعى بل تُحارب لإبقاء نظامها قائِم، فبالنسبة لها المسألة معركة وجود، فنرى تدخُل هذه القوى في كل مكان يسعى لإحداث تغيير. معركتهُم هذه ليست محصورة مع العالمين العربي و الإسلامي فحسب، بل تجد تدخلاتهم في كل بقاع الأرض في إفريقيا، امريكا الجنوبية وحتى دول آسيا.
إضافة لذلك المسألة ليست فقط حِفاظ على النُفوذ و المصالِح و نهب الثروات، بل المسألة عندما تتعلق بالعالمين العربي و الإسلامي تتعلق بمعركة مع الإسلام القادر على أن يكون بديلاً عن النظام العالمي القائِم وخاصة أن أحكامه وأهدافه و أفكاره و مبادِئه تتعارض تماماً مع النظام العالمي القائم .
يقول/- د. مصطفى محمود- المصدر نفسه-ص.١٧/:
” و لكن خُصومتهم و عدائَهم هي للإسلام الآخر، الإسلام الذي يُنازِعهم السُلطة في توجيه العالم و بنائه على مِثاليات و قِيم أخرى، الإسلام الذي يُنازعهم الدنيا، و يطلب لنفسه موقِع قدم في حركة الحياة، الإسلام الذي يريد أن يشق شارعاً ثقافياً آخر و يُرسي قيماً أخرى في التعامُل، و نماذِج أخرى من الفِكر و الفن، الإسلام الذي يريد أن يَنهض بالعِلم و الإختراع و التكنولوجيا و لكن لغايات أخرى غير التسلُط و الغزو و العُدوان و السيطرة”.
فلا بد من التحرُكات في العالمين العربي و الإسلامي أن تكون على قدر تلك المواجهة فِكريآ و توعوياً في المقام الأول، لأن أخطر أنماط المعركة هي المعركة الفِكرية و صِراع الأفكار و المُصطلحات، فيجب الإنتقال من مرحلة الدفاع عن ديننا- كالمُتهمين- إلى الهجوم- كالمُنتصرين-.
خِتامآ يقول/- د.مصطفى محمود -نفس المصدر-ص.٣١،٣٩/:
“و هذا ربنا يقول لشعب إسرائيل:
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا(7) ) -سورة الإسراء- اي ليُدمر المسلمون كل ذلك العُلو الذي شيدتُموه ويأتو عليه من القواعِد. ذلك هو وعد ربنا و وعيده لبني إسرائيل وهي بُشارة لنا بالنصر، وهي نهاية لن تأتي إلا بأسباب، و علينا الأخذ بتلك الأسباب. واليوم إنقلبت الآية فاليهود جالسون على ترسانة نووية، و ” إسرائيل” في العلو و المُسلمون مُستضعفون من كل ذي سُلطان، مدفوعون بالأبواب مروعون بالجوع و الخوف، و سوف تجري سُنة الله فيمن عليهم و يأخذ بيدهم، فما عرفنا الدنيا الا خافِضة رافِعة، لا يدوم لها حال، وما عرفنا كأس البلايا الا كأساً دوارة”.